ضعف وهشاشة
ومن بيانها الختامي يتضح حجم الضعف والهشاشة. فبدلاً من تصعيد مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومعاقبته على جرائمه المستمرة في فلسطين والأراضي العربية والإسلامية الأخرى، ركزت القمة على حادثة محدودة، مطموسة الجذر الحقيقي للمأساة، وهو استمرار الاحتلال وانتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني. وهذا التوجه لا يخدم الأمة، بل يمنح كيان الاحتلال فرصة إضافية لتمرير مشروعه العدواني، وتفريق العرب والمسلمين عن قضيتهم المركزية "فلسطين".
مؤشر
وفي الوقت الذي كان الشارع العربي والإسلامي ينتظر بفارغ الصبر ما ستسفر عنه القمة، كانت مسودة البيان التي خرج بها الاجتماع الوزاري لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية الذي سبق القمة مؤشرًا على المخرجات النهائية للقمة، وهو ما بدد الآمال المعلقة على القمة، وأكد أنها لن تتجاوز الشجب والتنديد.
إجراءات عملية
ينتظر الشارع العربي والإسلامي من أي قمة تناقش الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة إجراءات عملية تتجاوز الإدانة والشجب والتنديد، إلى إرسال رسائل قوية ليس لإسرائيل فقط، وإنما تمتد إلى المجتمع الدولي بأسره، تؤكد على أن استمرار الدعم غير المشروط للاحتلال في الأراضي الفلسطينية لم يعد مقبولاً، ولابد من البدء بفرض عقوبات وضغوط اقتصادية ودبلوماسية ملموسة، عوضا عن استثمار أدوات الضغط الجماعية للدول العربية والإسلامية.
مجلس عزاء
كما كشفت مخرجات قمة الدوحة أنها لم تكن محطة مهمة لدراسة مواقف الدول العربية والإسلامية إزاء العدوان الإسرائيلي على الأمة، وإنما ظهرت وكأنها مجلس عزاء حضره كبار القوم، ولسان حالهم يقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
غياب البعد الاستراتيجي
وأبرزت مخرجات القمة محدودية المواقف وغياب البعد الاستراتيجي لمواجهة الاحتلال، حيث بدا ذلك واضحًا من عنوانها الذي اجتمعت تحته "الهجوم على قطر"، ما كشف حجم الضعف والهوان الذي بدا عليه الزعماء المجتمعون، والذين لم يتجاسروا على تسميته بالعدوان.
أدوات ضغط
وأكدت القمة افتقار المجتمعين من خلال البيان الختامي لأي خطوات عملية للتصدي للكيان المحتل على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الدبلوماسية، وليس العسكرية، رغم أن لدى المجتمعين أدوات ضغط قادرة على تركيع كيان الاحتلال، ومن أبرزها قطع المطبعين للعلاقات مع الكيان، أو على الأقل تعليقها، وفرض المقاطعة الاقتصادية، وعدم التعاطي مع أي جهود دبلوماسية قبل وقف الكيان حرب الإبادة في غزة والأراضي العربية المحتلة، ووقف التصعيد ضد الدول العربية والإسلامية.
رهانات الضعفاء
ومن البيان الختامي للقمة يتضح غياب الموقف العملي الموحد، كونه الكفيل بردع كيان الاحتلال، بل ظهر أن القادة العرب والمسلمين لا موقف موحد لهم غير التضامن والإدانة والاستنكار، وتأكيد الحرص على السلام والرهان على القانون الدولي، وهي رهانات الضعفاء، غير القادرين على المواجهة.
وبالتأكيد، فإن من يفتقر للموقف العملي الموحد، فإنه لن يبحث في أي خطوات عملية للردع كالمقاطعة الاقتصادية أو التجارية، أو حتى المقاطعة الدبلوماسية، على الرغم من أن الاعتداء كان على دولة عربية تسعى للترويج لنفسها بأنها تتمتع بثقل سياسي واستراتيجي.
حصر وفصل
والمعيب في القمة أنها ركزت على الهجوم الجزئي، حيث حصرته على قطر، وفصلته عن السبب الجوهري لكل ما يحدث، وهو الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين والأراضي العربية الأخرى، والعدوان على لبنان وسوريا واليمن وإيران. وهذا الحصر قلّص دور القمة، وحوّل مخرجاتها إلى مجرد استنكار حادثة محددة، بدلا من المواجهة الاستراتيجية للكيان المحتل.
مكاسب وفرص
هذه المخرجات المتواضعة التي تنم عن الهشاشة والضعف جعلت كيان الاحتلال يحصد العديد من المكاسب، والتي بدت واضحة أمام الرأي العام الدولي، والشارع العربي والإسلامي، بل إنها أهدت قادة الكيان، وعلى طبق من ذهب، مكاسب أمام الرأي العام داخل الكيان، ومن أبرزها تشتيت الأنظار عن القضية الأساسية، والتركيز على قطر، وجعلها في المرتبة الأولى، ودفع فلسطين إلى المرتبة الثانية، وهو ما سيمنح قادة الكيان فرصة للتهرب من الضغط الرسمي العربي والإسلامي المباشر على سياساته العدوانية.
تخلي
إن غياب أي خطوات عملية لقمة الدوحة لن يؤدي إلا إلى المساهمة في التخلي عن الشعب الفلسطيني والمقاومة عن الدعم العربي المباشر، وتركه يواجه الاحتلال وحيدا، وينتظر مصيرًا ماسويًا مفتوحًا على كل الاحتمالات، في ظل مواجهة مع عدو لا يعترف بالقوانين أو الأعراف الدولية.
مساحة أوسع
وفي المجمل، فإن اتباع القادة المجتمعين في قمة الدوحة لسياسة الاستنكار دون تحرك عملي، فإنه يمنح الاحتلال مساحة أوسع وحيزًا أكبر لمواصلة اعتداءاته على الأراضي العربية والإسلامية الأخرى، في إطار مشروع توسعي استيطاني يقوم على أراضيهم. وهذه السياسة هي من جعلت كيان الاحتلال يتمادي في توسيع عدوانه من غزة إلى الضفة، ومنها إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران، وصولًا إلى الدوحة، والقادم بلا شك ستكون دول أخرى، ومصر والأردن وغيرها ليست ببعيدة.
مزيد من الفرقة
وعليه فإن مخرجات القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة أظهرت هشاشة الموقف العربي والإسلامي وغياب الإرادة العملية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فالتركيز على حادثة محدودة مثل "الهجوم على قطر"، والتي لم تعالج الجذر الحقيقي للمأساة الفلسطينية، فإنها تمنح كيان الاحتلال فرصة إضافية لتعزيز مشروعه العدواني، وتفريق العرب والمسلمين عن قضيتهم المركزية" فلسطين".
تهديد
إن استمرار هذا النهج يهدد الأمن الإقليمي ويترك الشعب الفلسطيني والمقاومة في مواجهة الاحتلال بمفردهم، وهو ما يفرض على الدول العربية والإسلامية إعادة النظر في استراتيجياتها، ورفع السقف باتخاذ خطوات عملية وجماعية تترجم المواقف إلى قوة حقيقية في مواجهة العدوان، وتحافظ على وحدة الأمة ومكانتها على الساحة الدولية.