آخر الأخبار

أميركا و"الإخوان"... مشروع الـ100 عام

شارك

ملخص

هل سيفترق “الإخوان” عن الأميركيين؟ أم في الأمر مناورة سياسية أو عملياتية ما؟ هذا ما ستكشفه الأحداث خلال شهرين من الزمان بعدما تقول وزارتا الخزانة والخارجية رأيهما في قرار ترمب.

على حين غرة، وجد الأميركيون والعالم أنفسهم، ليل الإثنين الـ24 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أمام أمر تنفيذي من الرئيس دونالد ترمب تم بموجبه تصنيف بعض من فروع جماعة “الإخوان المسلمين” “منظمات إرهابية أجنبية “، الأمر التنفيذي بدروه، وكما كل شيء متعلق بالرئيس ترمب، يدعو إلى التساؤلات المعمقة، ذلك أنه لا يستهدف التنظيم العالمي لـ”الإخوان” برمته، بل بعض الفروع مثل مصر ولبنان والأردن، والحجة عند سيد البيت الأبيض أنها جماعة تدعم العنف وتشارك في حملات من أجل زعزعة الاستقرار في المنطقة. هل بدأت الولايات المتحدة في عهد ترمب مسيرة مغايرة مع جماعة “الإخوان المسلمين” في اتجاه معاكس لعلاقة تقارب اليوم ثمانية عقود بين واشنطن والتنظيم الذي يعتبر رأس الأصوليات “الجهادية” العنيفة في الشرق الأوسط والعالم؟

حسن البنا مؤسس جماعة “الإخوان المسلمين” (أ ف ب/ غيتي)

المؤكد أن الأمر يحتاج إلى حفر عميق على صعيد الأحداث التاريخية، ومحاولة فض الاشتباك بين ما هو ديني مسيس من جانب الولايات المتحدة، لا سيما في زمن الأزمات مع الاتحاد السوفياتي، وما هو مؤدلج كما الحال مع جماعة ترفع شعارات الدعوة، فيما باطنها يحمل برامج سياسية، وفكراً لحكومة أشبه ما تكون بالعالمية، على أنه قبل الخوض في غمار القراءات التاريخية، ربما ينبغي أن نشير إلى أن قرار الرئيس ترمب لم يأت فجأة كما يتراءى لكثر، إذ من الواضح أنه جاء ضمن خطوات ممنهجة تجاه “الإخوان المسلمين” في الداخل الأميركي، فقد سبق أمر ترمب التنفيذي قيام حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت نهار الثلاثاء الـ18 من نوفمبر الماضي بتصنيف الجماعة في الولاية، ومجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية “كير” كمنظمة إرهابية أجنبية و”إجرامية عابرة للحدود”، واتهم أبوت “الإخوان المسلمين” بـ”الانتظام في الإرهاب ومحاولة زعزعة استقرار البلدان”، ويستند الأمر إلى قانون العقوبات وقانون الملكية في ولاية تكساس اللذين يسمحان للحاكم بتصنيف المنظمات التي تهدد أمن هذه الولاية. ووجد أمر الحاكم أبوت ومن بعده أمر الرئيس ترمب، ترحيباً واسعاً من السيناتور الجمهوري اليميني تيد كروز، الذي اعتبر الأمرين مهمين جداً للأمن القومي الأميركي، وسلامة الأميركيين، مشيراً إلى أن المشهد كان بمثابة معركة عبر أكثر من عقد من الزمن، أما المثير في تعليق كروز فقوله إن إدارة ترمب واجهت مقاومة شرسة من أنصار جماعة “الإخوان المسلمين” من البيروقراطيين المتأصلين في الحكومة الأميركية، مما يفتح الباب واسعاً أمام أحاديث مطولة عن “الإخوان” والحكومات الأميركية منذ النصف الأول من القرن الـ20، وصولاً إلى التجلي الأخطر في زمن باراك أوباما ودعم الديمقراطيين الجماعة في الشرق الأوسط.

أميركا و”الإخوان” حديث البدايات

في مؤلفه الشهير “مسجد في ميونيخ” لفت الكاتب الكندي المعروف أين جونسون، النظر إلى أن الولايات المتحدة، ربما سارت على نهج نظام الرايخ الثالث في التلاعب بالتيارات الإسلامية، لا سيما جماعة “الإخوان المسلمين” إذ كان التفكير عند الفوهرر (أدولف هتلر) وجيشه تشكيل فيلق من مسلمي الشرق الأوسط لقتال دول المحور.

هل بدأت الولايات المتحدة في عهد ترمب مسيرة مغايرة مع جماعة “الإخوان المسلمين” (أ ف ب/ غيتي)

في قراءة معمقة أخرى للباحث محمد علي عدراوي الأستاذ وزميل ماري سكلودوفسكا كوري في كلية “إدموند وولش” للخدمة الخارجية بجامعة “جورج تاون” الأميركية المرموقة أشار إلى وثائق أرشيفية لوزارة الخارجية الأميركية رفعت عنها السرية قبل عام 1979، عن علاقة أميركية مع جماعة “الإخوان المسلمين” اتسمت بالفوضى والمصالح الذاتية، ويبدو أن الدبلوماسيين الأميركيين الذين خدموا في مصر تجاهلوا الجماعة فترة طويلة، فحتى منتصف أربعينيات القرن الماضي لم تشر أي تقارير أو مراسلات دبلوماسية أو وثائق أخرى صادرة عن السفارة الأميركية لدى القاهرة إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، وكانت أول برقية أرسلها دبلوماسيون مقيمون في القاهرة بتاريخ الـ29 من أبريل (نيسان) عام 1944 تشير إلى ما سمته “الجماعة الإسلامية المتعصبة: الإخوان المسلمون”.

المثير في رواية عدراوي إشارته إلى أنه وقبل هذه البرقية بأيام قليلة وجه “الإخوان” رسالة باللغة العربية إلى السفير الأميركي لدى مصر، طالبين ليس فقط توضيح الموقف الأميركي في شأن القضية الفلسطينية ودعم العرب، ولكن أيضاً الضغط من واشنطن هلى حلفائها البريطانيين والفرنسيين الذين اتهمتهم الجماعة بقمع واستعمار السكان المسلمين . وعطفاً على ذلك، ففي مذكرة الـ29 من أبريل، حذر دبلوماسيون أميركيون من الحركة التي أرجعوا تأسيسها بالخطأ إلى عام 1938 (في الواقع أسست جماعة الإخوان قبل 10 أعوام)، مما يدل على مدى ضآلة معرفتهم بالجماعة، وزعموا أن تنظيم “الإخوان” هذا يستحق الحذر بسبب “إلزام أعضائه مبادئ متعصبة”، وترويجه “الشريعة القرآنية” والاعتقاد بأن أي شيء غير مسلم يجب كرهه. غير أن مياهاً كثيرة ستجري لاحقاً بين الأميركيين و”الإخوان”، بخاصة بعد ثورة يوليو (تموز) عام 1952، التي قادها الضباط الأحرار، وبحسب كثير من الروايات، كانت نسبة معتبرة منهم، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر نفسه، كانوا أعضاء في جماعة “الإخوان”، وقد حمل ناصر الاسم الحركي “زغلول”، وفي الوقت عينه كان تمدد الاتحاد السوفياتي يفزع الولايات المتحدة، وبدا واضحاً أن هناك حاجة إلى “الإخوان” للعب دور ما في بدايات الحرب الباردة، ماذا عن ذلك؟

اتهم حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت “الإخوان المسلمين” بـ”الانتظام في الإرهاب ومحاولة زعزعة استقرار البلدان” (رويترو)

“الإخوان” والأميركان… لعبة الشيطان

في كتابه الشيق والشائك “لعبة الشيطان… كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية”، يميط الكاتب الأميركي روبرت دريفوس اللثام عن أبعاد العلاقات الأميركية – الإخوانية في بدايات النصف الثاني من القرن الـ20، في ذلك الوقت كان الهدف الرئيس للغرب الأميركي والأوروبي مواجهة الصعود السريع للشيوعية، وقطع الطريق على تنامي نفوذها. في هذا السياق ولدت فكرة “لاهوت الاحتواء” للأخوين دالاس، ستيفن وآلان، أحدهما كان وزيراً للخارجية الأميركية، والآخر مديراً للاستخبارات المركزية الأميركية. والفكرة باختصار، تبدت في استغلال الرفض الإيماني والوجداني عند مسلمي الجمهوريات السوفياتية ضد البلاشفة، غير أنه كانت هناك شكوك دائمة حول هؤلاء وأنه لا يمكن إغراؤهم أو تشجيعهم على الثورة ضد حكم موسكو، وكانت الدبلوماسية الأميركية تعمل بسرعة شديدة بهدف إيجاد طرق لقطع الطريق على السوفيات حول العالم بصورة عامة، وفي منطقة الخليج العربي خصوصاً، حيث كان النفط في بدايات تدفقه على الغرب من أرض العرب. وبحسب وثائق الخارجية الأميركية المفرج عنها نجد مذكرة مؤرخة في الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1952، رفعها مستشار السفارة الأميركية لدى القاهرة روبرت ماكلينوك، وفيها سرد لمحادثاته مع بعض كبار قادة “الإخوان” مثل حسن الهضيبي، القاضي الذي خلف حسن البنا، مؤسس الحركة، كمرشد عام، ومحمود مخلوف، وسعيد رمضان، صهر البنا، وآخرين، والمذكرة توضح تنامي العلاقة بين الجانبين، ويروي ماكلينوك رؤيته للجماعة التي دعمت إطاحة الملك فاروق والنظام الملكي، ومقدار كراهيتهم للشيوعية في مصر، من هنا يمكن القطع بأن واشنطن أرست علاقة وظيفية براغماتية مع “الإخوان” كان منطلقها مقدرة هؤلاء على حشد أتباعها لمساعدة الولايات المتحدة في مأزقها الخاص بالشيوعية.

كان التفكير عند الفوهرر (أدولف هتلر) وجيشه تشكيل فيلق من مسلمي الشرق الأوسط لقتال دول المحور (رويترز)

وبالوصول إلى أواخر صيف عام 1953 قام البيت الأبيض بدور خشبة المسرح للقاء الذي جرى، من دون ملاحظة تذكر، بين الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور وشاب مثير للمتاعب ذي ملامح شرق أوسطية. في الصورة التذكارية ذات اللونين الأبيض والأسود التي التقطت بهذه المناسبة، يبدو أيزنهاور في صورة الجد الأصلع وكان يبلغ من العمر آنذاك 63 سنة، على يساره شاب لا يتجاوز الـ27، ولم يكن الأخير سوى سعيد رمضان، صهر البنا، الذي سيستوطن سويسرا لاحقاً هرباً من عبدالناصر، لكن بعدما أرسى دعائم علاقات قوية بين الأميركيين و”الإخوان المسلمين”.

وستمضي الأحداث تباعاً طوال الستينيات والسبعينيات، وفي نهاية الحقبة الأخيرة ستطفو على السطح الحقبة الذهبية لتعاون واشنطن مع الحركات “الجهادية”، وكلها بإجماع المفكرين ولدت من رحم “الإخوان”، بهدف مواجهة قوات الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ومن هناك ستولد “القاعدة”، ثم “داعش”، وبقية حبات مسبحة العنف المعروفة.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خيل لكثر أن الولايات المتحدة فقدت علاقتها مع “الإخوان المسلمين” لا سيما بعد نهاية دورهم الوظيفي، لكن مع بدايات عام 2011، وحلول زمن ما عرف بـ”الربيع العربي” سيتبين للجميع أن العلاقة قائمة وقادمة.

بعد ثورة يوليو عام 1952 التي قادها الضباط الأحرار، وبحسب كثير من الروايات، كانت نسبة منهم، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، كانوا أعضاء في جماعة “الإخوان” (ويكيميديا)

عن أوباما و”الإخوان”… بئر الأسرار

ماذا حدث في مصر في خلال يناير (كانون الثاني) عام 2011؟

الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة يحتاج إلى مؤلفات قائمة بذاتها، وليس فقرة في قراءة، غير أنه باختصار، يمكن القطع بأن الأيام العصيبة التي عاشتها مصر في تلك الأوقات، لم تخل من دور أميركي فاعل ومؤثر، فتح الباب واسعاً للجماعة للوصول إلى سدة الحكم في عهد الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما.

كان من الواضح أن أوباما الذي التقت إدارته سراً وعلانية بكثير من النافذين في جماعة “الإخوان المسلمين”، وفي مقدمتهم عصام الحداد، المستشار السياسي لمحمد مرسي، رجل “الإخوان” الصاعد عبر انتخابات حسمت نتيجتها بتدخل من السفيرة الأميركية آن باترسون، قد تبنت سياسات تفضل جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، فيما أدت وزيرة الخارجية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون دوراً واضحاً ومتقدماً في تصعيد الجماعة إلى سدة الحكم، وليس سراً القول إنها مارست أنواعاً من الضغوط على المؤسسة العسكرية المصرية، عبر التهديد بقطع المساعدات العسكرية، لعله من المثير للاهتمام أن إدارة أوباما استخدمت مصطلح “الإسلاميين المعتدلين” لوصف جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر.

كان أوباما أيضاً الرجل الذي أتاح للنظام الإيراني فرصة ذهبية عبر الاتفاق النووي الشهير، مما استفاد منه النظام الحاكم هناك بصورة واضحة، كذلك فإن إدارة ترمب عينها، هي من وصفت الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه “إصلاحي معتدل”، على رغم تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في إيران خلال عهد روحاني.

هل كانت إدارة باراك أوباما وراء اتفاقات سرية مع جماعة “الإخوان المسلمين” ولم يكشف عنها حتى الساعة خوفاً من الإضرار بالأمن القومي الأميركي؟

غالب الظن أن هناك كثيراً يمكن أن يقال عن هذه الحقبة الزمنية، لا سيما أن هناك من أعضاء الكونغرس مثل السيناتور باري هيكلي، كان قد صرح بأن سيد البيت الأبيض وقتها، قد قدم بالفعل أموالاً سخية وطائلة لجماعة “الإخوان” في مصر.

لعله من المثير للاهتمام أن إدارة أوباما استخدمت مصطلح “الإسلاميين المعتدلين” لوصف جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر (رويترز)

من مصر وإيران لا توفر الرؤى التحليلية لعلاقة أوباما بـ”الإخوان” ما جرى في ليبيا، وهناك جرت واحدة من أبشع العمليات ضد الدبلوماسية الأميركية، حيث قتل السفير الأميركي هناك كريستوفر ستيفنز على يد الجماعات الأصولية المولودة من الرحم “الإخوانية” عينها.

ويمتد المشهد إلى كثير من بقاع وأصقاع الشرق الأوسط، ونقاط بعينها في آسيا، حيث مدت تلك الإدارة الديمقراطية أطرافها الأخطبوطية، في رهان منها، ظاهرياً، في الأقل مفاده بأنه يمكن تغيير الأنظمة القائمة وقتها، التي اتهمتها بأنها تسلطية استبدادية، بمقدرات الإسلام السياسي، وربما في محاولة لمحاكاة التجربة التركية بنوع خاص، غير أن مقادير وتبعات تدخلات أوباما وعلاقته بـ”الإخوان” اختلفت من دولة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال في دولة مثل مصر سقط “الإخوان” ونجت مصر من الفخ الأميركي – الإخواني، فيما دول أخرى مثلت بطوناً رخوة تفتتت وتفككت ولا رجعة لوحدتها، وليبيا وسوريا مثالان على ذلك .

والثابت أنه على رغم نهاية ولاية أوباما الثانية عام 2016، ومحاولات ترمب الجدية لتفكيك ارتباطات أميركا بـ”الإخوان” في ولايته الأولى بين عامي 2016 – 2020، فإن تصريحات السيناتور تيد كروز، تقطع بأنه لا يزال هناك حضور قوي وفاعل لبيروقراطيين داعمين لـ”الإخوان المسلمين” في الداخل الأميركي، فهل نجح “الإخوان” هناك في تعميق حضورهم عبر ميكانيزمات الديمقراطية الأميركية وتأسيس مشروع خفي عن الأعين، حان الآن وقت الحديث عنه، وقد يكون هذا ما دعا حاكم تكساس ومن بعده ترمب إلى إصدار أوامر تنفيذية حول كينونة “الإخوان” الإرهابية؟

الإخوان وأميركا… خطة الـ100 عام

في توقيت مواكب لقرارات الرئيس ترمب في شأن بعض فروع تنظيم “الإخوان”، كانت العاصمة الأميركية واشنطن تشهد صدور تقرير مثير إلى حد خطر بعنوان “الدخول الاستراتيجي لجماعة الإخوان المسلمين في المجتمع الغربي: تحليل منهجي “، التقرير صدر عما يعرف بـ”معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات” ISGAP في واشنطن خلال فعالية سياسية رفيعة المستوى، شارك فيها أعضاء من الكونغرس وكبار الدبلوماسيين ومتخصصون في السياسة وباحثون بارزون.

ما الذي يمثله هذا التقرير؟

مؤكد يعتبر، من وجهة نظر صانعيه في الأقل، أول تقييم استراتيجي شامل من نوعه لما يسمى خطة “الإخوان المسلمين” الممتدة 100 عام في منتصفها، حيث يرسم خريطة لتغلغلها الأيديولوجي والمؤسسي والمالي في أميركا الشمالية، يقدم التحليل الذي يتألف من 200 صفحة سرداً مفصلاً لكيفية انغماس جماعة “الإخوان المسلمين” في المؤسسات الغربية على مدى خمسة عقود، مع الحفاظ على معارضتها الأيديولوجية للديمقراطية والتعددية، وبالاستناد إلى وثائق داخلية موثقة، وخرائط شبكات مؤكدة، ودراسات حال موسعة، يكشف البحث عن مشروع منسق متعدد الأجيال، مصمم للتأثير في السياسات والتعليم والمجتمع المدني من الداخل، في حفل الافتتاح تحدث البروفيسور تشارلز آشر سمول، المدير المؤسس لـISGAP والمؤلف المشارك للتقرير بالقول “لقد مرت 50 عاماً منذ أن بدأت جماعة الإخوان المسلمين تنفيذ خطة الـ100 عام لترسيخ وجودها في المؤسسات الرئيسة في الولايات المتحدة والمجتمعات الغربية الأخرى لتقويض ديمقراطيتنا وتدميرها”، وأضاف “هذه ليست مجرد حركة سياسية، بل مشروع أيديولوجي عابر للحدود الوطنية يتكيف مع الأنظمة الغربية ويعمل على تقويضها في الوقت نفسه، لقد تعلمت جماعة الإخوان المسلمين استخدام حريات الديمقراطية ذاتها كأدوات لتقويضها في الوقت نفسه من الداخل، مستغلة تسامح المجتمعات الليبرالية وانفتاحها كنقاط ضعف استراتيجية”.

وأشار التقرير إلى ما يسمى “خطة التسلل الإخوانية”، إذ بدأت الجماعة نشاطها في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي مع وصول المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وسعى هؤلاء الأفراد إلى الحصول على تعليم جامعي (معظمهم تخرج في أبرز المدارس الحكومية في إلينوي وإنديانا وميشيغان)، ومن ثم توافرت لهم فرص وظيفية أفضل. وكان عدد من هؤلاء المسلمين أعضاء في جماعة “الإخوان المسلمين” الفارين من الاضطهاد والقمع في أوطانهم، ابتداء من خمسينيات القرن الماضي حين أخذ بعض حكومات الشرق الأوسط في قمع الجماعة، بخاصة في مصر.

في الداخل الأميركي سرعان ما أدرك “الإخوانيون” أن الحريات الاجتماعية والسياسية الأميركية ستمكنهم من نشر أيديولوجيتهم الإسلامية بسهولة، ومع ذلك فقد حرصوا على المرور بما يعرف في أدبيات الجماعة بمرحلة التمكين، حين عملوا في هدوء وتحت لافتات التجمعات والمراكز الثقافية، وأشار التقرير إلى أن أعضاء جماعة “الإخوان” في الداخل الأميركي، وخلال إنشاء مؤسساتهم على مدى العقود الأربعة الماضية ظلوا متكتمين يعملون من خلال المنظمات ذات الطابع الثقافي لممارسة نفوذهم، وعند استجوابهم أنكر معظم هذه المنظمات في البداية أي صلات بـ”الإخوان”.

توجه إحدى مذكرات الجمعية الإسلامية الأميركية MAS غير المؤرخة قادة الجماعة صراحة بالرد بالنفي إذا سئلوا عما إذا كانوا جزءاً من “الإخوان”، وعندما فشل هذا الخداع وكشف عن صلات بالجماعة، قلل أعضاء “الإخوان” في أميركا من شأن هذه الروابط باعتبارها مجرد ارتباط بالماضي، وفي الوقت نفسه باتوا يتبنون دور الضحية، متهمين من يتهمونهم بـ”المكارثية” و”كراهية الإسلام”، وقد أدى هذا الترهيب، الذي وصل إلى حد دعاوى التشهير، إلى إسكات كثير من الصحافيين والباحثين وغيرهم من المسلمين، على أنه قد يقول قائل إن هذا التقرير مؤدلج وموجه بصورة تخدم جماعات عرقية بعينها في الداخل الأميركي، غير أن هناك في واقع الأمر وقائع وشهوداً آخرين على الحضور “الإخواني” في الداخل الأميركي، وشهادات من شخصيات عملياتية على الأرض، عرفت تطلعات الجماعة وأعطت رأيها بصورة واضحة.

العميل بيرنز… “حماس” و”الإخوان المسلمين”

من بين الأصوات التي ارتفعت أخيراً منذرة ومحذرة من أخطار الجماعات “الإخوانية”، في المجتمع الأميركي، يأتي صوت العميلة المتقاعدة في مكتب التحقيقات الفيدرالي لارا بيرنز، التي أماطت اللثام عن لعبة تنظيم “حماس” في الداخل الأميركي، بوصف هذه الجماعة الابنة الشرعية لـ”الإخوان” في غزة بنوع خاص. وتصف بيرنز كيف حولت “حماس” استراتيجيتها في الولايات المتحدة من جمع التبرعات إلى الدعاية مع التركيز على الحرم الجامعي والتأثير الإعلامي، وترى بيرنز أن شبكة “حماس” الإرهابية أمضت في الولايات المتحدة قرابة أربعة عقود في محاولة دؤوبة لاختراق وسائل الإعلام والجامعات الأميركية. وبين عامي 1993 و2004 أجرت بيرنز مقابلات مع أكثر من 800 شخص منتمين لجماعة “الإخوان المسلمين” و”حماس”، ومن خلال هذه التحقيقات كونت فهماً عميقاً للشبكة التي كانت “حماس” تنشئها داخل الولايات المتحدة، كذلك أدت دوراً محورياً في إغلاق “مؤسسة الأرض المقدسة” وتصنيفها منظمة إرهابية محلية.

في الأسبوع الأول من يوليو الماضي قالت بيرنز لمجموعة من الصحافيين “أعتقد أن المجتمع الأميركي والحكومة الأميركية لم يفهما استراتيجية جماعات مثل ‘الإخوان المسلمين’ و’حماس’، وأنهم يخططون لمئات السنين مقدماً، ولا شيء يثنيهم عن السعي لتحقيق هذا الهدف النهائي”، وأضافت “أعتقد أنه نظراً إلى عدم قيامهم بعمليات عسكرية علنية على الأراضي الأميركية، فقد اعتبروا أقل تهديداً من تنظيم ’داعش‘ و’حزب الله‘ وإيران، الذين كانوا نشطين بصورة واضحة على الأراضي الأميركية، لقد تأخروا، لكن بالنسبة إلي، عندما تكون هناك منظمات مثل ’حماس‘ هادئة، تكون أكثر فتكاً”.

هل جرى تأسيس فرع لـ”الإخوان” في أميركا من خلال أعضاء “حماس”؟

بحسب بيرنز، فإن موسى أبو مرزوق، الذي كان يدرس في الولايات المتحدة الأميركية في جامعة “لويزيانا” التقنية، هو نفسه من تم تعيينه من قبل المكتب الدولي لـ”الإخوان” لإنشاء بنية تحتية في الولايات المتحدة من “الإخوان” بهدف دعم تنظيم “حماس” في فلسطين، ووفقاً للعميلة نفسها، أسهم أبو مرزوق في إنشاء ثلاث منظمات كواجهة رئيسة: “الجمعية الإسلامية لفلسطين” التي أصبحت الذراع الدعائية لـ”حماس”، و”صندوق الأرض المحتلة” الذي سمي لاحقاً “مؤسسة الأرض المقدسة”، والذي أصبح الذراع المالية لـ”حماس”، و”الجمعية المتحدة للدراسات والبحوث”، التي كانت بمثابة الذراع السياسية – الأكاديمية، وعملت هذه المجموعات تحت إشراف لجنة فلسطين التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” الأميركية، ولها مراكز رئيسة في إنديانا، وريتشاردسون، وتكساس، وشيكاغو، وإلينوي، وشمال فيرجينينا. عام 2010 قرر قادة “حماس” المقيمون في الولايات المتحدة التركيز بصورة كبرى على النشاط الطلابي مما أدى إلى إنشاء “الطلاب الوطنيين من أجل العدالة في فلسطين” NSJP.

وقالت بيرنز “كان هذا حدثاً مهماً، لأنه كان بمثابة البداية الحقيقية لمناوراتهم العدوانية في الجامعات الأميركية “، ووفقاً لها أيضاً، بدأت رسائل الحركة تتبلور، وكانت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تكتسب زخماً، وتبنى نشطاء “حماس” شعاراتها: اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية، ووصفها بأنها دولة فصل عنصري، وتأطير الصراع على أنه “ظلم ضد مظلوم”، ولاقت هذه الشعارات صدى لدى فئات من المجتمع الأميركي لا تؤيد عموماً المنظمات الإرهابية.

هل كانت هذه مجرد تطبيقات لخطة الـ100 عام التي تحدث عنها التقرير السابق؟

لكن إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تصنف إدارة الرئيس ترمب جماعة “الإخوان” برمتها كمنظمة إرهابية في عموم أميركا وخارجها؟ وهل عدم قيامها بذلك يعني ضمن أمور أخرى أن عملية تصنيف أفرع مصر والأردن ولبنان، هو عمل وظيفي لأغراض معينة؟ ومن غير قطع الحبل السري لتعاطي الولايات المتحدة مع أم جماعات الإسلام السياسي حول العالم؟

ترمب وعلامة فارقة على الطريق

لا يبدو الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة يسيراً، ذلك أن أمر ترمب التنفيذي يوجه وزارتي الخارجية والخزانة لبدء عملية النظر في تصنيف “بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية أجنبية وإرهابيين عالميين محددين بصورة خاصة، ومع ذلك فإنه يشكل الخطوة الأولى التي تلزم المؤسسات الأميركية ذات الصلة فحص التصنيف واتخاذ إجراءات ملموسة خلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز 75 يوماً.

في كل الأحوال يشكل هذا القرار علامة فارقة في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وبنوع متقدم جماعة “الإخوان المسلمين”، كذلك يثير أسئلة ملحة حول مسار الحركة وأزمتها الداخلية في لحظة تقف فيها عند مفترق طرق مما قد يسهم في تشكيل مستقبلها وإعادة تحديد وجودها وأدوارها بطريقة أو بأخرى، وفي كل الأحوال فإن الأمر يستخدم مسارين قانونيين متميزين:

المسار الأول: قانون الهجرة والجنسية، ويسمح هذا المسار بتصنيف أي كيان كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو التصنيف الأشد صرامة بموجب القانون الأميركي، ويمكن الحكومة من مقاضاة طرف يقدم دعماً مادياً للكيان المصنف.

المسار الثاني: قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، ويستخدم هذا المسار لتصنيف الأفراد والكيانات كإرهابين عالميين مصنفين بشكل خاص.

أما الجديد في هذا القرار فهو صياغته بدقة لتجنب أي ثغرات قانونية، فجماعة “الإخوان المسلمين” لا تعمل كمنظمة مركزية كما يقتضي القانون الأميركي للتصنيف، بل هي هيكل شبكي متجذر. وبناء على ذلك، اختارت إدارة ترمب استهداف فروع وشبكات تابعة محددة بدلاً من استهداف الجماعة ككل، وهو خيار يمنح القرار تأثيراً كبيراً من دون أخطار قانونية أو كلف سياسية، مما يجعل تنفيذه شبه مؤكد عملياً.

هل سيفترق “الإخوان” عن الأميركيين؟ أم في الأمر مناورة سياسية أو عملياتية ما؟ هذا ما ستكشفه الأحداث خلال شهرين من الزمان بعدما تقول وزارتا الخزانة والخارجية رأيهما في قرار ترمب.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا