قدمت الحكومة الإيرانية إلى البرلمان لائحة الموازنة العامة للعام 1405 الإيراني الجديد، كاشفة عن تغييرات رقمية بارزة في قطاع النفط والمالية العامة، أبرزها خفض حاد في إيرادات بيع النفط الخام، مقابل زيادة حصة بيع وتصدير المنتجات النفطية وتوسيع الاعتماد على الإيرادات غير النفطية، في ظل استمرار الضغوط التضخمية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وبحسب التفاصيل المنشورة عن لائحة الموازنة، اقترحت الحكومة خفض إيرادات بيع النفط بنحو 70% مقارنة بالعام الماضي. فقد تراجعت الموارد المتوقعة من بند "التصرف في الأصول الرأسمالية"، الذي يشمل بيع النفط الخام والمكثفات، من نحو 930 ألف مليار تومان (ما يعادل 7.44 مليارات دولار) إلى قرابة 275 ألف مليار تومان (ما يقارب 2.20 مليار دولار) في موازنة عام 1405.
ويعكس هذا الانخفاض الكبير في الإيرادات تقليص الاعتماد على عائدات بيع النفط الخام كمصدر رئيسي لتمويل خزينة الدولة.
ويمثل ذلك توسعًا في تعريف الإيرادات النفطية المدرجة في الموازنة مقارنة بالأعوام السابقة.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي بيمان مولوي إن خفض الإيرادات النفطية بنحو 70% وما تعكسه مقاربة الموازنة يشير إلى استعداد الدولة للدخول في ظروف شديدة الصعوبة و انكماش اقتصادي عميق، خاصة في ظل احتمال تشديد العقوبات بعد تفعيل آليات جديدة قد تحد من قدرة إيران على بيع النفط.
وأضاف مولوي، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التوجه ينعكس بوضوح في زيادة الاعتماد على الإيرادات الضريبية داخل الموازنة، مشيرا إلى أن تعويض تراجع الإيرادات النفطية عبر الضرائب يعني عمليا نقل الضغط الاقتصادي إلى المجتمع.
وأوضح المتحدث نفسه أن أي زيادة ضريبية في هذا الهيكل الاقتصادي تضع المواطنين تحت ضغط شديد، مما يقود إلى ركود عميق وتراجع النمو الاقتصادي، ويدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة. وحذر من أن المرحلة المقبلة قد تشهد زيادات تدريجية في أسعار حوامل الطاقة، معتبرا أن ذلك قد يؤدي إلى أزمات اجتماعية عبر تنشيط التصدعات الاجتماعية.
وختم بالقول إن أي تحرك صادم في الاقتصاد، سواء عبر قفزات في سعر الصرف أو ارتفاع أسعار الطاقة أو أشكال أخرى من التضخم، يؤثر مباشرة في حياة الناس، وإذا ترافق مع ركود اقتصادي فسيؤدي حتمًا إلى تصدعات اجتماعية حادة في المجتمع الإيراني.
من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي آيزاك سعيديان، في حديث للجزيرة نت، أن الحديث عن "نهاية الدولة النفطية" في موازنة عام 1405 لا يعكس الواقع الفعلي للوثيقة المالية، موضحا أن ما يجري ليس خروجا من الاقتصاد النفطي، بل انتقالًا لتكلفة النفط من الدولة إلى المجتمع.
وأضاف سعيديان أن الانخفاض بنحو 70% في إيرادات بيع النفط الخام، إذا قُرئ من زاوية دعائية قد يُقدَّم على أنه خطوة باتجاه تقليص الاعتماد على النفط، لكن التدقيق في بنية الموازنة يكشف أن الدولة لم تتخلَّ عن النفط، بل غيّرت فقط طريقة تحصيل العائدات، من تصدير الخام إلى بيع المشتقات النفطية وفرض ضرائب مرتبطة بالطاقة داخل البلاد.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن استبدال عائدات النفط الخام بإيرادات المشتقات النفطية لا يعني زوال التبعية، بل يعني ببساطة أن فاتورة النفط نُقلت إلى المستهلك الداخلي، معتبرا أن ما يحدث ليس إصلاحًا هيكليا، بل معالجة محاسبية تهدف إلى إخفاء العجز الحقيقي في قطاع النفط، وعجز الحكومة عن تأمين موارد مستقرة.
وأشار سعيديان إلى أن موازنة 1405 توصل رسالة واضحة مفادها إذا لم تتمكن الدولة من بيع النفط في السوق العالمية، فإنها ستبيعه داخليا باسم آخر وبسعر آخر، لافتا إلى أن التوسع في بيع المشتقات النفطية وفرض الضرائب غير المباشرة المرتبطة بالطاقة يعني عمليا تحويل عجز الموازنة إلى تضخم وارتفاع في تكاليف الطاقة والنقل والإنتاج.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن هذا المسار ليس خيارًا اقتصاديا محايدا، بل قرارا سياسيا عالي الكلفة، محذرا من أن الضغط عبر قناة الطاقة في اقتصاد يعاني تآكل القدرة الشرائية وهشاشة معيشية يعني الضغط على كل شيء، من الخبز والنقل إلى الإنتاج وفرص العمل.
وختم سعيديان بالقول إن الحديث عن نهاية الدولة النفطية في ظل هذه السياسات أقرب إلى المفارقة، موضحًا أن الدولة النفطية لا تنتهي إلا عندما تصبح الموازنة مستقلةً عن كامل سلسلة النفط والطاقة، لا حين يعاد تمويلها من جيوب المواطنين.
وأضاف أن ما تعكسه موازنة 1405 ليس إصلاحًا ولا شفافية ولا جرأة في صنع القرار، بل بداية ترسيخ دولة ضرائب الطاقة، وتكريس منطق تعويض العجز عبر الضغط المعيشي.
وحذر من أن استمرار هذا النهج سيجعل تداعيات الموازنة تتجاوز الأرقام المالية، لتتحول إلى آثار اجتماعية قد تكون خطيرة في عام وُصف بالحساس وعالي المخاطر، معتبرا أن موازنة 1405 ليست وثيقة لإدارة الاقتصاد بقدر ما هي وثيقة لإدارة وتوزيع الأزمة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة