تآكل القدرة القتالية بفعل الاستنزاف
رغم امتلاك الولايات المتحدة واحدة من أكبر القوات البحرية في العالم، فإن العمليات العسكرية المستمرة في البحر الأحمر أظهرت مدى سرعة استنزاف الذخائر الاستراتيجية، مثل صواريخ "توماهوك" و"هاربون"، في ظل غياب القدرة على تعويضها بالسرعة المطلوبة. التحذيرات القادمة من أروقة البنتاغون تؤكد أن أي مواجهة واسعة النطاق، خصوصًا مع قوى صاعدة مثل الصين، قد تضع البحرية الأمريكية في موقف حرج بسبب النقص في الذخائر المتاحة.
نقص السفن والجاهزية القتالية
فيما يُفترض أن تمتلك البحرية الأمريكية أسطولًا ضخمًا قادرًا على الانتشار في عدة مسارح عمليات، إلا أن الضغط الناتج عن الحرب في البحر الأحمر أظهر أن عدد السفن القتالية المتوفرة لا يكفي لدعم العمليات الطويلة دون التأثير على كفاءة الأسطول. التحدي الأكبر يكمن في النقص الحاد في سفن الإمداد، وهو ما انعكس بشكل جلي عندما تعرضت سفينة "بيغ هورن" لحادث أجبرها على الخروج من الخدمة، مما تسبب في أزمة إمدادات للقطع البحرية المنتشرة في المنطقة.
أزمة القوى البشرية والتدريب
مع تراجع معدلات التجنيد، أصبحت البحرية الأمريكية تعاني من نقص في الأفراد المدربين على تشغيل الأنظمة العسكرية المتطورة. في السنوات الأخيرة، فشلت جهود التجنيد في سد الفجوة، حيث يفضل الكثير من الشباب الأمريكي فرص العمل في القطاع الخاص، الذي يوفر رواتب أعلى واستقرارًا وظيفيًا أكبر، مما يترك فجوات في تشغيل سفن ومدمرات متقدمة تحتاج إلى طواقم ذات مهارات عالية.
التحديات اللوجستية والتكتيكات غير التقليدية
لم تقتصر التحديات على الجوانب البشرية والتسليحية فقط، بل كشفت المواجهة مع الحوثيين عن إشكاليات أكبر في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية. ففي مواجهة خصم يستخدم طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة وصواريخ باليستية غير مكلفة، اضطرت البحرية الأمريكية إلى إطلاق صواريخ باهظة الثمن لاعتراض التهديدات، مما أدى إلى معادلة غير متكافئة من حيث التكاليف، حيث كل صاروخ اعتراضي يكلف ملايين الدولارات مقارنةً بالطائرات المسيرة زهيدة الثمن.
البنية التحتية والجاهزية الصناعية
من المشاكل الأخرى التي تفاقمت بفعل المعركة في البحر الأحمر هو الوضع المتدهور للبنية التحتية للصيانة والإصلاح. العديد من الأحواض الجافة والمرافق الصناعية المسؤولة عن صيانة السفن الحربية الأمريكية لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السفن التي تحتاج إلى صيانة عاجلة بعد فترات انتشار طويلة. التأخير في إصلاح السفن الحربية، مثل المدمرة "رالف جونسون"، التي بقيت خارج الخدمة لعدة أشهر، يكشف عن أزمة أوسع في قدرة البحرية الأمريكية على الحفاظ على جاهزية أسطولها.
مستقبل البحرية الأمريكية: هل لا تزال قادرة على الهيمنة؟
في ظل هذه التحديات المتراكمة، يبرز سؤال جوهري: هل لا تزال البحرية الأمريكية قادرة على فرض هيمنتها كما في العقود السابقة؟ المؤشرات الحالية لا تعطي إجابةً حاسمة، لكنها تُظهر أن واشنطن بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها البحرية، ليس فقط في كيفية إدارة المواجهات المستقبلية، ولكن أيضًا في كيفية بناء قوة بحرية مستدامة تستطيع التعامل مع الحروب غير التقليدية وتحديات الإمداد والاستنزاف السريع للموارد.
المعركة في البحر الأحمر كانت نقطة تحول كشفت الكثير من الحقائق حول البحرية الأمريكية، وربما تكون مجرد مقدمة لتحديات أكبر في المستقبل القريب.