آخر الأخبار

الإخوان وأوروبا.. من رعاية الجماعة لاكتشاف حقيقتها 

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تنظيم الإخوان وبريطانيا.. عقود من الاحتواء والتوظيف

وسط حالة الانقسام التي ضربت جماعة الإخوان، وأدت إلى تشظيها لجبهات متصارعة هي لندن (صلاح عبد الحق) وإسطنبول (محمود حسين) والمكتب العام (تيار التغيير)، نشب خلاف كبير لم يحظ بالاهتمام الكافي بين اثنين من كبار قادة التنظيم في الجبهة الأولى حول السيطرة على شبكة الجماعة في أوروبا.

فمجموعة لندن، كما تُعرف، استأثرت بالسيطرة على شبكة الإخوان الخارجية والتنظيم الدولي ومن بينه أفرعه الخارجية فيما فشلت في السيطرة على التنظيم في الداخل المصري الذي بقي محسوبا على جبهة إسطنبول.

وحدث الخلاف، مؤخرا، بين الأمين العام للتنظيم الدولي ورئيس قطاع أوروبا فيه محمود الإبياري، الذي خلف إبراهيم منير القائم بعمل مرشد الإخوان السابق في هذا المنصب، والسعدني أحمد، مسؤول ما يُعرف برابطة الإخوان المصريين في الخارج وهي كيان إخواني عابر للحدود بخلاف التنظيم الدولي، فالأول مسؤول عن الشبكة العالمية للإخوان ككل بما في ذلك الأفرع المحلية في أوروبا وأمريكا وخارجهما، أما الرابطة فأحدث في النشأة ومعنية فقط بالإخوان المصريين الذين سافروا للعمل أو الإقامة في الخارج من أجل إبقائهم على صلة بالتنظيم المصري.

ونتيجة انتقال كثير من كوادر الإخوان إلى دول أوروبا، بعد الإطاحة بالجماعة من الحكم في مصر عام 2013، انفرد التنظيم الدولي بالإشراف على الوافدين الجدد لأوروبا، فالرابطة لم يكن لديها أفرع داخل أوروبا، وأصبح هؤلاء ملزمين بالمساهمة المالية المعروفة إخوانيا بـ"سهم الدعوة"، وهي نسبة من الراتب الشهري للعضو الإخواني يدفعها للجماعة، والمشاركة التنظيمية مع الأفرع الإخوانية التي يوجدون بها، وهو ما حاول رئيس الرابطة السعدني أحمد أن يغيره بأن يسعى للسيطرة على أفرع إخوانية في أوروبا بحجة تركز مصريين بها، وبعد سجالات وصراعات تنظيمية جوهرها التنافس على حيازة الأموال والنفوذ داخل الجماعة، قرر القائم بعمل المرشد- جبهة لندن صلاح عبد الحق إبقاء الأمور كما هي عليه، بحيث تبقى سلطة التنظيم الدولي كما هي على أفرعه ولا تتدخل الرابطة في شؤونه.

وفي حين انتهى الخلاف بهذه الطريقة، على الأقل في الوقت الحالي، إلا أنه أكد على أهمية الوجود الإخواني في أوروبا بالنسبة للتنظيم، فالقارة العجوز كانت الملاذ الآمن الذي احتضن الجماعة ورعاها بعد أن منيت بانتكاساتها في مصر، بعد الصدام مع نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في 1954 و1965 على الترتيب، قبل أن تتنبه الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة إلى خطر الجماعة.

اتحاد المنظمات الإسلامية.. مظلة الإخوان المتحورة في أوروبا

وفي الفترة التي تلت خروج عدد من قيادات وكوادر الإخوان من مصر إلى أوروبا، بينهم سعيد رمضان صهر مؤسس الإخوان حسن البنا، عملت الجماعة على تأسيس وجودها في أوروبا، وكان من بين المراكز الأولى التي أنشأتها مسجد ميونخ الشهير/ مركز ميونخ الإسلامي في ألمانيا الذي اشُتهر لكونه ثمرة تحالف بين الاستخبارات الأمريكية والغربية والإخوان، وهكذا وجدت الجماعة مساحة وفرسة سانحة للعمل في القارة الأوروبية، وأنشأت عشرات الكيانات التابعة لها وكلها عملت، فيما بعد، تحت مظلة اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي تأسس في بروكسل عام 1989، كفرع لجماعة الإخوان، وأسس مكتبًا تنفيذيًا وهيئة شورية وأقسام تعمل في مجالات متعددة وذلك بنفس الطريقة التي تبني بها الإخوان تنظيماتها في الدول المختلفة، ثم غير اسمه في 2020 ليصبح اتحاد مسلمي أوروبا، ويرأسه حاليا عبدالله بن منصور، وهو أيضا قيادي بالتنظيم الدولي للإخوان.

وضم الاتحاد نحو 30 فرعًا تنشط في دول أوروبية، وهو ما يعكس ثقل التمركز الإخواني في أوروبا، وتُرك الاتحاد يعمل بحرية كاملة وبدعم من مؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني وكيانات عديدة في أوروبا، ونما التنظيم الإخواني في أوروبا بشكل سريع وكبير فأسس كيانات تتبعه منها المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي أصبح له وجود وثقل كبير في الفترة الأخيرة بعد أن اعتمدت عليه الجماعة بشكل أكبر في ظل الحملات الأوروبية للتدقيق في أنشطتها، والمنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، وصندوق أوروبا / شركة "أوروبا تراست" والذي عمل كمحفظة لأصول تابعة للإخوان في أوروبا، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية الذي تأسس في 1990 بفرنسا كذراع تعليمي ودعوي للجماعة في إطار اتفاق بين باريس والإخوان، سُمح بمواجبه للجماعة بالنشاط والعمل بحرية مطلقة، قبل أن تتبدل الأحوال وتكتشف فرنسا خطر الإخوان عليها، فتقوم بحل المعهد في سبتمبر 2025.

ودأبت المنظمة المظلية للإخوان في أوروبا (الاتحاد) على تنظيم اجتماع سنوي في العاصمة الفرنسية على هامش الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا، وهذه طريقة من طرق الإخوان في العمل إذ أن الاجتماعات الكبيرة للتنظيم الدولي تتم على هامش مؤتمر سنوي للفرع الإخواني الذي سيستضيف اجتماع التنظيم الدولي، تماما كما حدث في اجتماع التنظيم الدولي الأخير بلاهور الباكستانية في نوفمبر 2025، وكان هذا المؤتمر الحدث الأبرز للجماعة في أوروبا وقُدر عدد الحاضرين له كل عام بعشرات الآلاف، حتى أن الاتحاد ادعى في بياناته أن المؤتمر حضره في بعض الأعوام أكثر من 130 ألف من الإخوان ومناصريهم من مختلف دول العالم، وهذا يكشف مساحة الحرية الممنوحة للجماعة والتي استغلتها لخدمة أغراضها والتي بدأت في التقلص مع إطلاق حملات مراجعة أنشطة الإخوان التي بدأت في بريطانيا عام 2014، وامتدت لدول أوروبية أخرى لاحقًا، منها النمسا وفرنسا وألمانيا.

ألمانيا بين رعاية الإخوان ومحاولة تحجيم نفوذهم

وبطبيعة الحال، كانت ألمانيا قاعدة ارتكاز رئيسية لجماعة الإخوان للتمدد في أوروبا، وبدأ الوجود الإخواني فيها منذ الخمسينيات على يد سعيد رمضان، صهر مؤسس الإخوان حسن البنا، وعصام العطار ، المراقب العام لإخوان سوريا سابقًا، والذين عملا مع تأسيس وجود للجماعة تمخض عن إنشاء الجالية الإسلامية في ألمانيا المعروفة أيضًا بالتجمع الإسلامي في ألمانيا، وهي المنظمة المظلية الإخوانية في ألمانيا، والتي أسست المركز الإسلامي الشهير في ميونخ والذي أشار له الصحفي الكندي إيان جونسون في كتابه: "مسجد في ميونخ.. النازيون ووكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب"، وفي ميونخ أيضا عمل محمد مهدي عاكف الذي صار لاحقًا المرشد السابع لجماعة الإخوان .

ونجح التجمع الإسلامي الألماني، على مدار سنوات من العمل، في استقطاب المئات من المسلمين الألمانيين، دون أن يُفصح عن عددهم في أي مناسبة استنادًا للمبدأ الإخواني الشهير "علانية الدعوة وسرية التنظيم".

وارتبطت التجمع الإسلامي الألماني بعلاقات مع نحو 50 مركزا إسلاميا، ونجح من خلالها في الوصول إلى أكثر من 10 آلاف مسلم ألماني، وفق بيانات سابقة صادرة عنه، وقام بتغيير اسمه في عام 2018، ليصبح "الجماعة الإسلامية الألمانية" المعروفة اختصارً (DMG) وهي معروفة أيضًا بمنظمة الجالية المسلمة، وسبق أن ترأسها "خالد سويد"، وهو ألماني من أصول سورية نشط لفترة طويلة في المنظمات المرتبطة بالإخوان داخل أوروبا كمنظمة الشباب المسلم الأوروبي، وشغل صبري شريف الألماني من أصول ليبية، منصب نائب رئيس المنظمة وهو أيضًا من النشطاء البارزين في منظمات الإخوان بأوروبا إذ شغل، في السابق، منصب رئيس القسم المالي في اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا لمدة عامين .

كما ضمت شبكة "الجماعة الإسلامية الألمانية" مراكز إسلامية فى برلين، ونورينبرج، وماربورج، وفرانكفورت، وشتوتجارت، وكولن، ومونستر، كما أدار عدة مساجد والمدارس ونظم لقاءت دورية وحوارية للمسلمين الألمان، ونشر دورية "الإسلام" الناطقة باللغة الألمانية، وذلك وفق بيانات رسمية .

واللافت أن الفرع الألماني للإخوان، والذي يزعم علنًا أنه غير مرتبط بالشبكة التنظيمية للجماعة، لا يُفصح عن أي معلومات تتعلق بقيادات DMG الفاعلة ومصادر تمويلها والتبرعات الخارجية التي تلقتها، حتى في ظل المطالبات المتكررة والتساؤلات عن شبكة العلاقات والتفاعلات الخاصة بالمنظمة .

ولا تقتصر عملية حجب المعلومات عن أجهزة الدولة الألمانية الرسمية إذ سبق أن حجبت الجماعة الإسلامية الألمانية معلومات عن المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا الذي يعمل كإطار جامع للمراكز والمؤسسات الإسلامية في ألمانيا، وذلك خلال حوار داخلي للتثبت من ارتباط الجماعة بالإخوان أو عدمه، وفي نهاية المطاف، قرر المجلس، عام 2022، أن يستبعد المنظمة من عضويته بموافقة 19 صوتًا مقابل رفض صوتين من أصوات مكونات المجلس.

على صعيد آخر، أدركت السلطات الألمانية أن العمل الذي تنخرط فيه الإخوان قد يؤدي لتضرر المجتمع الألماني فعملت الجهات المعنية في وزارة الداخلية الاتحادية، ووزارات الداخلية في الولايات، وجهاز حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" على التدقيق في أنشطة الإخوان، فعلى سبيل المثال، أصدر جهاز حماية الدستور تقريرًا عن الجماعة الإسلامية الألمانية (منظمة الجالية الإسلامية الإخوانية) أكد فيه أن المنظمة تعتبر جزءًا من الشبكة العالمية لجماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في دول عديدة.

وشملت حملة التدقيق الألمانية في أنشطة الإخوان، القيام بعمليات مراقبة وتفتيش ومراجعة الأنشطة المالية للكيانات المرتبطة بالإخوان مثل منظمة الإغاثة الإسلامية العاملة في جمع التبرعات على نطاق واسع، وكذلك قدمت أحزاب ألمانية منها حزب البديل من أجل ألمانيا ( AfD) مشروعات قوانين لحظر أنشطة الإخوان في البلاد وكل المنظمات المرتبطة بها.

وعُدّ الكشف عن الارتباط بين شركة أوروبا تراست Europe Trust والكيانات المرتبطة بالإخوان، في ألمانيا، واحدة من نقاط التحول في العلاقة بين الدولة الألمانية والجماعة، إذ اكتشفت برلين أن أوروبا تراست اشترت عقارًا في العاصمة الألمانية وحولته مقرًا لجمعيات معروفة بروابطها مع جماعة الإخوان، وهو ما أثار حملة إعلامية ومجتمعية تدعو لحظر الإخوان.

وفي خضم هذه الحملة، أسست وزارة الداخلية الاتحادية مجلسًا استشاريًا دائمًا مختص بالعمل على الإسلام السياسي والتطرف برئاسة وكيل الوزارة والبرلماني كريستوف دي فريس، ويضم المجلس 15 عضوًا من المتخصصين في الدراسات الإسلامية ، ومكافحة التطرف، والعلوم الاجتماعية ، والعمل الأمني، والمجتمع المدني، وقضايا الاندماج وغيرهم

ووفقًا للمعلومات المتاحة عنه فإن المجلس الاستشاري سيكون مقدمة لإنشاء مركز رسمي معني بدراسة وتوثيق الإسلام السياسي، ولا سيما جماعة الإخوان، في ألمانيا، وهي نفس الخطوة التي خطتها ألمانيا، بعد عملية الأقصر للتدقيق في أنشطة الإخوان في النمسا، في 2020.

النمسا.. خطوات على طريق مكافحة الإخوان

لا تختلف الأمور كثيرًا من ألمانيا إلى النمسا المجاورة، والمعدودة، كواحد من أكبر معاقل الإخوان في القارة الأوروبية، فعقب الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة فيينا عام 2020، أطلقت الشرطة النمساوية واحدة من أكبر حملاتها، منذ عام 1945، وهو ما عُرف بـ"عملية الأقصر" مستهدفةً أشخاص ومنظمات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في البلاد، ومع أن الحملة لم تفضِ إلى اتخاذ إجراءات ضد الكيانات التي لاحقتها الشرطة، إلى أنها مثلت علامة فارقة في تعامل السلطات الألمانية مع الجماعة بعد عقود من تركها تعمل بحرية مطلقة.

وتعمل الإخوان في النمسا بنفس المبدأ الإخواني العتيق "علانية الدعوة وسرية التنظيم"، فأسست منظمات وجمعيات إسلامية مرتبطة بها منها الجمعية الإسلامية بالنمسا والرابطة الإسلامية للثقافة فضلا عن مراكز إسلامية وجمعيات خيرية أخرى تعمل في مجالات منها الإغاثة الإنسانية وجمع التبرعات منها جمعية الرحمة الخيرية .

وتولى مجموعة من قادة الجماعة البارزين الإشراف على هذه الأفرع، من بينهم محمود الإبياري، الأمين العام للتنظيم الدولي، وأنس الشقفة، رئيس الهيئة الدينية الإسلامية في النمسا سابقًا وأحد المستهدفين بعملية الأقصر والذي جرى تبرئته من التهم التي وجهت إليه فيه لاحقا، وأيمن علي إمام مسجد النور بجراتس النمساوية ثم مستشار الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، وسمير أبو اللبن القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ورئيس الرابطة الإسلامية للثقافة بالنمسا سابقًا، وآخرين.

وارتبطت المنظمات المرتبطة بجماعة الإخوان باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا ( مجلس مسلمي أوروبا ) ، وكان رئيس الجمعية الإسلامية بالنمسا ورئيس الرابطة الإسلامية للثقافة يعينان كأعضاء بمجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية وذلك وفقًا للائحة الداخلية للتنظيم الدولي، كما استفادت تلك المنظمات من التسهيلات التي منحتها الحكومة النمساوية للجالية الإسلامية في البلاد في تكوين شبكتها في البلاد.

وتضم شبكة الإخوان في النمسا آلاف الأعضاء منهم من يعمل في الجمعيات والمراكز الإسلامية والشركات التي أنشأها أعضاء جماعة الإخوان ومنهم أفراد عاديون لا تجمعهم سوى رابطة الولاء والانتماء للجماعة، ورغم اتساع نطاقها إلا أن شبكة الجماعة الحقيقية تبقى غير معروفة إلى حد كبير، ففضلا عن إنكار هذه المنظمات وجود أي صلة بينها وبين الجماعة لا تحتفظ جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات المرتبطة بها بقوائم تضم أسماء المنتمين لها، كما أن هؤلاء المنتمين للجماعة لا يصرحون بأنهم أعضاء بها، لكن في بعض المناسبات التي تُحس فيها الجماعة بأنها في موضع قوة يُصرح أعضائها بأنهم منتمون لها فمثلا القيادي بالجماعة في النمسا، صرح في 2011، بأنه، وما يُعرف بالحركة الإسلامية في النمسا، جزء من شبكة الإخوان العالمية، وكان هذا الاعتراف النادر إقرارًا بوقع فعلي هو الوجود الإخواني المتغلغل في النمسا والقارة الأوروبية ككل.

وكغيرها من الدول الأوروبية، بدأت فيينا اتخاذ إجراءات ضد الإخوان، ففي 2019، حظرت النمسا استخدام شعار جماعة الإخوان، وفي 2020 أطلقت عملية الأقصر واسعة النطاق للتدقيق في أنشطة الجماعة وشملت عملية الأقصر مداهمة نحو 60 موقعًا مرتبطًا بالإخوان وحركة حماس وملاحقة 70 متهما، وأسست مركزا لتوثيق الإسلام السياسي في فيينا يقوم على مراقبة أنشطة الكيانات المرتبطة بالإخوان كما جرى نشر خريطة تضم الكيانات الإسلاموية في البلاد منتصف عام 2021 بتعاون من الحكومة مع مركز التوثيق، وقرر البرلمان النمساوي، بعد عام واحد، حظر جماعة الإخوان ومنعها من ممارسة أي عمل سياسي في البلاد.

ومن المثير للاهتمام أن الكيانات المرتبطة بالإخوان حصلت على معلومات سرية حول التحقيقات في أنشطة الجماعة خلال إجراء التحقيقات نفسها ونقلها لها موظف بمديرية أمن الدولة والاستخبارات (جهاز الاستخبارات الداخلي)، وأدى انكشاف هذه القضية، في أكتوبر 2025، إلى إحداث ضجة في المجتمع النمساوي، وحتى الآن لم تتوقف الحملة ضد الإخوان، ففي سبتمبر 2025، قرر حزب الحرية (يميني متشدد) إنشاء مركز مراقبة للإسلام الراديكالي في المقاطعة السفلى بخلاف مركز توثيق الإسلام السياسي في فيينا.

ودفعت تلك الإجراءات النشطاء والكيانات المرتبطة بالإخوان للتعتيم على أعمالها وعدم الإعلان عن غالبيتها، وهو تكتيك إخواني معتاد عندما تحس الجماعة بالخطر.

فرنسا.. مكافحة الانعزالية بعد الصفقة الإخوانية

ومن النمسا إلى فرنسا، تتشابه المقدمات والنتائج أيضًا، فالجماعة التي وجدت مساحة مفتوحة أصبحت تحت مجهر التدقيق في اللحظة الحالية بموجب دعاوى وقانون مكافحة الانفصالية أو الانعزالية ومعادة قيم الجمهورية الفرنسية، وتكمن المفارقة في أن الإخوان عملت في فرنسا بناءً على اتفاق رسمي مع الحكومة الفرنسية، منذ ثمانينات القرن الماضي، وأسست في 1983، فرعا لها سمته اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا والذي نشأ كمنظمة مظلية تضم 4 كيانات دعوية وطلابية، وانضم إلى اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي نشأ في 1989، كما أسلفنا.

وبعد قضية الحجاب (معروفة في فرنسا بقضية المناديل) في 1989، والتي حدثت نتيجة طرد 3 طالبات من المدرسة لارتدائهن الحجاب، وجدت الجماعة فرصة كبيرة للنشاط فوزير الداخلية وقتها كلف عمار الأصفر، أحد قادة اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، بالتوسط لحل الأزمة، ومن لحظتها صار الإخوان جزءًا من كل ما يتعلق بالشؤون الإسلامية في البلاد، فشاركوا في تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وكانوا أعضاء به، وعمل بالتنسيق والرعاية مع الحكومة الفرنسية.

وركزت كيانات الإخوان في فرنسا على العمل في المجالات الدعوية والخيرية والاقتصادية والتعليمية، فأسسوا المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، ومؤسسات تعليمية أخرى تحت مظلة الاتحاد الوطني للتعليم الإسلامي الذي ضم مدارس ومؤسسات تعليمية ومراكز لإعداد الخطباء والدعاة، ونجح الإخوان في تأسيس أكثر من 350 كيانا في فرنسا يعملون في مختلف مجالات أنشطة الجماعة.

وبدأت هذه العلاقة تتغير تدريجيا بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا، في 2015، والتي أتت بشكل متزامن عقب حملة التدقيق في أنشطة الإخوان في بريطانيا، فقام اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا بالعمل على إخفاء شبكته وتحول للعمل باسم اتحاد مسلمي فرنسا، هربًا من أي حملة تدقيق مستقبلية، وفي 2020، خطت الجمهورية الفرنسية خطوات في اتجاه ما سماه الرئيس إيمانويل ماكرون مناهضة الانفصالية الإسلامية والموجه ضد الجماعات الإسلاموية بما فيها الإخوان، وفي إطار هذا المسار، أصدر البرلمان الفرنسي قانون "تعزيز احترام المبادئ الجمهورية" الذي يركز على محاربة الانفصالية وبموجب هذا القانون تقلصت مساحة التبرعات الخارجية التي كان مسموح بها لصالح الكيانات المحسوبة على الإخوان، ثم حل الرئيس الفرنسي في 2022، مجلس الديانة الإسلامية وشكل بعد ذلك مجلسًا آخر باسم "منتدى الإسلام في فرنسا"، وهذه الخطوة اعتُبرت أنها انقلاب على الاتفاق القديم بين الدولة الفرنسية والإخوان والذي عملت الجماعة بعده على التغلغل في المجتمع الفرنسي على جميع المستويات.

وبالتوازي مع هذا التحول، قامت أجهزة الأمن الفرنسية بحملات ضد الكيانات المرتبطة بالإخوان وشملت الحملات تدقيق في أنشطة وتمويلات الكيانات المرتبطة بالإخوان وخصوصا العاملة في إعداد الدعاة والخطباء، ورحلت عددًا من قادة الإخوان والمحسوبين عليها منهم حسن إيكويسن الداعية الإخواني الذي اتهم بالتحريض في البلاد وأُبعد للمغرب، وحمد جاب الله، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا الذي رفضت تجديد إقامته وأعادته إلى بلده تونس.

وفي مايو/ أيار 2024، بدأت وزارة الداخلية الفرنسية العمل على تقرير استراتيجي بشأن الإسلاموية في فرنسا وذلك من خلال لجنة أشرف عليها السفير فرانسوا جوييت، والمحافظ باسكال كورتاد، وأجرت اللجنة 45 مقابلة مع مسؤولين في الجمعيات الإسلامية، وخبراء وأكاديميين، وعقدت 3 لقاءات مع ممثلين عن اتحاد مسلمي فرنسا، الفرع الإخواني في البلاد، وقامت برحلات في فرنسا وأوروبا وبعد عام كامل، نشرت وزارة الداخلية التقرير الذي وصف بأنه صادم لأنه يكشف عن سعي الجماعة لفرض أيديولوجيتها على المجتمع الفرنسي.

وأشار التقارير إلى أن وجود 140 مسجد ومركز إسلامي و280 جمعية ، و 68 كيانا آخر مرتبطين بشبكة الإخوان وواجهتها في فرنسا المسماة باتحاد مسلمي فرنسا، وهذه تعمل في مجالات العمل الخيري والتعليمي والأنشطة المالية والدعوة الدينية.

وبعد نحو أسبوعين من صدور التقرير، عقد مجلس الدفاع والأمن القومي الفرنسي برئاسة "ماكرون" اجتماعًا لمناقشة نتائج التقرير ووجه الرئيس الفرنسي بالعمل على تقليص نفوذ الإخوان في فرنسا، ع تشكيل خلية أمنية قضائية لمتابعة الملف، وإجراء حملة توعية وتدريب عامة للموظفين الفرنسيين بهدف مواجهة الاختراق الإخواني للمؤسسات الفرنسية، فيما تعهد وزير الداخلية بخوض معركة حاسمة ضد الإخوان وبقية التنظيمات الإسلاموية.

وقرر الرئيس الفرنسي في اجتماع تالي لمجلس الدفاع، في يوليو 2025، توسيع لائحة العقوبات ليتم تجميد الأموال والتبرعات للكيانات المختلفة، وهذا القرار من شأنه أن يقلل من تدفق التمويلات للإخوان، كما وجه بالعمل على مشروع قانون لمكافحة تمويل الجماعات الانفصالية المناهضة لقيم الجمهورية ومنها جماعة الإخوان .

واتخذت باريس خطوة قوية إضافية، في 4 سبتمبر 2025 ، حين حل مجلس الوزراء الفرنسي المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، أحد أقدم الكيانات الإخوانية المرتبطة بالتنظيم الدولي، وعللت الحكومة القرار القرار بأن المعهد يشرعن "الجهاد" ويحرض على العنف، وهذا القرار أكد مجددًا على أن باريس جادة في مساعيها ضد الإخوان ناقضةً توجهها القديم بإبرام صفقات معهم.

التدقيق في أنشطة "إخوان فرنسا" يكشف فضيحة الجماعة في السويد

وانتقلت ارتدادات الخطوات التي اتخذتها فرنسا إلى السويد إذ قالت وزيرة التعليم والاندماج السويدية، سيمونا موهامسون، المنتمية لحزب الليبراليين وهو جزء من التحالف الحكومي اليميني، في 2 أكتوبر 2025، إن الحكومة السويدية ستعمل على إعداد خريطة للإسلام السياسي في السويد، وستعمل على إزالته من المجتمع السويدي .

وأشارت " موهامسون " إلى التقرير الأخير الصادر عن وزارة الداخلية الفرنسية بشأن أنشطة الإخوان في القارة الأوروبية، والذي تضمن إشارة إلى أن فرع الجماعة في السويد لديه نشاط خاص ضمن شبكة الإخوان العالمية، مضيفةً أن الإسلام الأزرق والأصفر وهو مصطلح يشير إلى الإسلام السويدي هو المسموح له بالوجود أما الإسلام وفق نموذج الإسلام السياسي الذي تمثله الإخوان غير مسموح له بالوجود أو التأثير في السياسة السويدية كما ينص التقرير الفرنسي الذي قال إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض معرض للاختراق من الإسلام السياسي والإخوان .

ووفق المعلومات المتاحة عن نشاط الإخوان في السويد فإن الجماعة تتواجد في بعض مناطق البلاد، ولها نشاط في المؤسسات التعليمية كالمدارس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وسبق أن بدأ وزير التعليم السابق ماتس بيرشون حملة رصد نشاط جماعة الإخوان في السويد، وهو ما تعهدت به الوزيرة الحالية سيمونا موهامسون مؤكدة أن التحقيق الجديد سيشمل أيضا جماعات أخرى منتمية للإسلام السياسي لأن هذه الجماعات تتلقى تمويلا من أموال دافعي الضرائب رغم عدم التزامها بالمعايير الديمقراطية، وهذا يضر بالمسلمين في السويد وبصورة الإسلام.

ولم تنقضِ سوى أسابيع قليلة منذ تصريح وزير التعليم السويدية عن نية الحكومة للتدقيق في أنشطة الإخوان حتى انكشفت فضيحة اختلاس أئمة وكوادر مرتبطين بشبكة الإخوان في السويد لمبالغ طائلة تُقدر بـ100 مليون دولار (نحو مليار كرونة سويدية)، عن طريق إدارتهم لمدارس ورياض أطفال سويدية واستغلال التمويلات الحكومية المتحصل عليها من أموال دافعي الضرائب في عمليات مالية غير مشروعة تتضمن تحويلات خارجية وتزييف فواتير للتهرب من الملاحقة القضائية، ومن ضمن الأسماء المتهمة في هذه الفضيحة عضو البرلمان السابق، عبد الرزاق وابيري، السياسي السويدي الصومالي، الذي يُشتبه في تحويله 12 مليون كرونة بطريقة غير شرعية لدعم حزب الوحدة الاجتماعية الصومالي، كما تورط 3 أئمة أداروا مؤسسات تعليمية في السويد، هم: أبو رعد، وعبد الناصر النادي، وحسين الجبوري في تحويل عشرات الملايين من الكرونات إلى أفراد وجماعات متطرفة في مالطا، وهو الأمر الذي ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن.

وبالنظر إلى حجم وأنشطة جماعة الإخوان، المدرجة على قوائم الإرهاب في دول مختلفة، في أوروبا يتضح أن الجماعة تتخذ القارة العجوز قاعدة انطلاق فلا تقتصر أنشطتها على مناطق وجودها في أوروبا فقط، بل تركز بشكل أساسي على الدول العربية، فركزت على انتقاد الدول العربية المعنية بمكافحة التطرف والإرهاب وفي مقدمتها الإمارات، ومصر، والسعودية، والبحرين، وكل الدول التي لا تتسامح مع النشاط الإرهابي للجماعة، وللمفارقة فإن الجماعة تستخدم الدعاة والأئمة التابعين لها في أوروبا في مهاجمة الدول العربية، وهذا متكرر طوال السنوات الماضية، والمراكز الإسلامية التي تسيطر عليها تقوم بنشر هذه الدعاية فمثلا في شمال شرقي النمسا، حيث مسجد السلام (الملتقى العربي) الشهير، دأب إمام المسجد المنتمي لجماعة محمد عطية، وهو نمساوي مصري، على التصريح بدعم جماعة الإخوان وانتقاد الحكومة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهذا مجرد نموذج من نماذج لا تعد ولا تحظى، تثبت جميعها أن خطر جماعة الإخوان يتعدى الحدود ولا يقف طموحها الخطير عند المنطقة العربية أو القارة الأوروبية فحسب .

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا