رغم إعلان الحكومة اليمنية حصولها على منح سعودية وإماراتية لدعم الكهرباء والميزانية والمشتقات النفطية، إلا أن هذا الدعم لم يغيّر شيئاً من حقيقة الانهيار المستمر. فالسعودية- التي أودعت 90 مليون دولار من أصل تعهد بـ368 مليوناً- لا تقدّم حلولاً بقدر ما تمنح جرعات إنعاش تُبقي حكومة عدن على قيد الحياة السياسية، وتضمن استمرار نفوذها عبر الفصائل التي تموّلها وتتحكم بقراراتها.
أما الإمارات، فدعمها الملياري لقطاع الكهرباء ليس سوى غطاء يجمّل حقيقة مشاريعها التي لا تغطي إلا نسبة ضئيلة من احتياجات عدن، بينما تُهدر المنظومة الوطنية للكهرباء، وتزداد ساعات الانقطاع إلى 20 ساعة يومياً. فالمستفيد الحقيقي هو الشركات الإماراتية، وليس المواطن اليمني.
منذ سنوات، تتعرض موانئ عدن لعملية تدمير ممنهجة، وفق ما تؤكده مصادر محلية كثيرة، بدءاً من اتفاقيات موانئ دبي التي أضعفت الميناء، وصولاً إلى سياسة التفريغ التدريجي التي جعلت من واحد من أهم موانئ العالم مجرد مساحة مهجورة. فالإمارات- التي تدير واحداً من أكبر الموانئ في المنطقة- لم يكن يعنيها أن يبقى ميناء عدن منافساً، بل أن يُشلّ تماماً، وهذا ما حدث.
وها هي اليوم تتجه إلى ميناء قشن، بصفقة غامضة منحت لشركة لا يعرف عنها اليمنيون شيئاً، وبامتياز لمدة 50 عاماً، وكأن اليمن أرض بلا أصحاب.
لا تكتفي أبوظبي بالسيطرة على السواحل والجزر، بل تمد يدها إلى باطن الأرض أيضاً. مناجم الذهب في وادي مدن ومنجم نتيشة أصبحت تحت إدارة غير معلنة لقوى محلية مدعومة إماراتياً، بينما تُنقل كميات من المعادن والأحجار الثمينة من أبين وشبوة وحضرموت إلى أبوظبي تحت ذريعة الاستثمار، وهو في الحقيقة ليس استثماراً، بل اقتحام منظم لموارد دولة تعجز حكومتها عن حماية ثرواتها أو تتواطأ في استباحتها.
صفقة بيع 70% من أصول "عدن نت" لشركة إماراتية مجهولة تُسمى “Technology NX” لم تكن سوى محاولة للسيطرة على قطاع حساس يمثل شريان الأمن القومي اليمني. فالشركة التي لا وجود فعلياً لها، لم تُطرح لتعزيز البنية الرقمية في عدن، بل لفتح أبواب البيانات والمعلومات أمام نفوذ خارجي يتحكم اليوم حتى في تفاصيل الاتصالات داخل المحافظات التي تقع ضمن نطاق سيطرة حكومة الشرعية.
الإمارات التي ترفع شعار "الأعمال الإنسانية" عبر مؤسسة خليفة، تحوّل سقطرى إلى منطقة نفوذ مغلقة، وتتمدّد في المهرة عبر اتفاقيات ومشاريع ظاهرها تنمية وباطنها تجذير نفوذ طويل الأمد. وما يجري في هذه المناطق ليس مساعدة، بل توطين لمشروع سياسي واقتصادي مترسخ، يجد في الانقسام اليمني فرصة لا تعوض.
الجانب الأخطر في المشهد ليس التوسع الإماراتي نفسه، بل التواطؤ الصريح أو الضمني من حكومة عدن، التي فقدت القرار الاستراتيجي لصالح داعميها. هذه الحكومة- التي تعتمد على السعودية والإمارات في كل شيء- لا تمثل الدولة اليمنية بقدر ما تمثل شبكة مصالح تُدار من الخارج.
أما القوى والفصائل الممولة إماراتياً، فهي اليوم جزء من منظومة النفوذ، تسهّل السيطرة على الأرض والموانئ والموارد، مقابل بقاء نفوذها المحلي وضمان استمرار تدفق التمويل.
عندما تتحول الاستثمارات إلى أدوات سيطرة، وعندما يصبح الدعم المالي وسيلة لإدارة الحكومات، وعندما تسيطر شركات أجنبية على الموانئ والمعادن والاتصالات، فإننا لا نتحدث عن تنمية بل عن هيكلة نفوذ كاملة لدول التحالف على أسس تضمن بقاء اليمن ضعيفاً منقسماً وتابعاً.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية