حملت الزيارة الثالثة لقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر إلى القاهرة هذا العام، ولقاؤه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إشارات واضحة، للمرة الأولى، إلى بلورة تنسيق مصري–ليبي في شأن التعاطي مع الصراع المحتدم في السودان وتطوراته.
وكان حفتر قد التقى، الإثنين، رفقة نجليه: نائبه صدام، ورئيس أركانه خالد، الرئيس السيسي، بحضور رئيس جهاز الاستخبارات اللواء حسن رشاد، حيث تطرّقت المحادثات إلى تطورات الوضع الليبي والعلاقات المصرية–الليبية، كما “تمت مناقشة تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، حيث توافق الجانبان على أهمية استمرار التعاون المشترك بما يحقق مصلحة البلدين من دون إحداث أي أضرار، وفقاً لقواعد القانون الدولي”، بحسب البيان الرئاسي المصري.
وما يسترعي الانتباه أن البيان خصّ الوضع في السودان وتطوراته، مؤكداً “التوافق على أهمية تكثيف الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى تسوية سلمية تحفظ استقرار السودان وسيادته ووحدة أراضيه”، في إشارة إلى دعم المبادرة الرباعية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة.
كذلك، جرى التأكيد على أن “استقرار السودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي لكلّ من مصر وليبيا”.
وتُشدّد المساعدة السابقة لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السفيرة منى عمر على “أهمية التنسيق بين الدول العربية والأفريقية بشأن الملف السوداني وتطوراته”، لكنها تخصّ مصر وليبيا باعتبارهما “من دول الجوار للسودان، وأمنه يمثل أمناً قومياً للبلدين”.
وترى عمر، في حديث مع “النهار”، أن التوافق بين القاهرة والجيش الوطني الليبي، من الناحية السياسية “من شأنه المساعدة في تهدئة الصراع السوداني، ولجم التدخلات الخارجية”، مشيرة إلى أن هذا التنسيق “يضمن تشكيل جبهة قوية مساندة للشرعية في السودان”.
أما على الصعيد الأمني، فإن التعاون “يشمل أيضاً أمن الحدود، إذ إن منطقة المثلث الحدودي الصحراوي (بين مصر وليبيا والسودان) تُعدّ معضلة للبلدين بسبب إمكان حصول خروقات من قبل عصابات تهريب المخدرات والبشر، ما يؤثر على أمن مصر وليبيا”، وفق عمر.
وتؤكد الديبلوماسية المصرية أيضاً “أهمية التنسيق والتعاون بين مصر وليبيا بشأن ملفات إقليمية عدة، على رأسها حشد موقف عربي وأفريقي ضد التصعيد الإثيوبي في ملف المياه، والتطورات في الصومال”.
بالمثل، يؤكد المحلل السياسي الليبي المختص في الشؤون الأفريقية، عمر أبو سعيدة، لـ”النهار”، أن زيارة حفتر إلى القاهرة “تأتي في توقيت حساس إقليمياً، خصوصاً مع التطورات المستمرة في السودان وما تفرضه من تحديات أمنية على دول الجوار، وعلى رأسها ليبيا ومصر”، مشيراً إلى أن التصعيد في السودان “لم يعد شأناً داخلياً فحسب، بل تحوّل إلى ملف يمسّ الأمن القومي للبلدين، سواء من حيث حركة النزوح عبر الحدود، أو تهديد شبكات التهريب، أو تداعيات الانفلات الأمني على دول الساحل والصحراء”.
ويوضح أبو سعيدة بأن اللقاء “أكد أن التسوية في السودان لا يمكن أن تتحقق إلا عبر وقف التصعيد العسكري، وعودة الحوار بين الأطراف المختلفة، ودعم المبادرات الإقليمية التي تعمل على منع تفكك الدولة السودانية، وهي نقطة تلتقي فيها مواقف كلٍّ من ليبيا ومصر،نظراً إلى تأثير السودان المباشر على استقرار الإقليم ككل”.
ويشير أيضاً إلى أنه “جرى – وفق المعطيات المتاحة – التركيز على القضايا الإقليمية المشتركة، وفي مقدَّمها ملف الحدود الليبية–السودانية، وآليات الحد من تدفق السلاح والعناصر الخارجة على القانون، إضافة إلى مناقشة فرص دعم مسار التسوية داخل السودان بما يضمن استعادة الاستقرار”، مضيفاً: “كما تناولت المباحثات دور مصر في دعم استقرار ليبيا، باعتبارها دولة جارة، لها مصالح مباشرة في استتباب الأمن داخل الأراضي الليبية، سواء من خلال تعزيز التنسيق الأمني أو الدفع نحو مسار سياسي متوازن يفضي إلى مؤسسات موحّدة قادرة على إدارة المرحلة المقبلة”.
ويختتم أبو سعيدة بالقول: “في المجمل، تعكس الزيارة إدراكاً مشتركاً بأن الأزمات في المنطقة مترابطة، وأن التعاون بين ليبيا ومصر ضرورة للحفاظ على استقرار الحدود والأمن القومي، ولمواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة”.
المصدر:
الراكوبة