آخر الأخبار

حفّار واحد لانتشال 9 آلاف جثمان في غزة

شارك





غزة- لم تكن هنادي سكيك تدرك، أن الجملة العابرة التي قالتها زوجة ابنها الحامل "هذه الغرفة كالقبر، لا نافذة فيها"، وهي تتفحص المكان الصغير الذي نزحوا إليه، ستتحوّل بعد ساعات إلى حقيقة واقعة، فقد قُبرت جثامينهم فيها بعد استهداف المكان الذي ظل شاهدا على أجساد سحقت تحته منذ عامين وحتى هذا اليوم.

انتُشلت هنادي من تحت الركام بعد ساعات من القصف الإسرائيلي للمكان الذي أوت إليه وعائلتها في حي الرمال غربي مدينة غزة ، فكانت الناجية الوحيدة من أصل 20 شخصا قضوا جميعهم شهداء، ولا تزال جثامين 5 منهم تحت الأنقاض.

مصدر الصورة زوج وابن هنادي سكيك الناجية الوحيدة من استهداف أودى بحياة 30 شخصا لا يزال 5 منهم تحت الأنقاض (مواقع التواصل)

ازدواجية قاسية

‎ومنذ عامين تزور هنادي ما كان يوما بيت أبيها، تحدّق في الركام الذي لا يزال يبتلع زوجها، وابنها البكر وزوجته الحامل بتوأم، وحفيدتها، وابن أخيها.

تقول للجزيرة نت بصوت فيه حنق عامين من الانتظار "لا نستطيع أن نعيد للأموات الحياة، لكن ربما نعيد لهم الكرامة"، ثم تواصل بعد صمت متسائلة باستغراب "هل كثير عليهم أن يموتوا كراما ويدفنوا في قبور وشواهد ككل البشر؟".

‎وتبدي هنادي استياءها من إدخال معدات دولية لاستخراج جثامين المحتجزين الإسرائيليين من تحت الأنقاض في قطاع غزة، في ظل وجود الآلاف من الفلسطينيين تحت الركام منذ شهور عدة بلا معدلات لانتشالهم.

وهو ما اعتبرته ازدواجية في "تعامل العالم مع الموتى بحسب الجنسية". وسألت بتهكّم "لماذا يبدو جثمان الفلسطيني رخيصا وأقل استحقاقا من غيره؟".

‎وبين جراح جسدها التي تدفعها للتفكير باتخاذ خطواتها الاضطرارية للعلاج في الخارج، ووجع بقاء جثامين عائلتها تحت الركام الذي يمنعها من التفكير في الأمر، تعيش هنادي في منتصف حياة لا تستطيع أن تتقدّم فيها خطوة واحدة.

إعلان

"فكيف أتركهم هنا؟ وكيف أغادر وهم تحت التراب؟" تقول، وهي التي ترى أن كل خطوة إلى الأمام تعني أنها تبعدها عن الذين دفنوا في الغرفة التي تشبه القبر ولا تزال قبرا حتى اليوم.

مصدر الصورة المنزل الذي قصفت فيه هنادي سكيك لا يزال تحت أنقاضه 5 من أفراد عائلتها (مواقع التواصل)

فقد كبير

‎أما هشام سالم، فلا يعرف كيف يوقف بكاء ابنته آية التي فقدت زوجها وطفلتيها أيلول وأمل اللتين لا تزالان تحت الأنقاض في حي الرمال أيضا، فهي تقضي يومها تحمل صورتهما وتنظرهما وكأنهما تبتسمان لها.

ويقول هشام إن ابنته تنهار كل ليلة تحت وطأة الكوابيس التي تطاردها وهي تسمع صراخ طفلتيها ثم تبكيهما وتردد "لو أن لهما قبرا أرتمي عليه فقط".

وفقدت عائلة سالم 265 شهيدا خلال الحرب، راح معظمهم في مجزرتين متتاليتين مسحتا عمارات سكنية كاملة، وتركتا أكثر من 84 جثمانا تحت الأنقاض، حيث لم يتمكنوا من انتشال 37 إنسانا في المجزرة الأولى، أما الثانية فقد ابتلعت بيتا كان ينزح فيه 117 شخصا، لم يُعثر على 47 منهم حتى اليوم.

و‎يقول هشام للجزيرة نت، إن أفراد العائلة حاولوا في الأيام الأولى، انتشال مَن قد يكون بقي حيا تحت الركام، لكن طائرات الكواد كابتر الإسرائيلية كانت تقنص أي شخص يقترب من الركام، كما أن قلة المعدات وعجز الدفاع المدني عن رفع الأسقف الإسمنتية التي تهاوت فوق بعضها بعضا، أطفأ أمل العائلة بعد شهرين من المحاولات وتوقّف البحث.

ويضيف "يحكي العالم عن كرامة الإنسان ويتدافع لإنقاذ جثامين الإسرائيليين، لكن يبدو واضحا أن لحم الفلسطيني ليس بهذه القيمة".

مصدر الصورة التوأم أمل وأيلول سالم لا يزال جثماناهما تحت الأنقاض مع 45 شهيدا من عائلتهما (مواقع التواصل)

‎معوقات البحث

وتتحدث الأرقام التي كشفها الدفاع المدني للجزيرة نت، عن انتشال 14 شهيدا ورفات عدد من الشهداء في المرحلة الأولى من عملية البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، والتي انتقلت إلى مخيم البريج ، بعدما تم النبش عن المفقودين في 11 منزلا في مخيم المغازي ، وكلا المخيمين في المحافظة الوسطى .

‎ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، إن فرق الإنقاذ لا تزال في المرحلة الأولى من انتشال الجثامين العالقة تحت الأنقاض، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي وفّرت حفّارا واحدا فقط يعمل ضمن طاقته المتاحة، ولفت إلى أن البحث -حسب الخطة- سيستمر 400 ساعة عمل موزعة بين مناطق القطاع، 200 ساعة في شمال غزة ومثلها في الجنوب.

‎ويؤكد بصل أن هذه الآلية لا تفي بالمطلوب، لا سيما أن "الحديث يدور عن أكثر من 9000 شخص تحت الأنقاض، وأن حفّارا واحدا لا يتوافق مع حجم الكارثة، فسرعة العمل الحالية بطيئة للغاية، ولا تتناسب مع كم الدمار واتّساع المناطق المنكوبة".

‎ويضيف أن الدفاع المدني قدّم طلبا واضحا بتوفير 20 حفّارا على الأقل، إلى جانب الجرافات والشاحنات اللازمة لإزالة الركام وتمكين الطواقم من الوصول إلى الضحايا، إلا أنّ شيئًا من ذلك لم يتحقق بعد.

‎ويشير بصل إلى وجود وعود مصرية بإدخال آليات إضافية، "لكن لا شيء وصل فعلا حتى اللحظة"، مؤكدا أن العمل لا يزال محصورا بما يوفّره الصليب الأحمر، وأن الطواقم تتابع جهودها في المحافظة الوسطى على أمل الانتقال لاحقا إلى مناطق أخرى، منها مدينة غزة، فور الانتهاء من المواقع الحالية.

"أعقد المهام"

‎من جانبها، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مواصلتها تقديم الدعم المادي واللوجيستي الذي يتيح لفرق الدفاع المدني البدء في المرحلة الأولى لانتشال جثامين الفلسطينيين من تحت الأنقاض في غزة.

إعلان

وأكدت اللجنة للجزيرة نت، أن ما يجري اليوم هو بداية لواحدة من أعقد المهام الإنسانية في القطاع، إذ أمضت آلاف العائلات العامين الماضيين بين الألم والترقب في انتظار العثور على ذويها ودفنهم وفق الشعائر الدينية.

‎وأضافت أن القانون الدولي الإنساني يوجب التعامل مع الجثامين باحترام وصون كرامتها، مشيرة إلى أن حجم الركام والدمار يجعل العملية شديدة التعقيد وتتطلب وقتا ومعدات مناسبة وجهودا متضافرة من جهات عديدة، معربة عن أملها في أن تتمكن العائلات من طي هذا الفصل المؤلم.

‎وإلى ذلك الحين، ستظل آلاف العائلات في غزة تعيش جرحا لا يمكن رتقه قبل أن يُزال الركام وتُعاد لأجساد المفقودين كرامتهم الدنيا من خلال قبر يُزار وشواهد تحمل أسماءهم.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا