يواجه السودان صعوبات كبيرة نتيجة استمرار الصراع، ومع تعثر الحلول المتاحة، يتفق المحللون على أن إعلان إنشاء حكومة مدنية جديدة قد يكون تحولاً مهماً في مجريات الأمور. تحمل الحكومة المستقبلية، التي يتم مناقشتها بين القوى الديمقراطية والمدنية، آمالًا كبيرة في تقويض شرعية حكومة الأمر الواقع وإعادة تشكيل معادلة السلطة لتحقيق العدالة والسلام. يرى الخبراء أن “أهم مهام هذه الحكومة ستكون إزالة الشرعية التي تستند إليها الحكومة الحالية في استمرار الصراع.
هذه الشرعية الوهمية قد أثرت سلباً على منابر التفاوض السابقة، سواء في جدة أو الإيقاد أو الاتحاد الأفريقي، مما أعاق الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب وتخفيف معاناة الشعب السوداني”، كما عبّروا. من المتوقع أن تعبر الحكومة المدنية عن تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة دولة ديمقراطية تقوم على مبادئ المواطنة والعدالة.
ويرى الخبراء أنه يمكن أن يكون وسيلة لاستعادة الثقة بين الأطراف المتعددة، وتعزيز الوحدة الوطنية، والحد من الانقسامات القبلية والإقليمية، مما يتيح الفرصة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور علاء الدين عوض نقد، عضو الهيئة القيادية في تنسيقية “تقدم”، إلى أن اقتراح إعلان الحكومة المدنية المرتقبة، الذي يتم التباحث حوله حاليًا خلال اجتماعات القوى الديمقراطية والمدنية، يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب إذا تم تشكيلها.
ذكر نقد، في تصريح لـ”إرم نيوز”، أن الآلية السياسية لهذه الحكومة تم تصميمها لتعكس إرادة سياسية جديدة تهدف إلى تحقيق تغيير جذري.
وأضاف أن من أهم واجبات هذه الحكومة سيكون إزالة الشرعية التي تستند إليها “حكومة الحرب” برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في بورتسودان، مشددًا على أن “هذه الشرعية الوهمية استخدمت لتعطيل جميع منصات التفاوض السابقة، مثل منصة جدة ومنظمة الإيقاد والاتحاد الأفريقي، وحتى محادثات جنيف الأولى والثانية، مما عرقل جهود إنهاء الحرب”، وفقًا لرأيه.
وأوضح نقد أن “حكومة الحرب تستخدم اسم السودان بشكل مزوّر لتبرير غيابها عن منصات التفاوض، بالإضافة إلى استغلالها لهذه الشرعية الوهمية للتنصل من تصنيف المجاعة (IPC)، بغرض التهرب من الاعتراف بحقيقة الأزمة الإنسانية.” وصف النقاد هذا الأمر بأنه “خطأ جسيم يعزز الفصل العنصري، من خلال التمييز في تقديم الخدمات بناءً على القبائل والأعراق، سواء في السودان أو خارجه”.
انتهاكات حقوقية واستغلال سياسي
وتابع قائلاً: “إن حكومة الأمر الواقع لا تهتم بخدمة المواطنين، مما أدى إلى معاناة كبيرة للشعب السوداني. كما أنها لا تعترف بالمجاعة ولا تتعاون مع المنظمات الإنسانية، بل تقوم باستغلال المساعدات الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية”.
وأشار نقد إلى تطبيق “قانون الوجوه الغربية” في المناطق التي يسيطر عليها الجيش، مما أدى إلى تعرض المواطنين من ولايات دارفور وكردفان لاضطهاد واسع النطاق. وأشار إلى أن هذه الحكومة تتبنى سياسات خارجية مثيرة للجدل، بما في ذلك دعوة وزير خارجيتها لفتح ساحل البحر الأحمر لإنشاء قواعد عسكرية لدول أجنبية، مما يعكس استغلال السودان “في سوق النخاسة العالمي”، كما قال.
وختم نقد بالإشارة إلى أن “هذه الحكومة ليست سوى أداة لخدمة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المنهار، حيث يقتصر دور الجيش على حماية مصالح الإسلاميين، وأوضح دليل على ذلك هو اجتماع شورى المؤتمر الوطني تحت رعاية الجيش، واختيار أحمد هارون المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية رئيسًا، مما يظهر استهتارًا بالمجتمع الدولي وبثورة ديسمبر المجيدة”.
حكومة مدنية لاستعادة الأمل
في هذا الإطار، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي الطيب الزين أن الحكومة السودانية المرتقبة قد توفر فرصة حقيقية لتحسين مسار الحرب.
وقال الزين، في حديثه مع “إرم نيوز”، إن هذه الحكومة، إذا تشكلت من قوى مدنية تمثل الثورة، ستعبر عن إرادة الشعب السوداني في إنشاء دولة ديمقراطية فيدرالية ترتكز على المشاركة العادلة في السلطة والثروة. أكد أن الحكومة المقبلة ستعزز الوحدة الوطنية عبر إشراك جميع الأطراف في الحوار، مما يسهم في تقليل الانقسام وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وأشار إلى أن هذا الاتجاه سيساهم في استعادة الثقة بين المواطنين والجهات الرسمية، وهو أمر ضروري لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار. وختم الزين بالتأكيد على أن هذه الحكومة قد تمثل بصيص أمل للسودانيين للخروج من دوامة الحرب والانقسامات، والعمل على بناء مستقبل يعتمد على العدالة والتنمية المستدامة.