شكل تقرير صدر الثلاثاء، عن مرصد عالمي للجوع مدعوم من الأمم المتحدة، ويتحدث فيه عن انتشار المجاعة في السودان، إحراجا كبيرا للجيش والحكومة الموالية له، بعد أن عمل الطرفان على دحض هكذا تهديد.
ولطالما واجه الجيش السوداني اتهامات باستخدام الجوع سلاحا ضد المدنيين في مواجهته مع قوات الدعم السريع، سواء عبر عرقلة الإمدادات الإنسانية، أو بفرض حصار على المناطق وقصف معسكرات النزوح أو تحويلها إلى مناطق عسكرية.
وأفاد التقرير بأن نطاق المجاعة في السودان اتسع إلى خمس مناطق ومن المرجح أن يمتد إلى خمس مناطق أخرى بحلول مايو المقبل.
وأفرزت الحرب الدائرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ويتعمد الجيش بضغط من فلول نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير التملص من أي مبادرات للسلام، وآخرها الجهود المبذولة لجولة مفاوضات في جنيف.
وذكرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن ظروف المجاعة تأكدت في مخيمي أبوشوك والسلام للنازحين في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بالإضافة إلى منطقتين أخريين في ولاية جنوب كردفان.
كما خلصت اللجنة إلى أن المجاعة، التي كُشف عنها لأول مرة في أغسطس، لا تزال مستمرة في مخيم زمزم بشمال دارفور.
التقرير خلص إلى أن المجموعة التي تقودها حكومة بورتسودان استبعدت بيانات رئيسية متعلقة بسوء التغذية من تحليلها
وتحول مخيم زمزم الذي يضم الآلاف من النازحين إلى منطقة عسكرية للحركات المسلحة الحليفة للجيش، الأمر الذي جعله أحد ساحات المعارك، وسط تحذيرات من اتخاذ تلك الحركات للنازحين دروعا بشرية، ما يضاعف من حجم مأساتهم الإنسانية.
وتتوقع اللجنة، التي تدقق وتتحقق من وجود المجاعة، امتداد المجاعة إلى خمس مناطق أخرى في شمال دارفور بحلول مايو المقبل، وهي أم كدادة ومليط والفاشر والطويشة واللعيت. وحددت اللجنة 17 منطقة أخرى في أنحاء السودان معرضة لخطر المجاعة.
وتشير تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن حوالي 24.6 مليون شخص، أي حوالي نصف العدد الكلي للسودانيين، في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية حتى فبراير المقبل، وهي زيادة كبيرة عما كان متوقعا في يونيو الماضي عند 21.1 مليون شخص.
ونُشرت النتائج على الرغم من استمرار الحكومة الموالية للجيش في تعطيل عمل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المرتبط بتحليل انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يساعد على توجيه المساعدات حيث تشتد الحاجة إليها.
وأعلنت الحكومة التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقرا لها، الاثنين تعليق مشاركتها في ذلك النظام العالمي لمراقبة الجوع، متهمة إياه “بإصدار تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته.”
والتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو هيئة مستقلة تمولها دول غربية وتشرف عليها 19 من المنظمات الإنسانية الكبرى والمؤسسات الحكومية الدولية.
لطالما واجه الجيش السوداني اتهامات باستخدام الجوع سلاحا ضد المدنيين في مواجهته مع قوات الدعم السريع
ويلعب التصنيف دورا محوريا في النظام العالمي لرصد الجوع والتخفيف من وطأته، وهو مصمم لدق ناقوس الخطر بشأن تطور الأزمات الغذائية حتى تتمكن المنظمات من التحرك ومنع المجاعات والحيلولة دون تفشي الجوع.
ويخوض الجيش السوداني حربا أهلية مع قوات الدعم السريع، ويعارض بشدة إعلان المجاعة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى ضغوط دبلوماسية لتخفيف الإجراءات على الحدود ويتسبب في تواصل قوات الدعم السريع بشكل أكبر مع الخارج.
وفي رسالة إلى التصنيف ولجنة مراجعة المجاعة ودبلوماسيين، قال وزير الزراعة السوداني الاثنين إن أحدث تقرير للتصنيف يفتقر إلى بيانات محدثة عن معدلات سوء التغذية وتقييمات إنتاج المحاصيل خلال موسم الأمطار الصيفية الماضي.
وتقول الرسالة إن موسم المحاصيل كان ناجحا. كما أشارت الرسالة إلى “مخاوف جدية” بشأن قدرة التصنيف على جمع البيانات من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وبموجب نظام التصنيف، تعكف “مجموعة عمل فنية” ترأسها عادة الحكومة الوطنية على تحليل البيانات وتصدر تقارير دورية تصنف المناطق على مقياس من واحد إلى خمسة.
وهذه المراحل هي “لا مشكلة”، أو الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي، ثم مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد “الضغط”، ثم مرحلة “الأزمة”، ومرحلة “الطارئ” وأخيرا مرحلة “المجاعة”.
وأظهرت وثيقة اطلعت عليها رويترز أن الحكومة الموالية للجيش علقت في أكتوبر الماضي التحليل الذي كانت تقوده بنفسها. وبعد استئناف العمل، لم تقر مجموعة العمل الفنية بوجود مجاعة.
اقرأ أيضاً:
انهيار الرعاية الصحية يدخل السودان مرحلة خطيرة
وقال تقرير لجنة مراجعة المجاعة الذي صدر الثلاثاء إن المجموعة التي تقودها الحكومة استبعدت بيانات رئيسية متعلقة بسوء التغذية من تحليلها.
وخلص تحقيق أجرته رويترز في الآونة الأخيرة إلى أن الحكومة السودانية عرقلت عمل التصنيف في وقت سابق من هذا العام، مما أدى إلى تأخير تأكيد وجود مجاعة عدة أشهر في مخيم زمزم حيث لجأ النازحون إلى أكل أوراق الأشجار من أجل البقاء على قيد الحياة.
وذكر ما لا يقل عن 12 من عمال الإغاثة والدبلوماسيين أن التوترات تزايدت بين الحكومة السودانية ومنظمات الإغاثة الإنسانية بعد أن خلص التصنيف المتكامل إلى أن مخيم زمزم يعاني من المجاعة في أغسطس.
وقالت المصادر إن الحكومة تبطئ وتيرة إرسال المساعدات وإن جهازي المخابرات العامة والعسكرية التابعين للحكومة يشرفان على توصيل المساعدات وإن الموافقة على إدخال المساعدات الدولية تخضع لأهداف سياسية وعسكرية للجيش السوداني.
وتؤخر الحكومة إجراءات الموافقة على إصدار تأشيرات دخول لموظفي الإغاثة، وقال عدد منهم إن الحكومة تثبط عزيمة المنظمات غير الحكومية التي تسعى لتقديم مواد إغاثية في منطقة دارفور المتضررة بشدة، والتي تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطقها.
وكشف أحد كبار مسؤولي الإغاثة الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن الحكومة أبلغت منظمات الإغاثة بأنه “لا توجد احتياجات مشروعة في دارفور، لذا يجب ألا تعملوا هناك، وإذا واصلتم الاستجابة للاحتياجات هناك، فلا تتوقعوا الحصول على تأشيرات.”
وخلال الأشهر الأربعة الماضية، ارتفع عدد الطلبات التي قدمها موظفو إغاثة غير تابعين للأمم المتحدة من أجل الحصول على تأشيرة دخول للسودان والتي لم يتم البت فيها، كما انخفض معدل الموافقة على طلبات أخرى، وفقا لبيانات نشرتها المنظمات غير الحكومية العالمية في السودان.
وقالت ثلاثة مصادر لرويترز إن الحكومة السودانية حثت الأمم المتحدة في أكتوبر على سحب كبير مسؤولي المساعدات الإنسانية في منطقة دارفور بعد أن سافر إلى هناك دون تصريح من الحكومة.
وذكرت المصادر أن طلبات الحصول على تصريحات للسفر توقفت وأن الحكومة أبلغت الأمم المتحدة بأنها ستطرد المسؤول إذا لم يتم سحبه. وامتثلت الأمم المتحدة لطلب الحكومة في النهاية.
العرب