كشفت بعثة تقصّي حقائق مشتركة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام (ACJPS) عن استخدام ممنهج للعنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي ضد نساء وفتيات من قبيلة المساليت في إقليم دارفور، لا سيما مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، واستمرار هذه الانتهاكات حتى داخل مخيمات اللاجئين بشرق تشاد.
العنف الجنسي سلاح حرب
ويأتي التقرير، الذي حمل عنوان «تعرّضنا للتهديد بالاغتصاب والعنف لكوننا مساليت: من الاضطهاد في السودان إلى الهشاشة وانعدام الأمن في المخيمات التشادية»، استكمالًا لجهود التوثيق التي تقودها آليات دولية وأفريقية، من بينها لجنة تقصّي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، ولجنة تقصّي الحقائق التابعة للمفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ويهدف إلى رصد الأنماط الجديدة للعنف الجنسي ودوافعه في سياق الحرب والتهجير القسري بدارفور.
وقال الباحث بالمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام محمد بدوي، خلال تدشين التقرير بالعاصمة اليوغندية كمبالا أمس الأربعاء، إن سكان غرب دارفور، خصوصًا مدينة الجنينة، يعيشون حالة نزوح متكرر منذ عام 2004، حيث لجأت مجموعات واسعة إلى شرق تشاد، ثم عاد بعضهم في 2018 و2019، قبل أن يُجبروا على النزوح مرة أخرى في 2021، وصولًا إلى موجة النزوح الثالثة والأوسع في عام 2023. وأوضح أن أغلب سكان الجنينة تأثروا مباشرة بهذه الدورات المتعاقبة من العنف والحرب.
بعثة ميدانية في ظروف قاسية
وأضاف بدوي أن بعثة تقصّي الحقائق نُفذت في أغسطس 2024 إلى كل من إنجمينا وشرق تشاد، بما في ذلك مخيمات اللاجئين في ميتيشي وسلطان وأرونق وأركوم، في ظروف ميدانية بالغة الصعوبة، إذ تزامن عمل الفريق مع فصل الخريف في شرق تشاد، إلى جانب قيود فرضتها السلطات التشادية، وصفها بأنها مشابهة لتلك التي تفرضها مفوضية العون الإنساني في السودان، ما جعلها واحدة من أصعب المهمات التي واجهها الفريق.
لاجئات سودانيات في مخيم ارديمي للأجئين السودانيين شرق تشاد – المصدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللأجئينشهادات
وأجرى الفريق مقابلات فردية مع ضحايا العنف المباشرين وغير المباشرين، ومع مدافعات عن حقوق الإنسان وشهود والعاملين والعاملات في المجال الإنساني، إضافة إلى عقد مناقشات جماعية ومشاورات مع قادة مجتمعات محلية، ومقدمي الخدمات الإنسانية، والسلطات المحلية، لاستكشاف السياق الاجتماعي والسياسي وواقع حقوق الإنسان في السودان وتشاد.
استهداف عرقي للنساء
وأفادت غالبية الناجيات والمدافعات عن حقوق الإنسان اللواتي جرت مقابلتهن بأنهن تعرضن أو شهدن أعمال عنف جنسي شديدة وقتل وجرائم فظيعة أخرى، ارتكبها بشكل رئيسي أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات الحليفة لها. وروت إحدى الناجيات أن مهاجميها سألوها عن انتمائها القبلي، وعندما تبيّن لهم أنها مساليت اغتصبوها واحدًا تلو الآخر، فيما أفادت ناجية أخرى بأن جنديًا من قوات الدعم السريع أمرها بالمغادرة بعد اغتصابها لأن “فتيات المساليت غير مرغوب فيهن في المنطقة”.
وتصف شهادات متعددة أنماطًا متكررة من الاقتحامات المسلحة للمنازل، والضرب بالسواطير أو الأسلحة النارية، والاغتصاب الجماعي، والتهديد بقتل أفراد الأسرة لإجبار النساء على الامتثال، إضافة إلى حالات اختطاف واعتداء جنسي وتدمير ممتلكات، مع إفادات تشير إلى مشاركة مقاتلين أجانب، الى جانب مجموعة من النيفرز تسمي” الكولومبيون.”
المفاضلة بين الاغتصاب والقتل
وأوضح بدوي أن العنف الجنسي شكّل أحد المحفزات الرئيسية للنزوح الجماعي من الجنينة، حيث وثّقت البعثة أنماطًا جديدة من الانتهاكات، من بينها ما وصفه بـ“المفاضلة”، حيث يُخيَّر الضحايا بين اغتصاب النساء أو قتل أشقائهن الذكور.
وأشار إلى أن رحلة الفرار نفسها من الجنينة إلى أدري كانت محفوفة بالمخاطر، بسبب كثافة نقاط التفتيش، وانتشار جنود الدعم السريع، ومشاهد الجثث على الطرقات، ما عرض النساء لانتهاكات متكررة، أحيانًا للمرة الثانية أثناء النزوح.
وسلّط التقرير الضوء على استمرار العنف الجنسي داخل مخيمات اللاجئين بشرق تشاد، في ظل ضعف الحماية ونقص المساعدات الإنسانية. وأفاد بدوي بأن عدم كفاية المساعدات في مدينة أدري دفع بعض الفتيات، بما في ذلك قاصرات، إلى التعرض للاستغلال الجنسي والبغاء القسري من المجتمع المضيف، عبر التواجد في أماكن السهر والبارات ليلًا للحصول على مقابل مادي يغطي احتياجاتهن الأساسية، إلى جانب تسجيل حالات عنف داخل المخيمات نفسها بسبب طبيعة إدارتها.
كما وثّق التقرير حالات حمل ناتجة عن الاغتصاب، وأشار إلى غياب العدالة وضعف استجابة المنظمات والسلطات، حيث أكدت ناجيات امتلاكهن شهادات وتقارير طبية توثق ما تعرضن له.
أحدي مخيمات اللاجئين السودانيين بشرق تشاد – راديو دبنقاانتحار غرب كتم
وأفاد بدوي برصد حالتي انتحار في غرب كتم خلال عام 2023، إضافة إلى توثيق 10 حالات حمل ناتج عن الاغتصاب في جنوب دارفور خلال عام 2024، مع التحذير من أن الأعداد الحقيقية مرشحة للارتفاع بسبب عدم الإبلاغ، إلى جانب تسجيل حالات إجهاض.
سبع طالبات ضحايا اختطاف واستعباد
وكشف بدوي عن توثيق اختطاف سبع طالبات في مايو 2025 من جامعة الجنينة من السكن الجامعي، واحتجازهن لمدة 15 يومًا في حي النهضة، وتعرضهن للاستعباد الجنسي وأعمال السخرة، على يد نزلاء كانوا في سجن الجنينة قبل انضمامهم لاحقًا إلى حركة خميس أبكر.
وأوضح بدوي أن كثيرًا من الناجيات لم يتمكن من التعرف على الجناة، لأنهم كانوا ملثمين ويرتدون أقنعة للوجه، ما صعّب مسارات العدالة وفاقم الآثار النفسية على الناجيات.
الحرب على أجساد النساء
من جانبه، قال مدير البرنامج القانوني بالمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أمير محمد سليمان، إن التقرير يقدم صورة دقيقة لجرائم العنف الجنسي في غرب دارفور والسودان عمومًا، مؤكدًا أن الحرب على أجساد النساء تُستخدم لكسر بنية المجتمع وخلق وصمة اجتماعية.
وأشار إلى أن الهدف من التقرير هو الدفع نحو محاسبة الجناة في كل السودان، وليس في غرب دارفور فقط.
المصدر:
الراكوبة