في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
الخرطوم- كان يوما عصيبا وشاقّا على السوداني عبد الله محمد فضل المولى من قرية "طليحة الحامداب" في ريف القطينة بولاية النيل الأبيض (جنوب)، عندما اضطر هو وكل أهالي قريته للنزوح سيرا على الأقدام لمدة 13 ساعة هربا من مليشيا قوات الدعم السريع التي اقتحمت قريتهم.
وبعد شهرين، عاد فضل المولى والسكان إلى قريتهم، ليكتشفوا أن محوّلات الكهرباء التي كانوا يشغلون بها الآبار لسحب مياه الشرب قد نُهبت، مما عرَّضهم للعطش. وكادوا ينزحون ثانية لولا أن اهتدوا إلى بديل آخر يكمن في شراء منظومة للطاقة الشمسية لتشغيل الآبار، ومن ثم توجهوا للبحث عن هذا البديل في أم درمان ، حيث التقتهم الجزيرة نت.
ويقول المواطن عصام الدين الإمام، من القرية ذاتها، للجزيرة نت "بعد أن فقدنا محولاتنا الكهربائية، جئنا من ولاية النيل الأبيض إلى أم درمان لشراء منظومة الطاقة الشمسية، وعرفنا من بعض الذين جربوا أنها نجحت".
يمثل استهداف البنية التحتية لقطاع الكهرباء وجه آخر من أوجه الخسائر الممتدة التي خلفتها الحرب في السودان. ويعتمد هذا البلد في توليد الكهرباء على المحطات الكهربائية والمائية، لكن معظمها تدمّرت في الحرب المستمرة لأكثر من عامين.
ولم يقتصر الأمر على تدمير المحوّلات الرئيسية والفرعية، وإنما طال شبكات نقل الكهرباء في كل الولايات المتأثرة بالحرب، بل تعداه إلى سرقات واسعة النطاق في هذه الخطوط بهدف الوصول إلى النحاس الموجود داخل هذه المحولات.
ورصدت الجزيرة نت عمليات حفر واسعة في ولاية الخرطوم بحثا عن كوابل النحاس بغرض سحبها وبيعها في الخارج، في عمليات وصفها خبراء بأنها ممنهجة.
وتسبب استهداف الشبكات الناقلة للكهرباء بالإضافة إلى قصف المحوّلات الرئيسية بمسيّرات تابعة لقوات الدعم السريع إلى انقطاع التيار الكهربائي في العديد من مناطق السودان لفترات امتدت لأسابيع مما تسبب في معاناة كبيرة للمواطنين.
ولم يقتصر الأمر على التدمير الذي لحق بقطاع الكهرباء والعديد من المنشآت على الخرطوم فقط، بل شمل كل الولايات المتأثرة بالحرب. وشهدت ولاية الجزيرة خسائر كبيرة في قطاع الكهرباء، تمثلت في حريق كامل للمحطات إضافة إلى سرقة النحاس من محولات كبيرة بالولاية.
ووصلت الخسائر -حسب مدير الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء في الولاية، مصعب عبد القادر- إلى 180 تريليون جنيه سوداني (الدولار يساوي 600 جنيه سوداني) في تكلفة أولية.
على إثر ذلك، وقف اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم على إمكانية استعادة الكهرباء لمحلية الخرطوم. وكشف مدير كهرباء الخرطوم، في بيان وصل الجزيرة نت نسخة منه، عن تدمير شامل لسبع محطات داخل محلية الخرطوم ونهب جميع كوابل الكهرباء في الشوارع وداخل المباني. ومع ذلك، أكدت إدارة الكهرباء أنها تبذل جهودا كبيرة لتنفيذ برنامج إسعافي لتوظيف الإمكانيات المتاحة لاستعادة الكهرباء تدريجيا.
وفق المحلل الاقتصادي عمر محجوب الحسين، فإن تدمير شبكة الكهرباء سيلقى بظلاله على المناطق السكنية والصناعية والوزارات والبنوك، وهذا سيؤخّر عودة تلك المؤسسات إلى العمل قريبا، ويزيد من خسائرها.
وبحسب المحلل في حديث للجزيرة نت، فإنه من المبكر الحديث عن أرقام محددة للخسائر في هذا القطاع، لأن الأضرار لن تحسب فقط في الكوابل المسروقة، ولكن في آثار تأخر تشغيل المصانع والمؤسسات وعودة المواطنين إلى بيوتهم وأعمالهم، و"هي خسائر تتراكم مع الفشل في إعادة التيار الكهربائي".
لذلك، وفق الحسين، لا بد من إعطاء الأولوية لإعادة إعمار قطاع الكهرباء. معبرا عن اعتقاده بأن توصيل الكوابل بجهد "220 كيلو فولت" لإعادة ربط العاصمة بالمناطق ذات الأولوية قد يكلّف أكثر من ٢٥٠ مليون دولار.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي محمد الناير -للجزيرة نت- أن التدمير الذي حدث في قطاع الكهرباء كبير جدا، مؤكدا أن "قيمة النحاس الذي يباع بعد سرقته من شبكات الكهرباء لا تعادل 10-15% من تكلفة إعادة هذا القطاع وإعادة المحولات والكوابل إلى ما كانت عليه قبل الحرب".
رغم هذا الواقع الصعب، يرى خبراء أن السودان يمتلك فرصة لإعادة بناء قطاع الكهرباء من جديد لكن بطريقة مبتكرة تعتمد على الطاقة المتجددة، خصوصا الطاقة الشمسية. ورصدت الجزيرة إقبالا على شراء منظومات الطاقة الشمسية في جولة قامت بها لعدد من محلات بيع هذه المنظومات بمدينة أم درمان.
واشتكى المواطن عصام الدين الإمام في حديثه للجزيرة نت، من أن تكلفة تركيب منظومة طاقة شمسية لبئر واحدة تكلف 11 مليون جنيه سوداني، أي بما يعادل حوالي 4600 دولار.
وبحسب الإمام، فإن المنظومة المشغلة للبئر في قريته تشتمل على أربع لوحات وبطارتين "200 أمبير" بالإضافة إلى محول "4 كيلو".
رغم ذلك، يقول مازن محمد عثمان، وهو صاحب محل لبيع منظومات الطاقة، إن مستوى الإقبال جيد على اقتناء هذه المنظومات، وربما يصل إلى 40 زبونا في اليوم الواحد رغم ظروف الحرب، ومعظمهم من الخرطوم والخرطوم بحري، وذلك بسبب الدمار في شبكات الكهرباء بالمدينتين.
ويؤكد المهندس في منظومات الطاقة الشمسية، أبو الدرداء جبريل، أن السبب في توجّه المواطنين إلى الطاقة الشمسية هو ضرب مُسيَّرات قوات الدعم السريع محطات الكهرباء، خاصة محطة سد مروي .
إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات الكهرباء في الخرطوم والخرطوم بحري جراء خلعها وتخريبها بغرض سرقة النحاس الموجود داخلها، مما جعل المواطنين يبحثون عن بديل سريع.
وبحسب المحلل الاقتصادي عمر الحسين، يجب العمل على خطة إسعافية عاجلة لتشغيل محطات المياه بوحدات الطاقة الشمسية. وعلى المقتدرين الاستعانة بالطاقة الشمسية لإنارة المنازل والمساجد. وقد عبر عن اعتقاده أن الطاقة الشمسية الفائضة مستقبلا يمكن أن تغذى الشبكة القومية.
من ناحيته، أشار الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أنه سبق وطالب قبل الحرب بأن تتجه الدولة إلى فتح باب التمويل الأصغر، لكي تمتلك كل أسرة وحدة خلايا شمسية، شريطة أن تتولى الدولة إعفاء مواد هذه الخلايا من الرسوم والجمارك إعفاء تاما. ودعا للاستفادة من مصنع لتجميع الخلايا في مدينة سوبا (شرق) إن لم يتعرض للنهب أو التخريب.