دعا طلاب وأساتذة سودانيون السلطات إلى إعادة النظر في قرار استئناف مؤسسات التعليم العالي لأنشطتها واستقبال الطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة في ظل الحرب، مشيرين إلى أن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق ما زالت غير مستقرة، فضلاً عن التحديات اللوجيستية.
وأصدر وزير التعليم العالي السوداني محمد حسن دهب، في فبراير الفائت، قراراً يطالب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بتوفيق أوضاعها توطئة للعودة وممارسة عملها من داخل السودان، موضحاً أن هذا القرار جاء “تماشياً مع الانتصارات المتتالية التي حققها الجيش، الأمر الذي أدى إلى توسيع الرقعة الأمنية في البلاد”، بحسب قوله.
وشدد الوزير على ضرورة تنفيذ القرار، واصفاً عودة الدراسة بجميع الولايات الآمنة بأنها “ملحمة يخوضها منتسبو التعليم العالي”.
وقبل اندلاع الحرب منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كان نحو مليون طالب يدرسون في 155 جامعة وكلية متخصصة، يقع معظمها في العاصمة الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، لكن الصراع المسلح أدى إلى توقف الدراسة في مختلف أنحاء البلاد، واضطرت بعض المؤسسات التعليمية إلى ممارسة نشاطها في الخارج، مثل جامعات الخرطوم والسودان والنيلين التي لجأت إلى مصر، وجامعة العلوم الطبية إلى رواندا والسعودية، كما توجه طلاب إلى تركيا وماليزيا ودول شرق إفريقيا لإتمام دراستهم الجامعية على نفقتهم الخاصة.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على القصر الرئاسي ومقر البنك المركزي ومبنى رئاسة جهاز المخابرات وإدارة المرافق الاستراتيجية وعدد من المقرات الحكومية القريبة وسط العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع التي سيطرت على تلك المؤسسات منذ الأيام الأولى للحرب.
كما أعلن الجيش السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية تمكنه من استعادة أجزاء واسعة وسط البلاد وفك الحصار عن مدينة الأبيض في إقليم كردفان غرب البلاد.
وأسفرت الحرب المستمرة التي اندلعت منذ حوالي عامين عن مصرع عشرات الآلاف وتهجير أكثر من 12 مليون شخص، كما تسببت في أزمة جوع ونزوح هي الأكبر في العالم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وأدى الصراع المسلح في السودان إلى تعرض البنية التحتية لمعظم المؤسسات التعليمية إلى أضرار كبيرة، وخاصة الجامعات الواقعة وسط الخرطوم، والتي تدور فيها وحولها معارك شرسة.
وقال مسؤولون إن مباني جامعة الخرطوم، أعرق الجامعات السودانية والتي تأسست عام 1902، تعرضت إلى دمار شديد سيحتاج لأعوام طويلة ومئات ملايين من الدولارات لإعادة بنائها من جديد.
كما ذكر صلاح الدين محمد العربي مدير جامعة الجزيرة وسط السودان أن “قوات الدعم السريع تسببت في أضرار جسيمة بالبنية التحتية للجامعة، بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 300 مليون دولار، منها 167 مليون دولار خسائر متعلقة بأصول الجامعة، بينما تشمل القيمة المتبقية خسائر ومفقودات العاملين فيها”.
وأعلن العربي عن تدشين وثيقة إعمار جامعة الجزيرة تحت شعار “منتمون.. ملتزمون بإعادة الإعمار”، وذلك بهدف حشد الدعم المحلي والدولي للمساهمة في إعادة إعمار الجامعة.
واستعاد الجيش السوداني ولاية الجزيرة في يناير الماضي بعد ما يزيد عن عام من سيطرة قوات الدعم السريع عليها.
وعلى الرغم من استعادة قوات الجيش جميع ولايات الوسط وأجزاء كبيرة من العاصمة، إلا أن بعض الطلاب يرون أن هناك صعوبة في العودة إلى مقاعدهم الدراسية في الوقت الحالي، بسبب استمرار المعارك وعدم توفر الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغيرها من البنى التحتية.
وناشد الطالب في جامعة الخرطوم مؤمن المكي وزارة التعليم العالي بإرجاء تنفيذ القرار لحين استتباب الأوضاع الأمنية بالكامل.
وأضاف المكي، في حديث لـ”الشرق”، أن “استئناف الدراسة داخل السودان في ظل الأوضاع الحالية يعرض حياة الطلاب للخطر، نظراً لأن بعض الجامعات تقع في مناطق غير آمنة وسط الخرطوم وبالقرب من القصر الرئاسي، أو لم تتم استعادتها حتى الآن، مثل جامعات الخرطوم والسودان للعلوم والتكنولوجيا وأم درمان الإسلامية، والتي تقع في مناطق ساخنة تشهد اشتباكات على مدار الساعة”.
وقال الطالب الذي انتقل إلى مصر لاستكمال دراسته الجامعية “لجأنا إلى مصر، ورتبنا حياتنا للاستقرار فيها حتى تتوقف الحرب، وتعودنا على الوضع الجديد وأصبحنا مستقرين، كما هو حال ملايين العائلات السودانية التي فرت من القتال، واستقر بها المقام في دول الجوار العربي والإفريقي”.
وتُقدّر وزارة التعليم العالي السودانية أن أكثر من 65 ألف طالب لجأوا إلى مصر لاستكمال دراستهم، أغلبهم يدرس على نفقته الخاصة في الجامعات المصرية وبعض المراكز السودانية التي انتقلت إلى هناك.
أما الطالب مازن إدريس، الذي يدرس الطب بجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا في مقرها المؤقت برواندا، فقال لـ”الشرق” إنه احتاج لعدة أشهر حتى يتمكن من التعود على بيئة أكاديمية جديدة ومختلفة يزورها لأول مرة، لافتاً إلى أنه غير مستعد للعودة إلى السودان والمخاطرة بمساره التعليمي.
وتابع إدريس “لن أعود إلى السودان في ظل استمرار القتال، حتى لو اضطررت للبدء من الصفر في مكان آخر”، موضحاً أن سنواته الدراسية تراكمت بسبب التوترات السياسية والأمنية التي شهدها السودان منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير في أواخر عام 2018 وصولاً إلى الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، مروراً بجائحة كورونا.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إفريقيا العالمية مصطفى الجميل أن هناك صعوبة كبيرة في تطبيق قرار وزارة التعليم العالي بعودة الجامعات للعمل في السودان في ظل استمرار المعارك وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، مشيراً إلى أن القرار لم يخضع لدراسات كافية.
وفي حديث لـ”الشرق”، اعتبر الجميل أن وزارة التعليم العالي ربما استندت في قرارها إلى حالات خاصة مثل عودة الدراسة في بعض الكليات النظرية التي لا تحتاج إلى جهد كبير، أو عودتها في بعض الولايات المستقرة، مشيراً إلى أن العنصر الأهم في ضمان انتظام العملية التعليمية هو “الاستقرار الأمني الذي يحدد كيفية استمرار الدراسة إلى جانب توفر البيئة التعليمية وبنيتها التحتية، فضلاً عن احتياجات الطالب من سكن ومواصلات، وأجور المعلمين الذين لم يحصل بعضهم على مستحقاتهم منذ بداية الحرب”.
وأضاف “هناك تحدٍّ آخر للجامعات نفسها، فهي مضطرة لدفع المزيد من الأموال لصيانة وترميم وتجهيز المقرات التي تعاني من مشكلات مالية نتيجة لتوقف الدراسة لنحو عامين، فوزارة التعليم العالي لا تدفع لها أموالاً، مما يضطرها إلى فرض رسوم كبيرة على الطلاب لاستحداث مقرات جديدة أو إعادة صيانة المقرات القديمة، وهذا سيكون على حساب الطلاب، وسيضغط على أوضاعهم المتدهورة أساساً”.
ولفت الأستاذ الجامعي إلى أن بعض الجامعات السودانية تمارس نشاطها عن بعد (أونلاين) لتجاوز مشكلات الوضع الأمني، لكنه يعتقد أن الدراسة بهذه الطريقة تحتاج إلى وقت طويل وإمكانيات مادية لا تتوافر في الوقت الحالي لكثير من الجامعات والمناطق السودانية التي دُمرت فيها البنية التحتية بسبب المعارك العسكرية.
من جهته قال مصدر بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي السودانية إن “الولايات الآمنة شمال وشرق البلاد قادرة على استضافة الطلاب الذين لجأوا إلى الخارج في بداية الحرب، فضلاً عن انتهاء الخطر في ولايات الوسط بعد تحرير سنار والجزيرة وأجزاء كبيرة في الخرطوم وكردفان من قوات الدعم السريع”.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ”الشرق”، أنه “خلال اليومين الماضيين تمكنت القوات المسلحة السودانية من تطهير وسط الخرطوم حيث تقع معظم الجامعات، وسنقوم بالتنسيق مع الجهات الأمنية لرصد الخسائر بمقرات الجامعات هناك، ورصد الميزانية اللازمة لإعادة تأهيلها لتنضم إلى الولايات الآمنة”، مشيراً إلى أن القوات المسلحة قادرة على تأمين الطلاب من أي مخاطر محتملة بعد عودتهم.