آخر الأخبار

(الإغواء بالمال والعودة في تابوت) .. تفاصيل صادمة عن عمليات تجنيد مرتزقة كولومبيين في “الدعم السريع”

شارك

كشف تحقيق أجرته وكالة “الصحافة الفرنسية” عن شبكة تمتد من جبال الأنديز في أميركا الجنوبية مروراً بالخليج ووصولاً إلى جبهات دارفور غرب السودان، حيث يقاتل كولومبيون إلى جانب قوات “الدعم السريع” التي تخوض حرباً مدمرة منذ أكثر من عامين مع الجيش السوداني.
واستناداً إلى مقابلات مع مرتزقة وأفراد من عائلاتهم وسجلات شركات وتحديد مواقع جغرافية لمشاهد في ساحة المعركة، تمكنت وكالة “الصحافة الفرنسية” من تسليط الضوء على دور الكولومبيين في تعزيز صفوف “الدعم السريع”، المتهمة بارتكاب إبادة جماعية.
ومن النقاط الرئيسة التي جرى التوصل إليها أنهم جُندوا عبر تطبيق “واتساب”، ثم نقلوا إلى السودان بعد خضوعهم لمهام تدريبية قصيرة في بلد خليجي. واعتمدوا طريقين للوصول إلى السودان، إحداهما يمر عبر شرق ليبيا الموالي لإحدى الدول الخليجية، والثاني عبر قاعدة جوية داخل بوصاصو في الصومال تضم مسؤولين عسكريين من هذا البلد الخليجي.

ويظهر تحديد المواقع الجغرافية للقطات صورها مرتزقة، وجودهم في أسوأ المعارك التي شهدها إقليم دارفور. ووفقاً لشريك منفصل عن عقيد كولومبي سابق يخضع لعقوبات أميركية لكونه جزءاً من “شبكة التجنيد” هذه، تمثلت المهمة في ضم 2500 رجل إلى صفوف قوات “الدعم السريع”.

وعلى رغم اندلاع الحرب في السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 وظهور مرتزقة إلى جانب طرفي النزاع غالبيتهم من دول أفريقية، مثل إريتريا وتشاد، فإن هؤلاء لم يقوموا بعمليات معقدة ومتطورة مثل تلك التي يقوم بها الكولومبيون، المعروفون بخبرتهم في حرب المسيرات والمدفعية. ووفقاً لجندي كولومبي سابق، فقد تلقوا مقابل قيامهم بهذه المهام من 2500 إلى 4 آلاف دولار شهرياً، أي ما يعادل ستة أضعاف معاشهم التقاعدي العسكري.

وخلال التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أربعة كولومبيين وشركاتهم، بسبب دورهم في هذه الشبكة العابرة للحدود. لكنها لم تذكر اسم الشركة الخليجية المسؤولة، وهي شركة مقاولات أمنية خاصة، وتضم قائمة عملائها عدداً من الوزارات في الدولة الخليجية نفسها. وكثيراً ما نفت تلك الدولة الخليجية دعم قوات “الدعم السريع”.

ورداً على استفسارات وكالة “الصحافة الفرنسية”، وصف مسؤول التقارير عن إرسال مرتزقة كولومبيين إلى السودان بأنها “مختلقة وأخبار كاذبة”.

تدريب فتيان في دارفور

في كولومبيا، تعاني العائلات بصمت. وتقول أرملة أحد الكولومبيين، رافضة الكشف عن اسمها بدافع الخوف، “لم يعيدوا جثمانه إلى الوطن بعد”. قُتل زوجها، وهو جندي سابق يبلغ من العمر 33 سنة، بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السودان منتصف عام 2024، أي بينما كانت حملة قوات “الدعم السريع” لإحكام سيطرتها على إقليم دارفور تشهد تعثراً.

وعلى رغم ظهور تقارير تفيد بأن هذه القوات تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، فإن معظمهم جنود مشاة ذوو مهارات متدنية تتمحور حول الاغتصاب والنهب. وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سيطرت قوات “الدعم” السريع على مدينة الفاشر آخر معاقل الجيش داخل إقليم دارفور بعد محاصرتها لأكثر من 18 شهراً، وذلك وسط أدلة على عمليات قتل جماعي واختطاف واغتصاب.

ووفق الولايات المتحدة، جاء سقوط المدينة في قبضة “الدعم السريع”، “بدعم من المقاتلين الكولومبيين”. وتظهر مقاطع فيديو تحققت منها وكالة “الصحافة الفرنسية” وحددت موقعها الجغرافي، وجود كولومبيين في الفاشر وحولها قبل عملية الاستيلاء عليها. وتقول إحدى المجموعات المتحالفة مع الجيش إن نحو 80 كولومبياً شاركوا في محاصرة المدينة منذ أغسطس (آب) الماضي.

وضمن أحد المقاطع، يظهر كولومبيون وهم يقودون سيارات عبر أنقاض مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، بينما كانوا يستمعون إلى موسيقى الريغيتون. ويقول رجل بلكنة كولومبية “دمر كل شيء”. وقتل أكثر من ألف مدني جراء هجوم شنته قوات “الدعم السريع” على المخيم خلال أبريل الماضي أدى إلى نزوح أكثر من 400 ألف شخص، ووصفه ناجون بـ”مجازر عرقية”.

ويظهر الرجل نفسه ضمن بعض الصور مع فتيان يحملون بنادق هجومية، بينما يظهر رفاقه في صور أخرى وهم يعلمون مقاتلاً استخدام قاذفة صواريخ. وفي صور عرضها المتحدث باسم القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش أحمد حسين، ظهرت جثة الرجل ملطخة بالدماء وأمكن التعرف عليه من ملامح وجهه وجهاز تقويم الأسنان الذي يضعه، ووُصف بأنه “قائد” الفصيلة. وخلال وقت لاحق، قُتل أحمد حسين نفسه جراء هجوم قوات “الدعم السريع” على الفاشر.

وأفادت السلطات السودانية الموالية للجيش بمقتل 43 كولومبياً، بينما أعلنت وزارة الخارجية الكولومبية أن عدداً غير محدد من الأشخاص “تعرضوا للخداع” من شبكات اتجار بالبشر للذهاب إلى السودان.

خداع وتضليل

بعد مرور عام على تقاعده، تلقى كولومبي متخصص في المسيرات العسكرية رسالة عبر تطبيق “واتساب” تقول “هل يوجد محاربون سابقون مهتمون في (الحصول على) عمل؟ نحن نبحث عن جنود احتياط من أية قوة. التفاصيل عبر رسالة خاصة”.

وتلقى الجندي السابق البالغ من العمر 37 سنة عرض عمل من رجل عرف نفسه بأنه عقيد سابق في سلاح الجو، وأخبره بأن الوظيفة في المدينة الخليجية، فقبل. يتقاعد آلاف الجنود الكولومبيون سنوياً، وهم صغار السن نسبياً ويتقاضون معاشات تقاعدية منخفضة. وفي السابق وجد كثير منهم فرصة عمل في عاصمة البلد الخليجي، إما في حراسة خطوط أنابيب النفط أو في القتال داخل اليمن ضد المتمردين الحوثيين.

وفي اتصال لاحق، أخبر الكولومبي المتخصص في المسيرات أن مدينة خليجية ستكون محطة سيخضع فيها لتدريب لأشهر عدة، قبل أن يُنقل إلى أفريقيا للقيام بمهمة استطلاع تكتيكي. عندها انتابته شكوك، واتصل بصديق يعمل في البلد الخليجي نفسه حذره من احتمال أن ينتهي به المطاف في السودان، فقرر عدم المشاركة، لكن كولومبيين آخرين أغراهم العرض. وعلى رغم أن معظم رحلات المرتزقة وعقودهم نظمت بسرية، فإن بعضهم كان أقل تحفظاً من غيره في الحديث عن الموضوع. ووثق أحدهم ويدعى كريستيان لومبانا رحلاته خلال عام 2024 إلى السودان عبر فرنسا وعاصمة البلد الخليجي، على شبكات التواصل الاجتماعي.

ونشر مقطع فيديو عبر تطبيق “تيك توك” حدد موقعه على أنه في جنوب شرقي ليبيا، وفقاً لمجموعة بيلينغكات BellingCat الاستقصائية. ويخضع شرق ليبيا لسيطرة المشير خليفة حفتر الذي يحظى بدعم هذا البلد الخليجي المشار إليه، ومنذ بدء الحرب في السودان تحولت هذه المنطقة إلى ممر حيوي لإمداد قوات “الدعم السريع” بالأسلحة والوقود والمقاتلين. بعد أيام من نشر مقطع الفيديو على “تيك توك”، تعرض موكب لومبانا لمكمن في صحراء دارفور.

وانتشرت على نطاق واسع لقطات صورها مقاتل منافس تظهر وثائق له وصوراً لعائلته متناثرة على الرمال، ويظهر على جواز سفره ختم دخول إلى ليبيا.

محطة الصومال

تشير وثائق وشهادات جمعتها وكالة “الصحافة الفرنسية” إلى الكولونيل الكولومبي المتقاعد ألفارو كويجانو على أنه يقف وراء عمليات التجنيد هذه.

وتحدثت “الصحافة الفرنسية” مع شريكه المنفصل عنه الرائد السابق عمر رودريغيز، الذي قال إن كويجانو “أوقف” العملية موقتاً بعد التعرض لمكامن في الصحراء خلال العام الماضي. في هذا العام، بدأ المرتزقة مرورهم عبر بوصاصو في الصومال، وأفادت مصادر محلية “الصحافة الفرنسية” بأن قسماً تديره الدولة الخليجية من قاعدة عسكرية يستقبل مجموعات من الأجانب بزي عسكري ويُنقلون في طائرات شحن.

وتقع بوصاصو داخل ولاية بونتلاند التي تحظى بحكم شبه ذاتي، حيث قامت الدولة الخليجية المذكورة بتدريب وتسليح وتمويل قوة شرطة بونتلاند البحرية منذ عام 2010، وفقاً لخبراء في الأمم المتحدة ومحللين أمنيين. وأفادت مصادر أمنية “الصحافة الفرنسية” بأن مسؤولين عسكريين من البلد الخليجي يتمركزون داخل منطقة منفصلة من المطار.

وخلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نُشرت تقارير عن تسريب ضخم لبيانات من نظام التأشيرة الإلكترونية في الصومال، كشفت عن بيانات شخصية لـ35 ألف شخص في الأقل أُفيد بأن من بينهم كولومبيين كانوا في طريقهم إلى السودان. ورداً على هذه المعلومات قال مستشار الأمن القومي الصومالي أويس حاج يوسف لـ”الصحافة الفرنسية”، “يتعين علينا أن نحقق في الأمر ونحن نقوم بذلك”.

لكنه شدد على الحاجة إلى أدلة قوية وعلاقات جيدة مع الدولة الخليجية. وفيما تشير التقارير الواردة من الصومال إلى أنها تُستخدم كمحطة توقف، قال وزير الدفاع أحمد معلم فقي أمام البرلمان أخيراً، إن الطائرات كانت تنطلق من بوصاصو “إلى تشاد والنيجر للوصول إلى غرب السودان”. كذلك أفاد أحد السكان المحليين الذين يترددون على المطار بسبب عمله، “الصحافة الفرنسية”، بأنه رأى بين مارس (آذار) ويوليو (تموز) الماضيين، مجموعات من الأجانب “من ذوي البشرة الفاتحة في منتصف الثلاثينيات والأربعينيات من العمر لديهم بنية عسكرية، وكانوا يصطفون وينقلون في طائرات شحن”.

وأضاف أنهم غالباً ما كانوا يرافقون إلى القسم من المطار الذي يضم مسؤولين من البلد الخليجي. وأشار علي جمعة وهو من سكان بوصاصو أيضاً إلى أنه شاهد أجانب مزودين بمعدات تكتيكية، ينقلون على متن طائرة شحن خلال أبريل الماضي.

وتظهر صور من الأقمار الاصطناعية للمطار حصلت عليها “الصحافة الفرنسية” وجوداً منتظماً لعدد من طائرات الشحن من طراز إليوشن IL-76D، مماثلة لتلك التي رصدتها “الصحافة الفرنسية” في قواعد جوية داخل الدولة الخليجية وليبيا. وتظهر بيانات لتتبع الرحلات الجوية حللتها “الصحافة الفرنسية” نشاطاً مكثفاً للنوع نفسه من الطائرات في المطار. وربط هذا الطراز أيضاً بخطوط إمداد قوات “الدعم السريع” عبر تشاد.

2500 رجل

خلال الآونة الأخيرة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كويجانو وزوجته كلوديا أوليفيروس لكونهما جزءاً من شبكة “تجند عسكريين كولومبيين سابقين وتدرب عناصر، من بينهم أطفال، للقتال ضمن قوات ’الدعم السريع‘ السودانية”. وقالت وزارة الخزانة الأميركية “منذ سبتمبر (أيلول) 2024، سافر مئات العسكريين الكولومبيين السابقين إلى السودان للقتال إلى جانب قوات ’الدعم السريع‘”.

ووفقاً لاثنين من المرتزقة السابقين الذين تحدثت إليهم “الصحافة الفرنسية”، فإن وكالة كويجانو للخدمات الدولية “أي فور أس آي” (A4SI)، أرسلت مجندين أولاً إلى الدولة الخليجية ثم إلى شرق ليبيا ثم إلى السودان. وكان شريكه رودريغيز المنفصل عنه أسس هذه الشركة خلال عام 2017، على أنها ظاهرياً شركة توظيف. وقال إن كويجانو يتمتع بعلاقات أفضل في هذا البلد الخليجي. بعدما تراكمت عليه الديون باع رودريغيز حصته خلال عام 2022 إلى زوجة كويجانو التي لا تزال مالكة الشركة، بحسب السجلات القانونية.

وأشار إلى أن كويجانو حاول “إرسال 2500 رجل” إلى السودان. وحصلت “الصحافة الفرنسية” على 26 وثيقة موقعة من كولومبيين في ليبيا تخول “المجموعة العالمية للخدمات الأمنية” دفع رواتبهم. ونص أحد العقود على توظيف كولومبي كـ”حارس أمن”، على أن تحول الرواتب عبر شركة مسجلة في بنما. وبحسب السجل التجاري للبلد الخليجي الذي يعود تاريخه إلى عام 2018، فإن “المجموعة العالمية للخدمات الأمنية” مملوكة لرجل أعمال يحمل جنسية البلد الخليجي نفسه.

وتقول عبر موقعها إنها “الشركة الخاصة الوحيدة التي تؤمن خدمات أمن مسلحة لحكومة هذا البلد”. خلال الآونة الأخيرة، قامت هذه الشركة بإزالة قسم من موقعها الإلكتروني كان يذكر ثلاثة من عملائها، وزارة الداخلية ووزارة الخارجية وديوان الرئاسة في الدولة الخليجية.

ولم تستجب أي من الشركات لطلبات “الصحافة الفرنسية” للتعليق. ورداً على أسئلة تتعلق بهذا التحقيق، قال مسؤول من الدولة الخليجية رفيع لوكالة “الصحافة الفرنسية” إن بلاده “ترفض بصورة قاطعة مثل هذه الادعاءات، وترفض أي ادعاء بأنها زودت أو مولت أو نقلت أو سهلت تسليم أسلحة إلى أي من الأطراف المتحاربة، عبر أية قناة أو ممر”.

وأضاف المسؤول “هذه المزاعم كاذبة وغير موثقة، وتتعارض مع الوقائع”. واعتبر المسؤول أن هذه الادعاءات “تصرف الأنظار عن العمل الضروري اللازم لإنهاء هذه الحرب القاسية من أجل مصلحة الشعب السوداني”.

“وصل رماده”

وتنفي الدولة الخليجية أي دور لها في الحرب داخل السودان، لكن تقارير صادرة عن خبراء في الأمم المتحدة ومشرعين أميركيين ومنظمات دولية تفيد بأنها دعمت قوات “الدعم السريع”، في ما يشكل انتهاكاً لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور.

ووفق دبلوماسيين ومحللين، فإن هذه الدولة الخليجية مهتمة بمخزون الذهب الموجود في السودان وبأراضيه الزراعية الخصبة وساحله الطويل على البحر الأحمر وموقعه الاستراتيجي بين القرن الأفريقي ومنطقة الساحل. في كولومبيا، أقر المشرعون أخيراً قانوناً يحظر تجنيد المرتزقة، بعدما أثار ظهور مواطنين كولومبيين في النزاعات في هايتي وأفغانستان وأوكرانيا، غضباً واسعاً.

لكن هذا القانون جاء متأخراً بالنسبة إلى مقاتل كولومبي آخر قتل في النزاع داخل السودان العام الماضي، عن عمر يناهز 25 سنة.

وتقول امرأة قدمت نفسها على أنها قريبته، “وصل رماده إلى كولومبيا”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا