كشف فريق من الباحثين عن طريقة مبتكرة تعزز قدرة تقنية " كريسبر " (CRISPR) على الوصول إلى الخلايا المستهدفة بأمان وفعالية، باستخدام جسيمات نانوية دهنية مغطاة بالحمض النووي.
وتحمل تقنية كريسبر آمالا كبيرة في علاج طيف واسع من الأمراض الوراثية والسرطانات بفضل قدرتها على إعادة كتابة الشيفرة الجينية التي تقف وراء العديد من الاضطرابات الصحية. ولكن ظل إيصال مكونات كريسبر إلى الخلايا تحديا رئيسيا يعيق تطبيقاتها العلاجية.
ويقدم الابتكار الجديد حلا واعدا لهذه المعضلة؛ إذ طوّر الباحثون جسيمات نانوية دهنية مغطاة بطبقة كثيفة من الحمض النووي تعرف باسم الأحماض النووية الكروية (nanoparticle spherical nucleic acids (LNP-SNAs))، لتعمل كوسيلة آمنة وفعّالة لنقل أداة كريسبر إلى الخلايا.
وأجرى الدراسة باحثون من جامعة نورث وسترن بالولايات المتحدة، ونشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الرابع من سبتمبر/أيلول الحالي، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
تعمل تقنية كريسبر داخل الحمض النووي بطريقة شبيهة بميزة "البحث والاستبدال" في برامج تحرير النصوص؛ إذ يمكنها تحديد تسلسلات جينية دقيقة ثم تعديلها أو حذفها أو استبدالها.
ويتألف نظام كرسبر من: إنزيم يمثل أداة لقص الحمض النووي، والحمض النووي الريبي الدليل "جي آر إن إيه" (gRNA) وهو جزيء يرشد الإنزيم إلى تسلسل محدد في الجينوم.
ويصمم العلماء جزيء جي آر إن إيه ليتطابق مع موقع جيني معين، ثم يربطونه بإنزيم القص، ليشكّلا معا أداة تحرير جيني تدخل الخلايا المستهدفة، وبمجرد وصولها، تحدد هذه الأداة الموقع المطلوب وتقص الحمض النووي، وهذا يتيح إدخال تعديلات دقيقة على الجينوم.
هذه التقنية تعتبر بمثابة أداة "قص ولصق" للجينات، ويأمل العلماء أن تفتح الباب لعلاجات ثورية، وربما تساعد على القضاء على بعض الأمراض الوراثية المزمنة.
رغم قوة أدوات كريسبر، إلا أنها لا تستطيع دخول الخلايا بمفردها، إذ تحتاج إلى وسيلة نقل.
ويستخدم العلماء عادة نواقل فيروسية أو جسيمات نانوية دهنية (lipid nanoparticles LNPs) لهذه المهمة، لكن لكل منها قيود؛ إذ يمكن أن تثير الفيروسات استجابة مناعية، أما الجسيمات النانوية الدهنية فهي أكثر أمانا لكنها أقل كفاءة، إذ تميل للبقاء محاصرة داخل حويصلات خلوية (الإندوسومات)، حيث تعجز عن تحرير شحنتها.
وقال البروفيسور تشاد ميركين، الباحث المشارك في هذه الدراسة: "لا تصل إلا كمية ضئيلة من أدوات كريسبر إلى داخل الخلية، ونسبة أقل منها تبلغ النواة، هناك إستراتيجيات أخرى تعتمد على معالجة الخلايا خارج الجسم، لكنها غير عملية".
وللتغلب على هذه العقبة، دمج الباحثون تقنية الجسيمات النانوية الدهنية مع إضافة غلاف كثيف من الحمض النووي الكروي (spherical nucleic acids)، لتعمل التقنيتان كعامل توصيل لأداة كرسبر إلى الخلايا المستهدفة.
وقد أجرى الباحثون اختبار الجسيمات النانوية الدهنية المغلفة بالحمض النووي المحمّلة بأدوات كريسبر على عدة أنواع من الخلايا البشرية تضمنت خلايا جلدية وخلايا دم بيضاء وخلايا جذعية من نخاع العظام وخلايا كلى.
وأظهرت النتائج زيادة بمقدار 3 أضعاف في امتصاص الخلايا لكرسبر، وانخفاض السمية الخلوية، بالإضافة إلى تحسن كبير في كفاءة تحرير الجينات.
وتعد هذه الجسيمات فعالة وسهلة التصنيع وقابلة للتعديل، وهذا يجعلها مرشحة لتطبيقات واسعة في أبحاث العلاج الجيني.
ويقول ميركين: "يمكن لتقنية كريسبر أن تحدث ثورة في الطب، لكن تصميم وسيلة التوصيل لا يقل أهمية عن الأداة الجينية نفسها، بدمج كريسبر مع الحمض النووي الكروي، صممنا إستراتيجية قد تطلق كامل إمكاناتها العلاجية".