لطالما كانت غابة السُّنط، المعروفة بـ”رئة الخرطوم”، رمزاً للتنوع البيئي وملاذاً فريداً للكائنات البرية والطيور المهاجرة، حيث يتناغم فيها الغطاء النباتي الكثيف مع الحياة البرية في توازن طبيعي قلّ نظيره. لكن مع تصاعد النزاع الدامي في البلاد، بات هذا الرمز البيئي يتعرض لتهديدات وجودية غير مسبوقة، ففي ظل الصراع الراهن، تعرضت غابة السُّنط لأضرار بالغة ألقت بظلالها على الغطاء النباتي، ما أثر سلباً على البيئة المحيطة وتسبب في تراجع الحياة البرية.
هذا الأمر ينذر بتدميرها وضياعها على غرار ما جرى للمتاحف الأثرية والطبيعية بالخرطوم. فطبقاً للمختصين، هذا التدهور والانهيار لا يهدد فقط حياة الطيور المهاجرة، بل ينذر بخطر اختلال التوازن الطبيعي، تاركاً هذا الإرث البيئي الثمين على حافة الهاوية.
مع احتدام الصراع، انحسر الاهتمام بغابة السُّنط، التي كانت تمثل سابقاً إحدى أهم المحميات البيئية في السودان. واستدامة هذا النظام البيئي أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، إذ انزاحت الأولوية من حماية الغابة إلى تأمين ضروريات الحياة الأساسية، كالغذاء والدواء، لمواجهة تبعات النزاع المتفاقم.
في هذا السياق، يعاني موظفو الغابات في السودان من أوضاع قاسية، حيث أوقفتهم الحرب عن العمل ودفعتهم إلى “إجازة مفتوحة” بلا أمل قريب للعودة. وتضاف إلى معاناتهم صعوبات في تلقي الرواتب نتيجة انقطاع الاتصالات وتوقف الإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد، ما يزيد حياتهم اليومية تعقيداً.
وقد أوضحت مصادر مطلعة لـ”العربية.نت” أن إدارة غابة السُّنط تقف عاجزة في مواجهة هذا الواقع، في ظل انعدام قنوات التواصل المباشر وصعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة حول حالة الغابة. بهذا، تراجع الاهتمام بالغابة إلى الحد الأدنى، إذ استحوذت الأزمات المتلاحقة على الأولويات، تاركةً هذه المحمية البيئية الثمينة عرضةً للتدهور والإهمال.
بدوره، يقول الدكتور خالد محمد الحسن عبد الله، الأستاذ المساعد بكلية العلوم البيئية في جامعة أم درمان الأهلية، إن “غابة السُّنط جزءٌ من نظام الأراضي الرطبة في السهل الفيضي لنهر النيل، وهو نظام إيكولوجي ذو أهمية عالمية بسبب تنوعه الحيوي ودوره في تحقيق التوازن البيئي”. ويضيف لـ”العربية.نت” أن “رغم أن الحرب لم تسبب حرائق مباشرة، إلا أن تبادل النيران يعكر استقرار الطيور المهاجرة ويؤثر على هجرتها الطبيعية. والحل الأمثل لحماية الغابة يكمن في إيقاف الحرب، إذ قد يساعد تقليل الأنشطة البشرية نتيجة النزاع بشكل غير مباشر في تخفيف الضرر عن الغابة”.
غابة السُّنط ليست مجرد مساحة خضراء، فهي تمتد بتاريخها العريق إلى عام 1939 عندما أُدرجت كأكبر محمية طبيعية في ولاية الخرطوم. تتميز بأشجار السُّنط المتينة التي تقاوم فيضانات الخريف وتعمل كحاجز طبيعي يحمي الخرطوم من التلوث، لتتحول إلى منتجع بيئي مثالي للسكان والزوار. بجانب كونها ملاذاً طبيعياً، تلعب الغابة دوراً حيوياً كمأوى للعديد من الطيور المستوطنة والمهاجرة، كالأوز ومالك الحزين والنورس النهري. كما تضفي الغابة بُعداً تعليمياً منذ إنشاء مدرسة خبراء الغابات عام 1946، التي أسهمت في تخريج أجيال من الخبراء ساعدوا في نشر زراعة الغابات في أنحاء السودان.
العربية