تحت تلال منطقة نياكابينغو في شمال رواندا، يعمل مئات العمال يوميا على استخراج معدن يدخل في صناعة القنابل والرصاص، ويحتل موقعا مركزيا في السباق العالمي للسيطرة على المعادن الحيوية، في مشهد يعكس سعي كيغالي لإعادة صياغة صورتها في أسواق التعدين الدولية، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز.
منجم نياكابينغو، الذي استحوذت عليه مجموعة "ترينيتي ميتالز" عام 2022، ضاعف إنتاجه 3 مرات خلال عامين فقط، ليصبح أكبر مصدر للتنغستن في أفريقيا، بإنتاج يتجاوز 1200 طن سنويا من المركّزات عالية الجودة.
ويقول شين رايان، مدير العمليات في المجموعة، من داخل أحد أنفاق المنجم: "إنه جزء مهم نسبيا من التعدين على نطاق عالمي".
وخلف الصين وروسيا وكوريا الشمالية باتت رواندا من أكبر موردي التنغستن في العالم، وهو معدن تحظى به صناعات الدفاع والتكنولوجيا لأسباب تتعلق بالكثافة العالية والموصلية ونقطة الانصهار المرتفعة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أرسلت "ترينيتي" أول شحنة ضمن عقد طويل الأجل مباشرة إلى شركة "غلوبال تنغستن أند باودر" في ولاية بنسلفانيا، في خطوة وُصفت بأنها اختراق رمزي -وإن كان محدودا- لمساعي الولايات المتحدة لتقليص هيمنة الصين التي تسيطر على أكثر من 80% من سوق التنغستن العالمي.
ويقول رئيس مجلس إدارة المجموعة، شون ماكورميك: "رواندا أصبحت الآن جزءا مباشرا من سلسلة الإمداد الدفاعية الأميركية"، مشيرا إلى أن قيود الصين على صادرات المعدن في وقت سابق من 2025 منحت واشنطن وأوروبا إحساسا متزايدا بالإلحاح للبحث عن بدائل.
غير أن توسع التعدين الصناعي في رواندا لا يخلو من تحديات سياسية، فالبلاد لا تزال تواجه اتهامات بأنها ممر لمعادن مهرّبة من شرق الكونغو الديمقراطية، حيث النزاعات المسلحة مستمرة منذ عقود.
وتؤكد "فايننشال تايمز" أن الشركات العاملة في رواندا تبذل جهودا استثنائية لإثبات مصدر معادنها والالتزام بأنظمة التتبع الدولية الخاصة بمنع تداول "معادن النزاعات".
ففي مناجم "ترينيتي"، يُطبق نظام "الأنبوب المغلق"، حيث يتم تتبع كل كيس خام من موقع الاستخراج حتى المستخدم النهائي، مع تجنب شراء خامات من عشرات الآلاف من عمال التعدين التقليديين، رغم ما يوفره ذلك من توسع سريع في الإنتاج.
لكن هذه الإجراءات لم تمنع تصاعد الشكوك، فخبراء أمميون أشاروا في تقرير صدر في يوليو/تموز إلى أن خلط المعادن القادمة من مناطق سيطرة حركة "إم23" المسلحة في شرق الكونغو مع الإنتاج الرواندي بلغ "مستويات غير مسبوقة".
وتشير بيانات مبادرة سلسلة توريد القصدير الدولية إلى قفزة سنوية بنسبة 213% في صادرات التنتالوم من رواندا، تزامنا مع توسع سيطرة المتمردين على المناجم الكونغولية، كما تقول الصحيفة.
وقد دفعت هذه الاتهامات شركة "أبل" إلى مطالبة مورديها بوقف شراء أي تنتالوم من رواندا والكونغو، رغم أن البلدين يشكلان نحو 60% من الإنتاج العالمي.
ورغم الاتهامات، تؤكد السلطات الرواندية أن البلاد ماضية في تحديث قطاع التعدين وبناء قيمة مضافة محلية. وتقول أليس أواسي، الرئيسة التنفيذية لهيئة المناجم والنفط والغاز في رواندا: "نريد الارتقاء بأسلوب عملنا"، مشيرة إلى خطط لتحويل رواندا إلى مركز إقليمي لمعالجة المعادن، بما يدعم التصنيع الأوسع.
وأُحرِز بعض التقدم بالفعل، إذ بنت شركة بولندية أحد مصهرَي قصدير فقط في المنطقة، فيما بدأت شركة بريطانية تشغيل أول مصفاة تنتالوم في أفريقيا، بينما تسعى "ترينيتي" لجمع 60 مليون دولار لبناء مصنع لمعالجة التنغستن.
وفي حال نجاح مبادرة سلام مدعومة أميركيا في منطقة البحيرات العظمى، يرى مسؤولون ومستثمرون أن التجارة العابرة للحدود في المعادن قد تُنظم رسميا، بما يتيح تقاسم العوائد بين رواندا والكونغو.
ويقول راي باور، مؤسس مصفاة التنتالوم: "في منطقة بحيرات عظمى مستقرة، يمكن للخام أن يأتي إلى رواندا ويُعالج ثم يُصدّر إلى أوروبا وأميركا.. الجميع سيحصل على نصيبه من الكعكة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة