آخر الأخبار

الهيمنة البحرية في اختبار استراتيجي .. اليمن يعيد رسم قواعد الاشتباك الجوي – البحري

شارك

هذه الهجمات، التي تتسم بالبساطة من حيث الكلفة والتقنية، سلطت الضوء على فشل الأنظمة الدفاعية الأمريكية المتقدمة، خاصة تلك المثبتة على المدمرات من طراز "آرلي بيرك"، والتي لطالما اعتُبرت رموزًا للهيمنة العسكرية الأمريكية في البحار المفتوحة.

وبحسب ما كشفه تقرير لمجلة الدفاع الإيطالية، تسعى البحرية الأمريكية بشكل عاجل لدمج نظامي COYOTE وROADRUNNER-M في إطار استجابة سريعة لحالة الإرباك التي أحدثتها المسيّرات اليمنية. ومع ذلك، تبدو هذه المحاولة بمثابة "ترقيع فني" لا يرقى لمستوى التحدي القائم.

التقرير يشير إلى أن المعضلة الرئيسية لا تتعلق بتوفير التكنولوجيا فحسب، بل بكيفية تكاملها الفعلي مع أنظمة الدفاع الحالية، مثل منظومة AEGIS القتالية المتطورة. ويعاني هذا التكامل من عوائق تقنية متعددة تتطلب تعديلات برمجية وهيكلية معقدة، في وقت تضغط فيه الحاجة الملحّة على البحرية الأمريكية للرد الميداني الفوري.

أضف إلى ذلك، ضعف جاهزية الطواقم البحرية، التي لم تحصل بعد على التدريب الكافي لتشغيل هذه الأنظمة بكفاءة، ما يعمّق من الفجوة بين التهديد والاستجابة.

بين الطموح والواقع: تساؤلات حول الجهوزية القتالية:

المثير للقلق أكثر هو أن أحد الأنظمة المطروحة، وهو ROADRUNNER-M، لا يزال في مرحلة التقييم العملياتي، ولم يخضع بعد لاختبارات ميدانية في بيئات صراع فعلية كالبحر الأحمر، الذي بات مسرحًا لمواجهات غير تقليدية تنفذها جماعة الحوثيين عبر تكتيكات مرنة ومباغتة.

كما أن قدرة هذا النظام النظرية على إعادة التزود وإعادة الاستخدام، والتي تُمثّل نقطة تميّز تكنولوجية، قد تكون بلا فائدة حقيقية في سياقات الاشتباك السريع، حيث تحتاج الأنظمة الدفاعية إلى استجابة لحظية ومتكررة.

ميزانية تحت الضغط... واستعداد بعيد عن الميدان:

ورغم أن الأنظمة الجديدة مثل COYOTE وROADRUNNER-M تعد أقل تكلفة من الصواريخ الاعتراضية التقليدية التي تستخدمها المدمرات الأمريكية بكثافة، فإن اعتمادها يواجه عقبات لوجستية حادة، أبرزها تأمين كميات كافية وتوزيعها سريعًا على السفن الحربية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بسهولة في ظل البنية التحتية الحالية.

الأمر لا يتوقف هنا، فشبكات التدريب الأمريكية تعاني من قصور واضح في مواكبة وتيرة التهديدات الجديدة، ما يجعل من المتوقع أن يستمر ضعف الأداء الميداني للبحرية لفترة غير قصيرة.

ـ التفوق الأمريكي تحت المجهر اليمني:

ما كشفته المسيّرات اليمنية لا يتعلق فقط بالأداء الأمريكي، بل يفرض مراجعة واسعة داخل دوائر التصنيع العسكري الغربي، خاصة في أوروبا، التي لطالما اعتمدت على النماذج الأمريكية في بناء دفاعاتها البحرية.

تقول المجلة الإيطالية إن المدمرات الأمريكية التي طالما اعتُبرت "أسود البحار"، باتت اليوم في موقع الدفاع والارتباك أمام خصم يستخدم تكنولوجيا بدائية لكنها فعالة.

هذه الحالة، بحسب التحليلات، أعادت واشنطن إلى "مربع القلق" في التقييم الاستراتيجي، حيث لم تعد معركة التطوير مجرد سباق تقني، بل تحدٍ وجودي لإثبات الجاهزية أمام تهديدات جديدة وغير متوقعة.

ـ تصعيد مزدوج يُعيد رسم خطوط الاشتباك:

المؤكد اليوم أن البحرية الأمريكية، رغم امتلاكها تقنيات تفوق معظم أساطيل العالم، لم تعد قادرة على تجاهل واقع العمليات المتغيرة. فالمعادلة العسكرية لم تعد تُحسم بمن يملك التقنية الأحدث، بل بمن يملك التكتيك الأسرع والمرونة الأعلى في التكيف مع الميدان.

وفي ظل تزايد قدرة الحوثيين على استخدام المسيّرات بفعالية وبتكاليف منخفضة، تجد واشنطن نفسها أمام مأزق استراتيجي: لا الأنظمة القديمة قادرة على صد الهجمات، ولا الأنظمة الجديدة جاهزة للقتال.

خاتمة: من يملك المبادرة؟:

في البحر الأحمر، لم تعد الهيمنة البحرية مرهونة بالضخامة والعدد، بل بالقدرة على الاستجابة الذكية والسريعة. وبينما تحاول الولايات المتحدة سدّ الفجوات التقنية، تستمر المسيّرات اليمنية في إعادة رسم معادلات التفوق، وفرض معركة من نوع جديد، عنوانها: "من يمتلك الجو... يفرض قواعد البحر".


* نقلا عن عرب جورنال


أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا