قال مصدر محلي مطّلع على أوضاع الخدمات في ولاية غرب كردفان إن كل شيء في بابنوسة يتراجع بسرعة أكبر مما تستطيع المدينة احتماله.
وتعيش ولاية غرب كردفان فترة هي الأكثر قسوة منذ بداية المواجهات الأخيرة، مع اتساع رقعة العنف وعزل عدد من المدن عن الطرق الحيوية، فيما أصبحت مدينة بابنوسة تحديدًا مركز الانهيار الإنساني بعد أن تحولت خلال أيام قليلة إلى منطقة تحت سيطرة الدعم السريع.
وكانت بابنوسة خضعت لعامين من الحصار والمواجهات العسكرية بين الجيش و«الدعم السريع»، ما اضطر سكانها إلى النزوح وإفراغ مركزها، فيما عانت الأحياء والأطراف المحيطة بها من سقوط المدينة في يد الدعم السريع وما تلاه من انهيار إنساني.
وقال سكان من داخل بابنوسة إن الغذاء يقترب من النفاد، وأكد أحد الأهالي من حي المقاطع أن مخزون الأسر من الدقيق والزيت «نفد بالكامل تقريبًا»، مضيفًا: «نحن الآن نقسّم وجبة واحدة على اليوم كله. الأطفال أصبحوا يبكون من الجوع ليلًا»، فيما أكدت سيدة من حي الصحافة أنها لم تعد تجد أي مكان يبيع الخبز منذ ثلاثة أيام، مشيرة إلى أن بعض العائلات بدأت تعتمد على تبادل ما تبقى لديها من مؤن «نحن نعيش على المشاركة، لو لم نفعل ذلك سيجوع الكثير من الناس».
وقال مصدر طبي إن الوضع تدهور بشكل حاد بعد توقف المستشفى الرئيسي عن استقبال الحالات الحرجة، وأشار المصدر الذي يعمل حاليًا في عيادة ميدانية، إلى أن المستشفى أصبح خارج الخدمة تمامًا بعد نفاد الوقود وانسحاب جزء من الكادر الطبي.
وأضاف المصدر: «نستقبل إصابات خطيرة ونعتذر للناس. نعمل بأدوات قليلة جدًا، والإسعافات نقوم بها بطريقة غير آمنة. أي جرح اليوم ممكن يتحول لمشكلة أكبر بسبب عدم التعقيم»، فيما قال مصدر آخر يشارك في نقل المصابين على الدراجات النارية إن كثيرًا من الحالات يمكن إنقاذها إذا كان هناك مستشفى يعمل.
وقال أحد سكان الحي الجنوبي لـ«مدى مصر» إن القلق الأكبر يدور حول عشرات الأطفال والنساء الذين انقطع الاتصال بهم منذ اشتداد المواجهات حول الأحياء الشرقية، مضيفًا «توجد مناطق لم يستطع أحد الدخول إليها. لا ندري عن السكان هناك أي شيء.. تعمل الشبكة حوالي عشر دقائق في اليوم نحاول أن نرسل رسائل سريعة، لكن لا رد يأتينا». فيما قال مواطن آخر إن بعض الأسر فقدت التواصل مع أقاربها منذ أكثر من أربع وعشرين ساعة، مضيفًا: «الخوف ليس من القتال وحده، نخاف من الجوع والعطش داخل البيوت».
وأصبحت المناطق المحيطة بالمدينة، مثل الفولة والمجلد وأبو زبد، مراكز نزوح داخلي غير منظّم. مصدر من الفولة قال إن عدد الوافدين أكبر من أي قدرة على الاستيعاب، مشيرًا إلى أن المدارس امتلأت بالكامل، وأن بعض النازحين بدأوا يفترشون الساحات العامة، لافتًا إلى أن السكان يحاولون تقديم المساعدة، لكن أعداد النازحين أكبر من طاقة أي جهة، بينما قال أحد المتطوعين في المجلد «نقسّم المساعدات لحد ما صارت الحصة أقل من وجبة».
في الأثناء ارتفعت أسعار السلع الأساسية في لقاوة والدبب إلى مستويات غير مسبوقة، إذ قفز سعر الوقود خلال أسبوع واحد إلى أكثر من ضعفين، ما أدى إلى تعطل آبار المياه وانقطاع النقل الداخلي. وقال مزارع من أطراف لقاوة لـ«مدى مصر» إن الخروج إلى الحقول أصبح مخاطرة كبيرة، ما يهدد الموسم الزراعي الشتوي ويزيد من احتمالات الجوع خلال الأشهر القادمة.
يأتي ذلك وسط انعدام الأمن في الطرقات بين القرى، ولمرور المساعدات يتطلب الأمر اتفاقات محلية مؤقتة أو عبر مسارات التفافية تستغرق ساعات طويلة. مصدر إداري محلي قال لـ«مدى مصر» إن ولاية غرب كردفان الآن بلا إدارة فعلية، مشيرًا إلى أن البلاغات التي تُرفع يوميًا لا تجد أي استجابة على الأرض «الناس تُركت تعتمد على نفسها. لا توجد جهة قادرة على التدخل».
مدى مصر
المصدر:
الراكوبة