تبدو حكومة الشرعية عاجزة عن أداء أبسط وظائفها السيادية، ويكاد يتّفق المراقبون على أن هذه الحكومة لم تعد تمثل سوى واجهة شكلية لسلطة فعلية تُمارس من خارج الحدود، بينما يتوزع مسؤولوها بين الفنادق والعواصم، ويشغلهم النفوذ الشخصي والامتيازات والمناصب أكثر من انشغالهم بحياة اليمنيين وأوجاعهم.
المفارقة الصارخة تتمثل في استمرار تدفّق الدعم المالي من الشركاء الإقليميين، وفي مُقَدَّمِهم السعودية، نحو هذه الحكومة، بدون أن ينعكس ذلك بأي تحسن ملموس في حياة المواطن اليمني. فبعد تقديم دعم جديد بقيمة 368 مليون دولار، لم تتغير ملامح الفقر أو الخدمات في عدن أو غيرها من مناطق الشرعية، وما زالت الرواتب متأخرة أو متوقفة، والكهرباء منقطعة، والمياه غير متوفرة، والصرف الصحي ينهار، والأسواق تغصّ بسلع باهظة الثمن لا يقدر المواطن على شرائها.
أين تذهب هذه الأموال؟ سؤال بات اليمنيون يعرفون إجابته جيداً؛ فالموارد، سواء كانت داخلية أم خارجية، تُبتلع في ما يشبه الثقوب السوداء المتمثلة في الفساد وسوء الإدارة، وتُهدر في نفقات تشغيلية متضخمة، ورواتب لمسؤولين لا ينجزون شيئاً سوى حضور المؤتمرات الدولية والمزايدة باسم الشعب الذي لا يمثلونه.
رغم هذه الحقائق، لا تزال الحكومة تصرّ على تقديم نفسها أمام المجتمع الدولي كطرف يسعى لتحقيق الاستقرار، وآخر تلك المحاولات تمثلت في بيانها أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60 المنعقدة بجنيف، حيث طالبت بتقديم الدعم اللازم لاستئناف تصدير النفط وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. لكن من الواضح أن ما تسميه "الإصلاح الاقتصادي" قد تحول إلى ورقة ابتزاز تستخدمها الحكومة لاستجداء التمويلات من الخارج، بدون أن تلتزم بأي خطط واضحة أو شفافة لتوظيف تلك الأموال في بناء الدولة أو تحسين حياة المواطن.
ما يجري فعلياً هو إدارة أزمات لا حلّها، وتوظيفها في سياق الحفاظ على المصالح السياسية والمالية لشركاء السلطة، الذين يرفضون مجرد المساس بمكتسباتهم، حتى ولو كان ذلك على حساب تجويع الشعب وتركه يواجه الانهيار بمفرده، كيف يمكن تفسير بقاء أجور كبار المسؤولين- المقيمين في الخارج- على ارتفاعها وبالعملة الصعبة في ظل شلل عام في الخدمات؟
جوهر المشكلة يكمن في فقدان القرار الوطني، فحكومة الشرعية لا تمتلك حرية القرار، وتخضع في معظم تحركاتها لإرادات إقليمية متضاربة، لا تضع مصلحة اليمنيين في أولوياتها، بل تتعامل مع البلد كأرض يدار عليها صراع مصالح ونفوذ. وفي ظل غياب التوافق بين مكونات السلطة، وتنازعها الدائم على النفوذ، تتعطّل كل مشاريع الإصلاح الجاد، ويظل الشعب يدفع الثمن.
المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الداعمة للشرعية، مطالبون بإعادة النظر في آلية تقديم الدعم المالي لحكومة عدن، وأن تربطه بإصلاحات حقيقية، كما ينبغي أن تتوقف الجهات الرسمية عن المتاجرة بالأزمات واستخدامها كورقة سياسية لجلب الأموال بدون أي التزام بأهداف التنمية أو تحسين واقع المواطن.