ندى رمضان
شكا أصحاب مواشي في محلية أبو حمد بولاية نهر النيل من حالات إجهاض متكررة ومتزايدة وسط حيواناتهم بأعداد غير مسبوقة، وذلك في خضم نشاط مناهض لعمليات التعدين العشوائي والمواد السامة المستخدمة معه، وقد أدى ذلك الى صدام بين المناهضين والسلطات، وتم القاء القبض على رافضين ومناهضين لعمليات التعدين العشوائي وانشاء سوق للذهب بالمنطقة (سوق الكرامة) بمدينة وادي حلفا بالولاية الشمالية الاسبوع الماضي، قبل أن يتم اطلاق سراحهم، وجاء الاعتقال بعد اعلانهم الاعتصام امام مباني المحلية احتجاجا على القرار.
وأبدى كثير من مربي المواشي خشيته من أن يكون لظاهرة إجهاض المواشي ارتباط بنشاط التعدين عن الذهب الذي ينتشر بسرعة كبيرة في المنطقة.
حيث لاحظ الأهالي ارتفاع عمليات الاجهاض عقب موسم الأمطار ونزول مياه السيول، ويُعتقد على نطاق واسع أن مخلفات التعدين هي السبب الرئيسي في ظاهرة الإجهاض. وحسب متابعاتهم ڤأن مادتا السيانيد السامة والزئبق في عمليات استخلاص الذهب تعم أجزاء واسعة في المنطقة. وناشد مواطنو ابو حمد الجهات الحكومية المختصة بضرورة وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة قبل أن تفقد المنطقة قطعان الماشية وربما يمتد تأثيرها على حياة السكان في مناطق أبوحمد.
وكشفت دراسة اجرتها جامعة النيلين والجمعية السودانية لحماية البيئة والمجلس الأعلى للبيئة اطلعت عليها (مداميك) عن وجود مادة الزئبق باجسام الأطفال شمال عطبرة، وطبقا لتحاليل مخبرية اكدت وجود مستويات عالية من محتوى الزئبق في تربة مزارع القرى الواقعة شمال عطبرة وجنوب بربر، وقالت إن بعضها تحوّل إلى مكبات الكرتة.
ونبهت الدراسة الى أن (20%) من عينات مياه الشرب تحتوي على عنصر الزئبق، وأن (2) من أصل (7) عينات من “بول” المواطنين و(1) من (14) عينة من الدم احتوت على نسب عالية الزئبق، ومعظم العينات أُخذت من أطفال تتراوح أعمارهم بين (4) إلى (11) عامًا.
وأشارت الدراسة إلى تكرار حالات الإجهاض ونفوق الطيور والماشية التي شربت من المياه الملوثة، موضحة أن مكبات الكرتة تقدر بـ(700 )مكب وهي تحوي على( 450) ألف طن من التراب الملوث الذي تقدر كمية مادة الزئبق فيه بـ(2) طن.
ومن جانبه قال الناشط والمهندس الجيولوجي النذير حامد الشريف في حديث لـ(مداميك) انه من الملاحظ وبصورة كبيرة لكل المارة عبر الطريق السريع عطبرة ابو حمد غياب الرقابة وضوابط الأمن والسلامة، وانتشار التعدين العشوائي ليس فقط في مناطق المعدنين بعيدا عن الأماكن السكنية ولو قليلا بل الأمر تطور بصورة مخيفة ليصل داخل البيوت.
ونبه الى انه في المناطق شمال عطبرة وريفي بربر (دارمالي، السلمة، السعدابية، القوارير، عنيسيب، الشقلة والمخيرف) وصولا الي ابوحمد وعلى واجهات الطرق الرئيسية انتشار أحواض او خلاطات للكرتة (غسالات) ويتم إعادة استخلاص الذهب مرة أخرى من الكرتة التي تحتوي على الزئبق وطرح كل المخلفات السامة من جديد على قارعة الطرقات وعلى مصارف المياه الرئيسية، بل تعداه الامر الى ممارسة هكذا نشاط داخل المزارع أيضا، مشيرا الى انه في تعدي واضح وغياب تام للجانب الرقابي الممثل في الشركة السودانية للموارد المعدنية بالرغم من ان هذه المناطق مناطق زراعية على طول امتداد شريط النيل، وايضا وجود العديد من المشاريع الزراعية ووجود النيل كمصدر ومصب نهائي للمجاري والخيران في هذه المناطق.
وحذر من وجود تلوث يفتك بالإنسان والحيوان نظرا لاستخدام مادة الزئبق في الفصل واضاف معروف ان الزئبق ذو أثر باقي ولايتفكك طبيعيا وينتقل عبر السلسلة الغذائية. واكد ان التساهل من قبل أجهزة الدولة فيما يختص بسلامة المواطن في ظل التمدد والتطور والتوسع في التعدين العشوائي حتى يصل إلى داخل البيوت والانتشار المخيف والتحدي الواضح قد يوقع البلاد في كارثة بئية تفتك بالكل مع مرور الزمن، وعندها تكون المصيبة اكبر والعلاج أصعب.
وناشد الشريف أجهزة الدولة المسؤوله من الجانب الرقابي والجانب البيئي الممثلة في الشركة السودانية للموارد المعدنية بالتدخل وايقاف العبث لان السرطان مازال يتمدد.
وطبقا لخبراء اقتصاديين فإن قطاع التعدين شهد تحولًا في أولويات أطراف الصراع، بعد اندلاع الحرب حيث اتجه الجيش وقوات الدعم السريع نحو السيطرة المنهجية على مناجم الذهب ومنافذ تصديره، في إطار استراتيجية واضحة لضمان استمرار العمليات العسكرية من خلال تأمين مصادر تمويل مستقرة. وأبرمت قوات الدعم السريع والجيش السوداني اتفاقيات مع شركات تعدين أجنبية، مستغلين غياب الرقابة المؤسسية الرسمية وانهيار مؤسسات الدولة.
وقد ثقت تقارير الأمم المتحدة استمرار عمليات تهريب الذهب، واشارت إلى تأسيس قوات الدعم السريع لشبكات مالية لضمان تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية إلى ساحات القتال.
تعتمد قوات الدعم السريع على نموذج مزدوج للتهريب: الأول مؤسسي عبر شركة الجنيد، والثاني غير منظم من خلال عناصرها العاملين في مسارات التهريب الحدودية مع جنوب السودان عبر إقليم دارفور.
وفي ذات السياق، تستخدم القوات المسلحة المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى شبكة من الشركات الخاصة المملوكة لقيادات المؤسسة العسكرية والدولة، لتصدير كميات كبيرة من الذهب إلى الخارج بشكل رسمي وغير رسمي مثل الشركة السودانية للموارد المعدنية وأفراد وكيانات تجارية أخرى.
ووضحت التقارير آثار هذه الممارسات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. اقتصاديًا، حيث أدى تهريب الذهب خارج القنوات الرسمية إلى حرمان الخزينة العامة من إيرادات حيوية، مفاقمًا الأزمة المالية التي تُعاني منها الدولة. كما شهدت الأسواق العالمية ارتفاعًا ملحوظًا في واردات الذهب لدى عدة دول إقليمية، مما يؤكد حجم التهريب المنظم. وتسببت السيطرة العسكرية على مناطق التعدين في تفاقم معاناة المجتمعات المحلية، مع تزايد حالات الانتهاكات وعمليات التهجير القسري.
أما سياسيًا، فقد أدى استمرار تدفق الموارد المالية إلى إطالة أمد الصراع منحت عائدات الذهب أطراف النزاع استقلالية مالية تُمكنهم من مواصلة العمليات العسكرية بمعزل عن الضغوط الدولية، وبذلك تصبح ازمة التعدين مصدرا لهلاك الانسان السوداني بدلا عن كونه موردا للتنمية والاعمار.
مداميك
المصدر:
الراكوبة