آخر الأخبار

(طُرة) السجن الخفي لاحتجاز الفارين من الفاشر

شارك

غادر ياسين حسين، وهو اسم مستعار لدواعٍ أمنية، ،مدينة الفاشر وهو مصاب بشظية في الصدر، بعد أسابيع من القصف المتواصل، معتقدًا أن الخروج من المدينة قد يضع حدًا للخطر الذي يهدد حياته. إلا أن رحلة الفرار، التي بدأها في سبتمبر الماضي عبر الجهة الشمالية الغربية للفاشر، تحولت إلى سلسلة من الاحتجاز والابتزاز، انتهت بدفع مبالغ مالية كبيرة مقابل الإفراج عنه.

يروي حسين، وهو شاب كان يعمل في المجال الطوعي، لـ(دارفور 24) أنه التزم بالمسار الذي حددته قوات الدعم السريع لخروج المدنيين، غير أنه أُوقف عند إحدى نقاط التفتيش، حيث تعرض للتفتيش العنيف والضرب، وواجه اتهامات مباشرة بالانتماء إلى الجيش. وأضاف أن الجنود مزقوا العملة التي كانت بحوزته، ووجّهوا له عبارات مهينة شملت أسئلة ذات طابع قبلي.

وبعد الإفراج عنه مؤقتًا، واصل سيره على الأقدام، قبل أن تحذره نساء التقاهم في الطريق من التوجه إلى منطقة قرني، مشيرا إلى أن مدرسة كانت تؤوي نازحين تحولت إلى مكان لتعذيب الشباب. وبناءً على تلك التحذيرات، غيّر مساره بمساعدة أحد السكان، الذي نصحه بتبديل ملابسه حتى لا يتم التعرف عليه.

سجن على طريق النزوح

غير أن المخاطر لم تتوقف عند هذا الحد. ففي منطقة طِرة، أوقفتهم قوة أخرى من الدعم السريع، ولاحظ أحد الجنود إصابته بالشظية، فجرى اعتقاله فورًا واتهامه بأنه ضابط في القوات المسلحة. يقول حسين إنهم هدّدوه بالقتل ونهبوا جميع ممتلكاته، قبل أن يبلغ لاحقًا بوجود “تعليمات” بنقله إلى القيادة للتحقيق.

وبحسب حديثه، تبين لاحقًا أن الهدف من الاحتجاز لم يكن التحقيق، بل ابتزازهم ماليًا، إذ طُلب منهم دفع فدية بلغت عشرة مليارات جنيه سوداني مقابل إطلاق سراحهم، مع التهديد بتصفيتهم في حال عدم الدفع. وبعد مفاوضات، جرى الاتفاق على دفع 2.5 مليار جنيه عبر التحويلات البنكية، قبل الإفراج عنهم.

ويضيف أن المعاناة استمرت حتى بعد الإفراج عنه، حيث واجهوا ابتزازًا جديدًا في منطقة كورما، وتحديدًا في معسكر سلك، حيث فرض عليهم مبلغ مليار جنيه للفرد مقابل السماح لهم بمواصلة الطريق، قبل تخفيضه إلى 700 ألف جنيه للشخص الواحد. وأكد أن عشرات الأسر لا تزال محتجزة في المعسكر نفسه لعجزها عن دفع المبالغ المطلوبة.

ولا تبدو قصة حسين حالة فردية، إذ تكشف شهادات أخرى عن نمط متكرر من الاحتجاز وطلب الفدية على مسارات خروج المدنيين من الفاشر.

احتجاز مقابل الفدية

وفي شهادة أخرى، قالت آيات مصطفي (اسم مستعار أيضا)، وهي طبيبة تقيم خارج البلاد، إن زوجها الطبيب اختُطف من مدينة الفاشر ونُقل إلى إحدى مدن إقليم دارفور. وأوضحت في حديثها مع ( دارفور 24) أن الخاطفين طلبوا منه في البداية معالجة ست حالات لجرحى يتبعون لقوات الدعم السريع أُصيبوا في معارك الفاشر.

وأضافت أنه بعد إكمال علاج الجرحى، أقدم الخاطفون على احتجاز زوجها مع أشخاص آخرين، وطالبوا ذويهم بدفع فدية مالية تجاوزت خمسين مليون جنيه سوداني، قبل أن يطلقوا سراحه لاحقًا بعد منحه مبلغًا ماليًا، وتركه عند الحدود مع تشاد.

وذكرت آيات، أن زوجها أفاد بوصول أعداد يومية من المختطفين إلى مكان احتجازهم داخل أحد المنازل في إحدى مدن إقليم دارفور، حيث يتم جلبهم من نيالا وزالنجي والضعين والفاشر ومناطق أخرى، دون أن يتمكن من تحديد الموقع بسبب تعصيب أعين المحتجزين ونقلهم لمسافات طويلة بالسيارات.

ويشير إسحق أبكر محمد، أحد سكان الفاشر، إن شقيقه إبراهيم اختُطف من بلدة طرة شمال غربي الفاشر، حيث طالب الخاطفون في البداية بمبلغ عشرة ملايين جنيه سوداني، قبل الاتفاق على دفع ثلاثة ملايين جنيه مقابل إطلاق سراحه بعد أسبوع من الاحتجاز.

وأشار في إفادة لـ(دارفور 24) إلى أن شقيقه أُطلق سراحه بالقرب من بلدة كفوت القريبة من كتم، وتمكن من الوصول إلى بلدة طويلة بمساعدة الأهالي في القرى.

ارقام

من جانبه، قال أحد القيادات الأهلية في شمال دارفور، فضل حجب اسمه، في مقابلة مع (دارفور 24)، إن عمليات الاختطاف والابتزاز ما زالت متواصلة، حيث جرى رصد 12 حالة اختطاف من بلدة طرة خلال أسبوع واحد، وست حالات في قرني، إضافة إلى خمس حالات في أم جلباغ وطويلة.

وأوضح أن مبالغ الفدية تختلف بحسب العمر وطبيعة العمل، إذ تتجاوز خمسين مليون جنيه في حالات ضباط الجيش والقوة المشتركة، بينما تتراوح بين عشرة وعشرين مليون جنيه للجنود، ومن مليون إلى عشرة ملايين جنيه للمواطنين. وأضاف أن الخاطفين يلتزمون عادة بإطلاق سراح المحتجزين بعد سداد الفدية، ويتم التواصل مع ذويهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام تسجيلات صوتية أو مقاطع فيديو لإثبات وجودهم.

وتقع بلدات طرة وأم مراحيك وقرني شمال وغرب مدينة الفاشر، على مسارات تُستخدم كممرات رئيسية لخروج المدنيين، وتستضيف هذه المناطق آلاف النازحين. كما شهدت منطقتا أم جلباغ شمال غربي الفاشر، وكورما جنوب غربي المدينة، حوادث مماثلة، في ظل تحركات المدنيين باتجاه بلدات مثل كفوت القريبة من كتم، وطويلة غرب الفاشر.

وتُظهر إفادات الفارين من مدينة الفاشر، وتكرار ورود اسم بلدة طرة في الشهادات، أنها تحولت فعليًا من ممر عبور للنازحين إلى منطقة احتجاز . وتشير الوقائع إلى أن البلدة أصبحت نقطة إيقاف أساسية للفارين، حيث يُحتجز المدنيون ويُتهمون بالانتماء إلى الجيش السوداني أو القوة المشتركة، قبل بدء مساومات مالية مقابل إطلاق سراحهم.

ولا يأتي توصيف بلدة طِرة بأنها «سجن كبير» من فراغ، إذ يستدعي الوصف صورة سجن طِرة المصري الشهير جنوب القاهرة، المعروف تاريخيًا باحتجاز المعتقلين السياسيين وظروفه القاسية، ولا سيما داخل قسم «العقرب» شديد الحراسة. والذي توفي فيه الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء احتجازه.

وبينما يظل سجن( طرة المصري) منشأة رسمية ذات أسوار وزنازين، فإن (طرة) في شمال دارفور تحولت، وفق شهادات الفارين، إلى سجن مفتوح بلا جدران، يُحتجز فيه المدنيون على طرق النزوح، وتُقيَّد حريتهم عبر الابتزاز وطلب الفدية بدل القضبان.، قبل نقل بعضهم إلى مناطق أخرى مثل كفوت وكورما ومعسكر سلك، فيما يُطلق سراح آخرين بعد سداد مبالغ مالية. وتُظهر الشهادات أن المستهدفين في الغالب مدنيون ونازحون، بينهم جرحى وعاملون في العمل الطوعي.وتدعم هذه الإفادات أرقام وشهادات محلية تشير إلى اتساع نطاق عمليات الاختطاف وطلب الفدية في عدد من المناطق.

تجدر الإشارة إلى أن( دارفور 24) اطلعت على الإشعارات والتحويلات مالية التى تؤكد دفع مبالغ الفدية في عدد من الحالات التي وردت في هذا التقرير، غير أنها امتنعت عن نشر هذه الإشعارات أو تفاصيلها لدواعٍ أمنية، ولحماية الأشخاص الذين قاموا بتحويل الأموال أو أرسلوا المستندات، خشية تعرّضهم أو ذويهم لأي مخاطر أو انتقام

جنرال بتأسيس يتهم المتفلتين

وفي ظل تصاعد هذه الإفادات، صدرت مواقف من قيادات عسكرية بتحالف تأسيس، تحدثت عن تقارير تتعلق بتفلتات وابتزاز المدنيين أثناء محاولات النزوح وقال نائب رئيس هيئة الأركان بحركة جيش تحرير السودان – المجلس الانتقالي، ابرز مكونات تحالف السودان التأسيسي اللواء أحمد جدو، في مقطع فيديو تحققت منه( دارفور 24) إن تقارير وصلته حول ممارسة الابتزاز وطلب الفدية من المدنيين الفارين من مدينة الفاشر. وأضاف، أن بعض المتفلتين في مناطق أم جلباغ وكورما متورطون في عمليات اختطاف وابتزاز، مؤكدًا عزمه حسم الأمر وتنظيف تلك المناطق من المتفلتين.

نفي رسمي

بالمقابل، نفت الدعم السريع الاتهامات المتعلقة بالاحتجاز وطلب الفدية.وقالت، في بيان صدر في 13 ديسمبر الجاري، إنها تنفي بشكل قاطع ارتكاب أي انتهاكات بحق المدنيين في إقليم دارفور، بما في ذلك الادعاءات المتعلقة بالاحتجاز الجماعي أو الابتزاز المالي مقابل إطلاق سراح المحتجزين. وأكدت التزامها بحماية المدنيين والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، داعية وسائل الإعلام إلى تحري الدقة والاعتماد على مصادر موثوقة.

واقع مستمر

وفي المحصلة، تعكس هذه الشهادات واقعًا معقدًا يواجه المدنيين أثناء محاولات النزوح من الفاشر، حيث لا يعني الخروج من مناطق القتال بالضرورة الوصول إلى الأمان. ففي ظل تكرار حوادث الاحتجاز وطلب الفدية على طرق الفرار، تحوّلت بعض مسارات النزوح، وعلى رأسها بلدة طرة، من ممرات عبور مؤقتة إلى مناطق احتجاز غير رسمية، ما يضاعف المخاطر التي تواجه المدنيين الفارين من الحرب.

دارفور 24

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا