كشف رئيس لجنة الاحتضان رئيس قسم التوجيه الأسري في محاكم دبي، أحمد عبدالكريم عن تحولات عميقة في سلوك بعض الأبناء، الذين أصبحوا -دون وعي - ضحايا «الاهتمام المبالغ فيه» أكثر مما هم ضحايا الإهمال، وجنوحهم إلى التمرد في بعض الحالات، بسبب سوء فهم حقوقهم المنصوص عليها في قانون الطفل.
وتحدث عن حالات عدة تعكس هذا السلوك، مثل حالة لطفل أراد الشكوى ضد والده بسبب وصفه بـ«الدب»، وأب يعاني جفاء بناته، مؤكداً أن اللجنة لا تفرق في الحالات التي يكون أحد طرفيها مواطناً والآخر أجنبياً، أو أحدهما يتمتع بالنفوذ أو الشهرة، مثل حالة أب مواطن اشتكى تأثير زوجته الأجنبية في أبنائه.
وتفصيلاً، قال رئيس لجنة الاحتضان في دبي، أحمد عبدالكريم خلال لقاء مع منصة «عرب كاست»: «هناك أولاد يتمردون، لأنهم اعتادوا أن يكونوا محور النزاع لا موضوع الحماية»، مؤكداً أن الاهتمام المُفرط يُمثّل بداية التمرد.
وتابع عبدالكريم أن من الحالات التي لا تغيب عن ذاكرته «كنت أُلقي محاضرة في مدرسة، وأخبرتني المشرفة بأن هناك طفلاً يريد الحديث معي على انفراد، واقترب مني الولد وقال: كيف أتعامل مع أبي الذي يُصر على مناداتي بـ(دب)، ألا يخالف هذا حقوق الطفل ويتيح لي حق الشكوى ضده؟»، وأشار إلى أنه ذهل من ردة فعل الطفل، وقناعته بأن القانون يتيح له هذا الحق، وقال: «سألته هل تحب لعب كرة القدم، فأخبرني بأنه يلعب بالفعل في أحد الأندية، وأن والده هو الذي يصطحبه يومياً إلى هناك، فطيبت خاطره وأكدت له أن والده يحبه، بدليل أنه يأخذه إلى النادي».
وأكّد عبدالكريم أنه في ظل الانفصال يتعلم بعض الأطفال استغلال فكرة الحماية، لابتزاز الوالدين عاطفياً، وتدريجياً يتحول القانون إلى سلاح يستخدمونه ضد أحد الأبوين، بدل أن يكون مظلة حماية، وهذا ما نسميه «التمرد الناتج عن المبالغة في الاهتمام».
ولفت إلى أنه في حالة أخرى، ورد في التقرير أن الأب لا يتواصل مع بناته، ويقصر في حقوقهن المعنوية والعاطفية، فسألناه عن ذلك، ورد الرجل بكل أسى «وهل يفترض أن أكون الطرف الوحيد الذي يسأل، أليس من الإنصاف أن يسألن عني؟».
وأشار إلى أن اللجنة سألت بناته لماذا لا تسألن عن والدكن، واكتشفت أنهن تمردن عليه بسبب الأم، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تقرر اللجنة بأنه أب مقصر.
البراءة لا تُبرّئ من الإهمال
ومقابل المبالغة في الاهتمام الذي يؤدي أحياناً إلى التمرد، هناك حالات لأمهات فقدن الحضانة، بسبب الإهمال، كحالة لأم كانت متهمة بقضية جزائية، وطالب الأب بإسقاط الحضانة عنها لهذا السبب، لكنها حصلت على البراءة، ورغم ذلك أُسقطت عنها الحضانة، مشيراً إلى أن اللجنة اكتشفت أن الطفل يعاني إهمالاً كبيراً، إذ أبلغتنا المدرسة أن الأب هو الذي يراجع فقط ويطمئن على أحوال ابنه، وفي إحدى المناسبات طرق رجال الشرطة الباب الساعة الـ11 ليلاً للسؤال عن الأم، لكن فتحت الخادمة، وقالت إن الأم تعود في الواحدة صباحاً.
وأكّد أن الأم ربما حصلت على براءة قانونية، لكنها لا تملك الأهلية للتربية، إذ إن القانون يُعرِّف الإهمال بأنه تقصير القائم على الرعاية في اتخاذ التدابير اللازمة للحماية، لذلك نقول دائماً: «البراءة ليست مؤشراً على الصلاح».
وأفاد رئيس لجنة الاحتضان في دبي بأن هناك في المقابل حالة لرجل كان يراجع اللجنة أسبوعياً، ويقول إنه مظلوم، لأن زوجته كانت مدانة جزائياً، ويريد استغلال ذلك في إسقاط الحضانة عنها، لكنها حصلت على البراءة، ولم يثبت شيء يدل على إهمالها، مؤكداً أن اللجنة لا تحكم بالعاطفة، وما يهمها هو مصلحة الطفل.
وشرح كيف أن هناك أطفالاً يوظفون قانون الطفل في التمرد، لافتاً إلى أن بعض الآباء يدعون أن أولادهم يرفضون زيارة الطرف الآخر، متذرعين بحقوقهم القانونية، لكننا نقول دائماً: «القانون بريء من سوء الاستخدام، وواجبنا أن نعلّم أبناءنا أن القانون لحمايتهم لا لتمردهم».
وقال عبدالكريم إنه بشكل عام ومن واقع الحالات الكثيرة التي تعامل معها بحكم دوره في محاكم دبي ورئاسة لجان الاحتضان، لديه قناعة راسخة بأن «العاطفة الزائدة أخطر من القسوة، لأنها تُغيّب المعايير، وتجعل الطفل محوراً لصراع دائم».
وأضاف أن «الاهتمام المتوازن هو المطلوب، أما المبالغة في الحماية أو الإهمال فكلاهما خطر»، مشيراً إلى أن عدم التوازن يُعدّ من الأسباب الرئيسة للنزاع حول الحضانة، مثل حالة أب شاهد فيديو لابنه الذي يبلغ الـ10 من عمره، يرقص بطريقة غير لائقة وهي أقرب إلى الحركات النسائية، وتابع أن «الوالد قدّم الفيديو إلى اللجنة، وقال إن هذا خطر على شخصية ابنه، وعندما بحثنا الحالة، وجدنا الأم ملتزمة، وتشركه في دروس تحفيظ القرآن، وتوصله إلى النادي بنفسها، وبعد التحليل النفسي والاجتماعي، وجدنا أن سلوك الطفل لم يكن نتيجة تقصيرها، بل نتيجة تحديات بيئية، وقررت اللجنة استمرار الحضانة معها مع توجيهها فقط في أساليب التربية».
وأكّد عبدالكريم أن منصات التواصل الاجتماعي تقوم بدور كبير في سلوك التمرد على الآباء، وهناك أطفال يعتبرون ذويهم من المتخلفين أو المعقدين نفسياً، لمجرد حديث الأب عن الأصول والهوية، ورفضه مواكبة العادات الغريبة، مشدداً على أن الاهتمام بالأطفال بهدف الحصول على الحضانة لا يستلزم بالضرورة تحريضهم على التمرد ضد الطرف الآخر.
وأشار إلى أن هناك حاجة إلى تهيئة الأطفال نفسياً لمسألة الحضانة، على غرار تهيئة المقبلين على الزواج من قبل صندوق الزواج، فالطلاق ليس وحده السبب في تدمير المحضونين، وإنما هناك معاملة الأبوين بعد الطلاق، فالأب يحرض ضد مطلقته، ويتحدث عنها بسوء أمام أبنائهما، فيقول: «شوفوا أمكم تروح فين وتيجي منين»، وكذلك تفعل لأم، فتزج الأبناء في خلافاتها مع الأب.
وحول ما إذا كانت اللجنة تتأثر إذا كان أحد طرفي النزاع مشهوراً، قال عبدالكريم، «إننا نفاجأ أحياناً بردة الفعل، مثل حالة لأم رفضت قرار اللجنة فانهالت عليها عبر منصة تيك توك صباحاً ومساء تتحدث عنا».
وأضاف أن اللجنة أوصت بإسقاط الحضانة عنها، لأنها لا تكاد ترى الطفل، بل تتركه مع الخادمة طوال الوقت، وتنشغل بنشاطها على تيك توك، وعلقت على قرار اللجنة قائلة: «لا يحق لكم التدخل إذا كنت أتركه مع الخادمة أم لا. وطالما لا يوجد ضرر عليه لا تحاسبوني، هل تعطونني المال بدل تيك توك؟!».
وأوضح أنها لم تستوعب أن القانون حين عرَّف الإهمال لم يشترط وقوع الضرر، كما أنها لم تدرك أن انشغالها الدائم عنه يؤثر فيه بالسلب.
وأكّد عبدالكريم أن منصات التواصل الاجتماعي باتت تسيطر على كثير من المنازل، وهناك آباء لا يملكون صلاحية الاطلاع على هواتف أطفالهم، مشيراً إلى أن هذا يُمثّل خطراً كبيراً.
وتابع أن اللجنة لا تطالب بالمثالية الزائدة، لكن يجب الالتزام بحد الكفاية، وهو تحمل مسؤولية الطفل، وحمايته، والاهتمام بشؤونه ودراسته.
الحياد خط أحمر
أكّد أحمد عبدالكريم أن الحياد في عمل اللجنة خط أحمر لا يتجاوزه أعضاؤها، مشيراً إلى أن من الوقائع الطريفة «في بداية 2023، رفع أحد أصدقائه قضية حضانة، وكان ينوي التنحي بسبب علاقته بصديقه، لكن كان نائبه في إجازة، فاضطر إلى إكمال التقرير، وقررت اللجنة بالإجماع أن الحضانة للأم، فجاء صديقه إليه غاضباً وقال: (غدرت بي!) فقال له: إذا غدرت بك لأجل مصلحة ولدك، فهذه غدرة ممتازة لا يحاسبني الله عليها».وأشار إلى أن «اللجنة تضم سبعة أعضاء، ولا مجال للمجاملة، وأي عضو يشعر بالحرج يُعفى فوراً، وحدث هذا بالفعل من قبل أحد الأعضاء الذي تنحى لشعوره بالحرج».وأفاد بأن هناك أطرافاً يحاولون استعطاف الأعضاء أو التودد إليهم، لكننا جميعاً على قناعة بأن الشخصنة خطرة جداً، وحتى لو كان أحد الطرفين فظاً أو يرفض التعاون، لا يهمنا أسلوبه، بل فقط مصلحة الطفل.
وتحدث عن حالة واقعية بأن «إحدى الأمهات رفضت تماماً الرد على اللجنة أو استقبال أعضائها، فأحلنا الواقعة إلى المحكمة التي فرضت عليها غرامة»، مشيراً إلى أنه على الرغم من سلوكها، فإن اللجنة أوصت بالحضانة لها لأنها الأصلح للطفل.
وأوضح عبدالكريم أن اللجنة تدقق في جميع التفاصيل بما فيها السجل الجنائي للأقارب الذين يوجدون في محيط الأبناء، ومن أبرز الحالات التي تكشف حساسية عمل اللجنة، قضية لأب كان يعيش إخوته في منزل الحضانة ذاته.
ولفت إلى أن الأم قالت إن إخوة الأب يتعاطون المخدرات، فسألناه عن ذلك، ورد قائلاً: «ما يخصكم بإخوتي»، مشيراً إلى أن اللجنة خاطبت الجهات الرسمية وطلبنا السجل الجنائي لإخوته، ووجدنا قضايا هتك عرض ومخدرات، فكتبنا في التقرير أن البيئة غير آمنة، وأوصينا باستمرار الحضانة عند الأم، وأيّدت المحكمة قرار اللجنة.
وحول الحالات التي يكون فيها أحد الطرفين مواطناً والآخر أجنبياً، أو أن هناك اختلافاً في الدين، شرح عبدالكريم أن الاختلاف لا يُعدّ سبباً كافياً لإسقاط الحضانة ما لم يمس هوية الطفل.
أبناء لا يتحدثون العربية
وذكر أن هناك حالة لأب مواطن اشتكى أن أبناءه لا يتحدثون العربية، لأن أمهم أجنبية، وقلنا له «أنت تزوجتها وسمحت بهذا، أين دورك في تعليمهم اللغة والدين؟»، وفي ظل عدم التزامه بمسؤوليته، لم نستطع إسقاط الحضانة لهذا السبب.
التأثير في الهوية
أكّد أحمد عبدالكريم، أن الهوية خط أحمر، وتحدث عن حالة لأم أجنبية كانت تمنع أبناءها من المشاركة في المناسبات الوطنية، وتصطحبهم إلى حفلات مختلطة، فاعتبرنا أن ذلك يؤثر في هويتهم، وأسقطنا الحضانة عنها.
وحول الحالات التي يقرر فيها الأب الانتقال إلى دولة أخرى، وما إذا كان يحق له نقل الحضانة، قال عبدالكريم: «حين يطلب الأب نقل الحضانة والسفر خارج الدولة، ندرس المصلحة أولاً، فإذا كان هناك أي ضرر على الأبناء، نوصي ببقائهم مع الأم، والقرار النهائي للمحكمة، لكنها في الأغلب تؤيد رأي اللجنة».
وأشار إلى أهمية الخلفية القانونية لأعضاء اللجنة، لافتاً إلى أن هناك تنوعاً في اختصاصات أعضائها، فهناك متخصصون في علم النفس والأسرة والطب النفسي، لكن يجب أن يكون الرئيس قانونياً، لأننا نتحرك وفق القواعد القانونية للحضانة، وهو ما يجعل تقاريرنا دقيقة.
وحول ما إذا كانت اللجنة تتأثر بنفوذ أحد طرفي النزاع، أكّد عبدالكريم «في الإمارات لا أحد فوق القانون»، مشيراً إلى أن «هناك نساء يُخبرن اللجنة بأن أزواجهن من الشخصيات المشهورة والنافذة، ويعربن عن تخوفهن من تأثير ذلك في القرار، ونرد عليهن بأن اللجنة لا تعرف إلا مصلحة الطفل».
وقال عبدالكريم إن استقلال اللجنة مستمد من دعم الإدارة العليا القضائية، مؤكداً أن هذا الدعم هو صمام الأمان، لأنه يجعلنا نعمل بثقة، ومن لديه اعتراض فباب المحكمة مفتوح.
وأضاف يكفي أن المحكمة أيّدت تقارير اللجنة بنسبة 98%، وهذا دليل ثقة، لكنه يُحمّلنا ضغطاً أكبر، ويفرض علينا أن نكون على قدر هذه الثقة.
أحمد عبدالكريم:
• مؤثرة على السوشيال ميديا تهاجم «لجنة الاحتضان» على تيك توك.. وأم تحتفظ بالحضانة رغم فظاظتها.
• رفض شكوى مواطن من تأثير زوجته الأجنبية في سلوكيات أبنائه.. وإسقاط الحضانة عن أم تدمر هوية أطفالها.
المصدر:
الإمارات اليوم