آخر الأخبار

أدلة متزايدة.. تداعيات "الكيماوي" الكارثية في السودان

شارك

أجج التناقض الكبير بين بياني مؤسستين حكوميتين هما المجلس الأعلى للبيئة ووزارة الصحة بشأن وجود تلوث كيميائي بالعاصمة الخرطوم، المخاوف من أن يؤدي “الإنكار” إلى مفاقمة التأثيرات الكارثية على حياة السكان، في ظل انتشار كثيف لعدد من الأمراض الغريبة.

وبعد بيان من المجلس الأعلى للبيئة نشرته وكالة الأنباء الرسمية أكد فيه وجود تلوث كيميائي في مناطق محددة من العاصمة، أصدرت وزارة الصحة بيانا مختلفا نفت فيه أي وجود لتلوث كيميائي.
يأتي هذا في ظل تقارير متواترة تحذر من “عدم صلاحية العاصمة للحياة” نتيجة مزاعم تتعلق بالتلوث الإشعاعي، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والتدهور البيئي.

ومنذ بداية العام 2025، يربط مختصون بين عدد من الظواهر الصحية والبيئية ووجود تلوث كيميائي، خصوصا في الخرطوم ووسط السودان وشمال دارفور.

وفي مايو، قالت الولايات المتحدة الأميركية إنها تستند إلى أدلة حقيقية تؤكد استخدام الجيش أسلحة كيميائية، خلال الحرب الحالية المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.

تناقض حكومي
أكد المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، على لسان الدكتورة منى علي محمد، الأمين العام للمجلس، تعرّض ولاية الخرطوم لتلوث كيميائي، لكنها عزت ذلك إلى ضرب قوات الدعم السريع للمناطق الصناعية، مشددة على ضرورة تضافر الجهود لإيجاد الحلول لهذه المشكلة.

وأوضح المجلس أن “التلوث بالمواد الكيميائية أمر شائع بسبب وجود هذه المواد في كثير من المنتجات بدرجات متفاوتة، وهي قابلة للتسبب في التلوث، ما يتطلب التوعية المكثفة على المستوى القومي والولائي والمحلي، وعلى مستوى الأفراد”.

لكن وزارة الصحة قالت في بيان: “خلصت البيانات الواردة من الجهات الوطنية المختصّة إلى عدم وجود أدلة علمية تدعم هذه الادعاءات بوجود تلوث إشعاعي بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية، حيث أظهرت القياسات والتقارير الرسمية أن الوضع العام لا يشكّل تهديدا على الصحة العامة”.

جدل متصاعد
في خضم الجدل المتصاعد حول التلوث الكيميائي في العاصمة ومناطق أخرى من البلاد، تتزايد المؤشرات على بروز ظواهر جديدة تثير مزيداً من المخاوف.

وبعد أن أثارت قضية تسرب من مخزن يحتوي على مادة الكلور في شرق الخرطوم جدلا كبيرا، قالت مجموعة محلية إن التسرب يعود إلى فترة سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة، وأشارت المجموعة إلى أن جهاز المخابرات ووزارة الصحة أجريا تحقيقاً مشتركا في المنطقة “خلص إلى عدم وجود مخاطر بيئية أو صحية تهدد حياة السكان”. لكن منشورات على “فيسبوك” ومنصات اجتماعية أخرى أشارت إلى إصابة أعداد كبيرة من سكان المنطقة بأمراض مرتبطة بذلك التسرب.

ووفقا للصحفي عماد أونسة، فإن هذه التقارير تشير إلى حقيقة وجود تسرب ضار بحياة الإنسان، مما يؤكد الحاجة لإجراء تحقيق فني من جهات اختصاص دولية. وأضاف: “مع تقديرنا لكل التصريحات المتباينة فإن المسألة ليست مسألة تسرب كلور فقط، بل هناك شكوك حول وجود خردل وغازات أخرى تُعتبر ضمن أدوات الحرب المحرمة دوليا”.

وتشير معلومات أولية إلى وجود تلوث كيميائي في نحو 30 حيا سكنيا وإداريا في المناطق الواقعة بين القصر الجمهوري وجامعة الخرطوم شمالا وحتى الحدود الجنوبية لأحياء الخرطوم شرق، والتي تشمل العمارات والطائف والرياض والمعمورة وأركويت، إضافة إلى عدد من أحياء مدينة أم درمان شمال غرب الخرطوم.

نطاق واسع
في يونيو، نشر سكان محليون في شمال دارفور صورا تظهر جثثا محترقة ومنتفخة وخزانات مياه تغيّر لونها إلى الوردي وقذيفة مكتوب عليها أنها تحتوي على غاز. وربط السكان بين تلك الظواهر والهجمات الجوية المتكررة التي طالت المنطقة، والتي أثارت اتهامات باستخدام متفجرات تحتوي على مواد سامة.

وفي وسط السودان، تزايدت المخاوف مع ظهور أمراض غريبة وسط السكان ونفوق أعداد كبيرة من الفئران والقوارض، في ظل تقارير تحدثت عن استخدام أسلحة كيميائية خلال المعارك التي جرت في منطقة جبل موية قرب سنار نهاية العام الماضي.

وينبّه عزّا عبد الماجد مردس، عضو الجمعية الملكية البريطانية لتعزيز الصحة، إلى أن التفسير العلمي لظاهرة نفوق الفئران مرتبط إما بمواد كيميائية سامة، أو أوبئة أو تغيرات بيئية، معتبراً أن ذلك يشكل إنذارا بيئيا وصحيا يتطلب استجابة عاجلة.

وأشار تقرير رصد نُشر مؤخراً وتضمّن إفادات من سكان في منطقة سنار بوسط السودان إلى أضرار على مختلف المستويات الحياتية والصحية، مما دفع الكثير من السكان إلى ترك المنطقة والخروج منها مع تزايد الوفيات وانتشار الأمراض.

وتقول رحاب مبارك، عضو المكتب التنفيذي لمجموعة “محامو الطوارئ” التي أعدت التقرير، إن ظهور علامات واضحة على استخدام الأسلحة الكيماوية يثير ذعرا واسعا في أوساط المدنيين.

تبعات قانونية
يحظر القانون الدولي بشكل واضح استخدام الأسلحة الكيميائية، وفقا لبروتوكول جنيف لعام 1925، واتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1993، التي تمنع تطويرها وإنتاجها وتخزينها ونقلها وتدميرها.

ويؤكد القانون الدولي على ضرورة مكافحة الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيميائية. ووفقاً لنصوص القانون الدولي يتم فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المتورطة في الهجمات بالأسلحة الكيميائية.

وفي هذا السياق، يقول إسماعيل مضوي، الذي عمل مستشارا قانونيا في الأمم المتحدة، إن استخدام الأسلحة الكيميائية في السودان لن يكون مجرد “تجاوز” عادي، لأنه يفتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة وخطيرة، حيث تتحول الحرب من نزاع داخلي إلى كارثة إنسانية عابرة للحدود.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ستكون له تبعاته وسيفتح الباب للمساءلة الجنائية الدولية المباشرة ضد القادة، مع عقوبات قاسية قد تصل إلى تدخل دولي مسلح”.

وأضاف: “الذي يظن أنه يحسم الحرب بالكيماوي، إنما يضع عنقه في حبل المحكمة الجنائية الدولية ويجعل قضيته قضية أمن عالمي”.

ويشير مضوي إلى أن استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل واسع النطاق أو منهجي ضد المدنيين، يعتبر جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما يندرج تحت طائلة جرائم الإبادة الجماعية في حال استخدامه بنية تدمير جماعة عرقية أو دينية أو قومية كليا أو جزئيا، بحسب تعريف الإبادة الجماعية وفق المادة 6 من نظام روما.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا