ومثل الموقف المتخاذل من تلك الدول عن نصرة غزة محكا، قاست من خلاله إسرائيل وأمريكا مقدار ردة الفعل في المنطقة، والتي جاءت مشجعة على المضي في المراحل التالية من المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يستهدف المنطقة، على اعتبار أن الضمير العربي الذي لم تحركه المجازر الوحشية والجرائم المروعة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة على مدى 14 شهرا، وكان حصيلتها أكثر من 50 ألف شهيد وما يزيد عن 150 ألف جريح، جلهم من المدنيين، ونسبة كبيرة من النساء والأطفال، وتشريد قرابة مليونين ونصف المليون من سكان القطاع، وتدمير 90% من البنية التحتية والسكنية، لن تحركه أي فظاعات أخرى قد تعمد إليها أمريكا وإسرائيل في سبيل تنفيذ مخططهما في المنطقة.
وفيما تصدر التصريحات الأمريكية التي تتضمن استفزازات فجة بحق دول وشعوب المنطقة العربية، تواصل إسرائيل تحركاتها العسكرية على الأرض، في كل من الضفة الغربية وجنوب لبنان، والجنوب السوري، كما أنها بدأت تطلق تصريحات تنبئ عن توجهها لاستهداف شمال سيناء، بذريعة أن تعزيزات الجيش المصري لقواته في محافظة شمال سيناء، سيكون سببا في إلغاء معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.
وتتضح ملامح المخطط الأمريكي الإسرائيلي المعد للمنطقة العربية إذا ما نظرنا إلى التحركات العسكرية الإسرائيلية في كل من سوريا ولبنان، حيث تواصل إسرائيل اعتداءاتها على الأراضي السورية، منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي التوغل في محافظات الجنوب السوري، في درعا والقنيطرة والسويدا، كما يواصل الطيران الإسرائيلي هجماته العدائية في عدد من المناطق السورية، كان آخرها قبل أيام، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، وفقا لتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي.
وشنت إسرائيل الثلاثاء الماضي، 25 فبراير الجاري، هجمات على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين، في اعتداءات أكد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان أنها "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".
وجاءت هذه الهجمات بالتزامن مع تصريحات عدائية ضد سوريا، أطلقها رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اعتبرت بمثابة إعلان حرب على الإدارة السورية الجديدة، التي يوصف موقفها تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية بالضعيف والسلبي، قال نتنياهو خلالها "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل".
وبما يكشف نوايا إسرائيل للتدخل في الجنوب السوري، استخدم نتنياهو نغمة الأقلية الدرزية، في مناطق جنوب سوريا، حيث قال: "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية"، في خطوة بقدر ما تحمله من استفزاز، وتدخل سافر في شئون سوريا، فإنها تعكس النوايا الإسرائيلية، خاصة وأنها لم تواجه بأي رد فعل جدي من النظام الجديد، منذ بدء عدوانها على الأراضي السورية، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.
وفي لبنان لا تلوح في الأفق حتى الآن أي مؤشرات على نية إسرائيل لسحب قواتها من المناطق الحدودية في الجنوب اللبناني التي توغلت فيها خلال المواجهات الأخيرة مع قوات حزب الله، وفقا لما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر الماضي، ما يعني أن إسرائيل تسعى لاكتساب مزيد من الوقت من خلال المماطلة واختلاق المبررات لإبقاء الوضع كما هو الحال عليه في جنوب لبنان، حتى تفرغ من تنفيذ خطتها المرحلية في مناطق جنوب سوريا، وضمان خلو سوريا من أي تهديد لها، ثم بعد ذلك تعود لاستكمال مخططها في جنوب لبنان.
وفي ظل هذه التطورات المستمرة، وتصاعد وتيرة التدخلات الإسرائيلية والأمريكية في دول المنطقة، يبدو جليا أن العدوان الإسرائيلي على غزة، وكذا الاعتداءات المتكررة على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، لم تكن سوى البداية لمآل أكثر قتامة تم إعداده للمنطقة، خدمة للأطماع الصهيونية، وفق مخطط تشرف عليه وتديره بشكل مباشر الولايات المتحدة الأمريكية، ويحظى بالدعم من حلفائها.
ولم تكن إسرائيل ومن ورائها أمريكا لتجد هذه الجرأة على المضي في مخططهما، ولم يكن للرئيس الأمريكي أن يظهر بتصريحاته التي لم يضع فيها اعتبارا لدول وأنظمة عربية، خلال حديثه المتكرر عن مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وضم إسرائيل للضفة الغربية، لولا الموقف العربي المتخاذل تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، بل إن الوضع كان سيبدو مختلفا لو أن العدوان على غزة قوبل بموقف عربي موحد، يرفض العدوان وإن اضطر ذلك للمواجهة التي قد تكون الخيار الوحيد أمام بعض الدول المحيطة بفلسطين، في ظل استمرار التمادي الإسرائيلي المدعوم أمريكيا.