آخر الأخبار

«جيل بلا مناعة».. أطباء يحذرون من الإفراط في حماية الأطفال

شارك

حذر أطباء ومختصون من تزايد المؤشرات المرتبطة بضعف مناعة الأطفال في السنوات الأخيرة، مرجعين ذلك إلى التغيرات المتسارعة في نمط حياة الجيل الحالي، التي شملت قلة التعرض للطبيعة، والاعتماد المفرط على المعقمات والمضادات الحيوية، إضافة إلى التحولات في النظام الغذائي، وقلة النشاط البدني.

وقالو لـ«الإمارات اليوم» إن ظاهرة «جيل بلا مناعة» هي حالة مركبة ناتجة عن الإفراط في استخدام المعقمات والأدوية، إلى جانب ثقافة الخوف الزائد من العدوى، التي تتأثر إلى حد كبير بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، ما ينعكس على أساليب تربية الطفل، ويضعف قدرته على التكيف.

وأوضحوا أن نمط الحياة الحضري الحديث قلل احتكاك الأطفال بالبيئة الطبيعية، وزاد من بقائهم داخل المنازل والمدارس والمراكز التجارية، إلى جانب اعتمادهم على أنظمة غذائية فقيرة بالألياف، ما أدى إلى تغير واضح في نمط التعرض للميكروبات.

وأكد الأطباء أهمية اللعب في الرمل أو البيئة الطبيعية ضمن حدود آمنة ومدروسة، وفق ما يُعرف علمياً بـ«فرضية النظافة»، وبيّنوا أن الأطفال الذين يتفاعلون مع الطبيعة ويعيشون وسط حيوانات أليفة أقل عرضة للإصابة بالحساسية والربو وأمراض المناعة الذاتية.

كما أشار المختصون إلى أن الاستخدام المفرط للمعقمات المنزلية، خصوصاً على الأسطح، قد يؤثر سلباً في البكتيريا النافعة للجلد، ويرتبط بزيادة بعض المشكلات الصحية.

وتفصيلاً، حذر استشاري طب المجتمع والصحة العامة، الدكتور سيف درويش، من التغيرات المتسارعة التي طرأت على نمط حياة الأطفال، وانعكست بشكل مباشر على مناعتهم، موضحاً أن نمط الحياة الحضري الحديث قلل من احتكاك الأطفال بالطبيعة وزاد من بقائهم داخل المنازل والمدارس، أو حتى المراكز التجارية، ناهيك عن التغيّر في النظام الغذائي الذي أصبح فقيراً بالألياف.

وأوضح أن كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى خلل مجتمعي في نمط التعرض للميكروبات.

وقال: «خلال الفترة بين عامَي 2022 و2024، لاحظنا دورات غير معتادة من العدوى، مثل موجات من الإنفلونزا خارج موسمها المعتاد، وهذا يعود إلى أن عدداً كبيراً من الأطفال لم يتعرضوا للفيروسات خلال جائحة كوفيد-19، ما جعلهم أكثر قابلية للإصابة عند عودتهم إلى المدارس والحضانات».

وأكد أن هذه التغيرات لا تعني بالضرورة وجود «نقص مناعي»، وإنما تغير في السياق المجتمعي والصحي الذي يعيش فيه الأطفال اليوم.

كما حذر من الإفراط في استخدام المضادات الحيوية دون تشخيص دقيق، خصوصاً في السنوات الأولى من عمر الطفل، مؤكداً أن الاستخدام العشوائي قد يؤدي إلى اضطراب ميكروبيوم الأمعاء، وهو ما أظهرت دراسات علمية ارتباطه بزيادة خطر الإصابة بالربو والأكزيما بنسبة تراوح بين 10 و30%.

وأشار إلى أن الاستخدام المفرط للمعقمات المنزلية، خصوصاً على الأسطح بشكل يومي، قد يكون له تأثيرات سلبية في البكتيريا النافعة في الجلد، بل يُعتقد أنه مرتبط بزيادة بعض المشكلات الصحية، داعياً إلى التوقف عن «التعقيم الروتيني بلا داعٍ».

وشدد على أن الماء والصابون كافيان لغسل اليدين في معظم الحالات، وأن استخدام الصابون المضاد للبكتيريا لا يوفر فائدة إضافية، بل قد يضر عبر قتل البكتيريا المفيدة في جسم الإنسان.

وأكد أن اللعب في الخارج، خصوصاً في الرمل، يعزز النشاط البدني ويزيد فرص التفاعل مع البيئة الطبيعية، ما ينعكس إيجابياً على المناعة، لكنه نبه إلى أهمية اختيار الأماكن النظيفة، وتفادي اللعب في المناطق التي تحتوي على فضلات حيوانات أو مياه راكدة، مع ضرورة غسل اليدين جيداً بعد اللعب وقبل الأكل.

وقدم نصائح مهمة لدعم مناعة الطفل، تشمل النظافة المقبولة داخل المنزل دون الإفراط في التعقيم، واستخدام المطهرات فقط عند الضرورة، مثل وجود مرض معدٍ أو تلوث ظاهر، والتركيز على الغذاء الصحي الغني بالألياف والخضراوات، والحرص على النوم الكافي، وتشجيع النشاط البدني والتعرض لأشعة الشمس.

ونبه الأهل إلى أهمية مراجعة الطبيب في حال ظهرت علامات نقص المناعة لدى الطفل، مثل تكرار التهابات الأذن أكثر من أربع مرات في السنة، ووجود أكثر من التهابين شديدين في الجيوب الأنفية سنوياً، والتهابات رئوية متكررة، وخُراجات جلدية عميقة، والحاجة المتكررة للمضادات الحيوية الوريدية، أو أي فشل في النمو.

المناعة الذاتية

أكدت استشارية طب الأطفال، الدكتورة فرح طارق الجبوري، أهمية تعرّض الطفل للميكروبات واللعب في البيئة الطبيعية، ضمن حدود آمنة ومدروسة، مشيرة إلى ما يُعرف علمياً بـ«فرضية النظافة» (Hygiene Hypothesis)، التي تفيد بأن التعرض المعتدل للميكروبات في بيئة غير معقمة يسهم في تدريب الجهاز المناعي على الاستجابة السليمة.

وقالت إن الأطفال الذين يتفاعلون مع الطبيعة، ويلعبون في التراب، ويعيشون وسط حيوانات أليفة أقل عرضة للإصابة بالحساسية والربو وأمراض المناعة الذاتية، مؤكدة أن اللعب في الرمل يمكن أن يكون مفيداً، شرط توافر بعض الاحتياطات.

وأشارت إلى وجود دراسات علمية متعددة تدعم هذا التوجه، من أبرزها دراسة نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine عام 2002، أظهرت أن الأطفال الذين نشؤوا في مزارع كانت معدلات إصابتهم بالربو والحساسية أقل من أقرانهم في البيئات الحضرية المعقّمة.

وشددت على أهمية التطعيم والرضاعة الطبيعية في بناء مناعة قوية للأطفال، حيث يساعدان في تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة دون الإصابة بالمرض، إلى جانب حماية الطفل والمجتمع عبر ما يُعرف بـ«مناعة القطيع».

وقدمت مجموعة من الإجراءات والنصائح لتعزيز مناعة الأطفال في العصر الحالي، شملت الرضاعة الطبيعية، خصوصاً خلال أول ستة أشهر، والالتزام بجدول التطعيمات دون تأخير، والحصول على نوم كافٍ حسب عمر الطفل، واعتماد نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات، والفواكه، والبروتين، والألياف، وتشجيع اللعب في الهواء الطلق والتفاعل مع الطبيعة، وتقليل الخوف المبالغ فيه من الجراثيم، وعدم حرمان الطفل من الاحتكاك بالبيئة الطبيعية، وممارسة النشاط البدني بانتظام.

حالة مركبة

وأفادت استشارية الطب النفسي، الدكتورة ندى عمر محمد البشير، بأن الحماية المفرطة تعيق تطور استقلالية الطفل وثقته بنفسه، إذ إن منعه من الاستكشاف واللعب الحر يرسخ لديه شعوراً مفرطاً بالخوف من العالم الخارجي، ما يؤثر سلباً في جرأته في بناء علاقات اجتماعية وخوض تجارب جديدة، ونفسياً قد يتطور لديه قلق مفرط، بينما قد يعاني اجتماعياً صعوبة في الاندماج ومواجهة التحديات الطبيعية التي يمر بها أقرانه.

وأكدت أن العديد من الدراسات تشير إلى أن اللعب الحر والتعرض التدريجي للطبيعة يعززان المناعة الجسدية من خلال التعرض لميكروبات بسيطة تقوي الجهاز المناعي. وفي المقابل، يشكل الاحتكاك بالآخرين «مناعة اجتماعية»، حيث يتعلم الطفل مهارات التواصل وحل النزاعات، وغياب هذه الخبرات قد يؤدي إلى ضعف قدرته على التكيف مع ضغوط الحياة في المستقبل.

وأضافت أن ظاهرة «جيل بلا مناعة» هي حالة مركبة تجمع بين الجانب الطبي، المتمثل في الاعتماد المفرط على التعقيم والأدوية، والجانب الثقافي، المتمثل في انتشار ثقافة الخوف من العدوى والجراثيم، موضحة أن هذه الثقافة، التي تتأثر بشكل كبير بمنصات التواصل الاجتماعي، تزرع في الأهل قلقاً مبالغاً فيه ينعكس مباشرة على طرق التربية.

تعزيز المناعة

وأكدت أخصائية التغذية، اليازية محمد غانم الهاملي، أن دعم مناعة الأطفال يبدأ من المائدة المنزلية، موضحة أن الغذاء المتوازن والغني بالعناصر الطبيعية هو الأساس في حماية الجسم من الأمراض، دون الاعتماد المفرط على الأدوية أو المكملات.

وقالت إن من أهم الأطعمة التي تعزز المناعة عند الأطفال هي الفواكه مثل البرتقال والكيوي، والخضراوات الملونة مثل الجزر والبروكلي، إلى جانب البروتينات الصحية كالبيض والبقوليات واللحوم الخالية من الدهون، كما شددت على أهمية الزيوت الصحية مثل زيت الزيتون، والمكسرات، والبذور، إضافة إلى الزبادي الغني بالبكتيريا النافعة.

وأضافت أن هناك علاقة مباشرة بين سوء التغذية وضعف المناعة، مشيرة إلى أن الإفراط في الوجبات السريعة وقلة تناول الفواكه والخضراوات يؤدي إلى نقص في العناصر الأساسية كفيتامين C والزنك، ما يضعف الجهاز المناعي، ويجعل الطفل أكثر عرضة للعدوى ويطيل فترة التعافي.

ونبهت إلى خطورة إعطاء الأطفال مكملات فيتامين C والزنك دون استشارة طبية، مؤكدة أن الجرعات الزائدة قد تؤدي إلى مشكلات صحية مثل الإسهال والغثيان، وتكوّن حصوات الكلى، بل قد تؤثر سلباً في امتصاص معادن أخرى مهمة كالنحاس والحديد.

وأوضحت الهاملي أن بإمكان الأسر تصميم نمط غذائي يومي يقوّي المناعة بشكل طبيعي، من خلال تقديم أطعمة متنوعة تشمل الخضراوات، الفواكه، البروتينات الصحية، الحبوب الكاملة، الدهون الجيدة. كما دعت إلى تقليل السكر، وضمان شرب كمية كافية من الماء، وتناول الأسماك الدهنية مثل السلمون الغنية بالأوميغا 3، لما لها من دور مهم في دعم جهاز المناعة.

• 8 إجراءات لتعزيز مناعة الأطفال، و6 علامات تستدعي التدخل الطبي.

اليازية الهاملي:

• دعم مناعة الأطفال يبدأ من مائدة المنزل.. ويظل الغذاء هو الأساس في الحماية من المرض.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا