كشف أزواج عن تغيّر ملموس في ثقافة الإنفاق داخل الأسرة، إذ باتت الزوجة أكثر إلحاحاً على المشاركة في النفقات، خصوصاً في الكماليات أو الأمور الترفيهية، مثل السفر في رحلات، أو النزول في فنادق فخمة ومطاعم غالية، كما أن الرجل أصبح أكثر انفتاحاً على قبول مشاركتها في ذلك، بل إن هناك أزواجاً يشترطون على زوجاتهم المشاركة مالياً في متطلبات بعينها، مثل شراء تذاكر السفر أو حجز الفنادق.
وقال خبراء في الأسرة وعلم الاجتماع إن المشاركة أصبحت مهمة في ظل استقلالية المرأة، ودخولها بقوة في سوق العمل، لدرجة أنها قد تتقاضى في بعض الحالات راتباً أكثر من زوجها، لكن في المقابل لا يفترض أن تُجبر على ذلك، خصوصاً أن هناك رجالاً يلجؤون إلى المساومة لإجبار زوجاتهم على المشاركة في الإنفاق سواء في الكماليات أو الأساسيات.
وتفصيلاً، قال أزواج وزوجات، فضلوا عدم ذكر أسمائهم لاعتبارات شخصية وأسرية، لـ«الإمارات اليوم»، إن ثقافة الإنفاق تغيّرت إلى حد كبير بين الزوجين، وبعد أن كان الرجل هو الطرف الوحيد المعني بالإنفاق في جميع مناحي الحياة، أصبحت المرأة تتحمل حصة مساوية أو أقل إلى درجة ما في النفقات.
وقالت (ع ـ أ) إنها تشارك منذ فترة كبيرة في نفقات الأسرة، ولا يقتصر الأمر على الجوانب الترفيهية فحسب، مثل السفر أو الخروج إلى مقاصد مكلفة مثل الفنادق والمطاعم الفخمة، بل إنها تساعد في سداد نفقات مرتبطة بدراسة الأبناء ومصروفات المنزل بشكل عام، وأضافت أن الأوضاع تغيّرت إلى حد كبير وصارت المرأة المواطنة أكثر تفهماً لحجم المسؤولية المُلقاة على عاتق الرجل، وصعوبة أن يتحمل كل الأعباء بمفرده، ومن ثم أصبحت أكثر انفتاحاً على المشاركة في النفقات، وأشارت إلى أن الدولة قطعت شوطاً طويلاً في تعزيز تعليم المرأة ودخولها بقوة إلى سوق العمل، وفي ظل أنها شخصياً تتقاضى راتباً جيداً فلا ترى أي مانع من الإسهام بالتراضي في عملية الإنفاق.
بينما قالت (م.م) إنها تحب السفر كثيراً وتجده فرصة لتحقيق التوازن النفسي بين أعباء العمل والأسرة والحصول على فترة من الراحة في مقصد جميل، لافتة إلى أن زوجها يشترط بكل شفافية أن تشارك في كُلفة السفر إذا أرادت ذلك مع الأسرة، أو أن تتحمل نفقاتها إذا كانت تسافر مع صديقاتها، وأضافت أن هذه الثقافة لم تكن منتشرة سابقاً على النحو الراهن، لكنها تطور طبيعي للحياة، فهي تعمل بوظيفة جيدة، وتتقاضى راتباً لا يقل عن دخل زوجها، معتبرة أن مشاركتها في نفقات السفر والتنزه والخروج يعزز استقلالها المادي، ويحقق نوعاً من التوازن في العلاقة مع زوجها حتى لا تكون له أفضلية عليها.
ورأت (ص.أ) أن هذه الثقافة باتت شائعة إلى حد كبير بين الأزواج المواطنين، فهناك نساء يعملن الآن، وهناك مساواة حقيقية على أرض الواقع، لافتة إلى أنها لم تعد تنتظر مراجعة زوجها قبل الإنفاق في أمور مشتركة، فسددت أخيراً ثمن تذاكر السفر وكُلفة الإقامة للأسرة في رحلة خارجية، فيما تولى الزوج الإنفاق خلال الرحلة، ولم تشارك إلا قليلاً، لقناعة كل منهما بأنهما متساويان في المسؤولية، وأضافت أن لها صديقات يهدين أزواجهن بما يوازي قيمة الهدايا الثمينة التي يشتريها الرجال، فقدمت إحداهن سيارة جديدة إلى زوجها، وأخرى ساعة باهظة الثمن، معتبرة أن ثقافة تكفّل الرجل وحيداً بالإنفاق أصبحت نادرة إلى حد كبير.
وأيّد (م.أ) فكرة التشاركية في النفقات، مؤكداً أن زوجته تشاركه عملياً في بعض النفقات، لكنه يفضل، حسب قوله، أن تفعل ذلك سراً وليس أمام الناس، مثل سداد قيمة تذاكر السفر أو الإقامة، لكنه يشعر بالخجل لو دفعت ثمن العشاء أمام الناس، وأضاف: «يجب أن نُقر بأن خروج المرأة إلى العمل أصبح أمراً واقعاً، وربما ضرورياً للمساعدة في تلبية احتياجات الأسرة، وفي المقابل يؤثر ذلك في التزامها بجميع واجباتها الأسرية، ما يستدعي وجود خادمة أو أكثر في المنزل، لذا من الطبيعي أن تسهم على الأقل في راتب الخادمة وأي أمور أخرى غير أساسية».
أما (ع.م) فرأى أن النساء يمتلكن دائماً شغفاً للسفر والخروج، ولو أتيح لهن ذلك شهرياً فلن يترددن في القيام به، لافتاً إلى أن الكثير من أصدقائه يضعون شرط المشاركة في الإنفاق إذا أصرت زوجاتهم على السفر، وهذا أمر طبيعي فمن الصعب أن يتحمل الرجل هذه التكاليف بمفرده، وتابع أنه غير متزوج، لكنه مقبل على هذه الخطوة، وحرص على أن تكون زوجة المستقبل امرأة عاملة، حتى يتعاونا معاً في تلبية متطلبات الحياة، وتوفير معيشة جيدة وواعدة لأطفالهم، لافتاً إلى أن المشاركة أصبحت من ضروريات الحياة، وهناك تحول كبير في الثقافة العامة لدى الكثير من الشابات المقبلات على الزواج.
ثقافة سائدة
وقالت الاستشارية النفسية والأسرية، الدكتورة لمى الصفدي، إن الثقافة السائدة في ما يتعلق بالإنفاق تغيّرت إلى حد كبير، ولم يعد سائداً أن الرجل هو المسؤول الوحيد عن العائلة، عازية ذلك إلى أسباب عدة، أولها تماهي الأدوار بين الرجل والمرأة في ظل انطلاق الأخيرة إلى سوق العمل وحصولها في كثير من الحالات على دخل أو راتب ربما يكون أكثر من زوجها، ومن ثم لم يعد منطقياً أن تتركه يتحمل الأعباء بمفرده، وأضافت أن السبب الثاني هو شغف المرأة الدائم بالتغيير وكسر الروتين، إذ إنها تحب السفر والخروج كثيراً، الأمر الذي يكلف مالياً، وحين تطلب ذلك من زوجها يشترط أن تسدد كُلفة الرحلة من مالها الخاص.
وأشارت إلى أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة تغيّرت إلى حد كبير وفق الحالات التي أشرفت عليها، فالندية صارت أمراً واقعاً، وحصلت المرأة على كثير من حقوقها، ومن ثم فإن لسان حال الكثير من الرجال يقول إذا كنتِ تريدين المساواة، فعليكِ المشاركة في تحمل الأعباء المالية.
وتابعت أن هذا لا يمنع أن ننتبه إلى جانب بالغ الأهمية، وهو عدم تحول الأمور إلى نوع من المساومة، لأن هناك حالات واقعية رصدتها تعكس هذا السلوك، حيث يشترط فيها الرجل على زوجته أن تشارك في نفقات أساسية بالمنزل إذا أرادت العمل.
وأكدت أن المشاركة يجب أن تكون رضائية كلياً، بمعنى أن يتفق الطرفان على تقاسم الأعباء أو النفقات بما يحفظ لهما الود والمحبة، وعدم الشعور بالاستغلال من جانب أي منهما للآخر
وتابعت أن هناك نساء لم يعدن سعيدات بالمشاركة في الإنفاق، ويتمنين الرجوع إلى المربع الأول، حيث كان الرجل يتحمل المسؤولية المادية كاملة، لشعورهن بالاستغلال.
وأوضحت أنه بشكل عام أصبحت ثقافة المشاركة المالية، خصوصاً في الجوانب الترفيهية، مقبولة مجتمعياً على عكس السابق، ولم يعد الرجل يجد غضاضة في طلب ذلك من زوجته، سواء عند السفر أو الإقامة بفندق فخم، أو مطعم مكلف، ولا غضاضة في ذلك طالما توافرت النوايا السليمة وترحيب الزوجين بذلك.
أمر جيد
ووصف المستشار، الموجه الاجتماعي الدكتور أحمد البركاني، المشاركة في كُلفة الكماليات بـ«الأمر الجيد»، لكن بشرط أن يكون باختيار الطرفين، لأن الرجال ملزمون بتحمل النفقات الضرورية بالشرع والقانون، إلا إذا رغبت الزوجة في المشاركة على سبيل المساعدة.
وأضاف أن ثقافة المشاركة أفضل بالتأكيد من التورط في الحصول على قروض أو بطاقات ائتمانية للإنفاق على السفريات والرحلات كما يفعل البعض على سبيل الوجاهة أو الترف غير المبرر.
وأشار إلى أن هناك أسراً تطبق مبدأ المشاركة بطريقة إيجابية لدرجة أن الأبناء العاملين يسهمون في ذلك حين تسافر العائلة بالكامل أو تجتمع في مناسبة ترفيهية، وهذا أمر جيد يخفف من الأعباء الملقاة على كاهل الأب، ويقلل من الميزانية المخصصة لهذه الأمور.
وتابع أن الرجل الشرقي لا يمكنه التخلي بسهولة عن مسؤوليته كمصدر رئيس للإنفاق، لقناعته بأن هذا يحفظ هيبته ويُرسّخ قدرته على تلبية متطلبات الأسرة، ولا يزعزع صورته أمام زوجته وأبنائه، لكن مع أعباء الحياة، وانخراط المرأة في سوق العمل، فإن المشاركة، خصوصاً في الكماليات، أو حين تقصد الأسرة مقصداً غالياً مثل المطاعم الراقية والفنادق تُعدّ أمراً إيجابياً ومستحباً.
من جهتها، قالت استشارية العلاقات الأسرية الحاصلة على الدكتوراه في القيادة والذكاء العاطفي، الدكتورة مايا الهواري، إن ثقافة المشاركة أصبحت ضرورية في الوقت الحالي في ظل زيادة الأسعار.
وأضافت أن الدولة وفّرت للمرأة كل السبل لتتعلم جيداً وتلتحق بعمل يوفر لها الاستقلال المالي، وحين تأتي من أسرة كبيرة وتعيش حياة مرفهة، وتكون معتادة على الإنفاق فإنها تتوقع المثل في منزل زوجها، ومن ثم تكون المشاركة مهمة حتى تحافظ على هذا النمط من المعيشة من دون أن تُثقل كاهل الزوج الذي يتحمل عبء الأساسيات.
وأشارت إلى أن الجيل الحالي، خصوصاً من المواطنين المتزوجين حديثاً، يتسم بالطموح والوعي، فيعملون كثيراً وينفقون معاً في ما يحقق لهم الرفاهية والاستقرار، مستفيدين من المزايا العظيمة التي وفرتها لهم الدولة.
وكشفت الهواري أن مواطنات هذا الجيل يدركن حجم المسؤولية المُلقاة على عاتق الزوج، لافتة إلى أن هناك حالات لشابات يساعدن أزواجهن في أمور أساسية من دون أن يبلغن أسرهن بذلك، حتى تستقيم الحياة ولا يشعر الرجل بإرهاق مالي، خصوصاً أنهن يعملن بوظائف مريحة وجيدة.
أزواج:
• ثقافة الإنفاق تغيّرت والمشاركة ضرورية لتخفيف الأعباء عن الرجال.