في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في أول حوار لها مع وسيلة إعلام عربية، خصت الحقوقية الفرنسية ميريل فانون- منديس فرانس "الجزيرة نت" بلقاء، لتواصل الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وللتذكير بأن الخلل الجوهري في النظام العالمي الحالي هو بناؤه على أساس "العرق" وتحقيق مصالح الأقوياء، ولتوضح أن مفاهيم الجرائم الدولية -من مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وغيرهما- لا تطبّق إلا عندما تتوافق مع مصالح الأقوياء، وأن النظام العالمي صُمم لحماية "الأسياد" وإعطاء الفتات للمقهورين.
وأكدت ميريل فانون أن الخلل في النظام الدولي ليس عرضيا أو مؤقتا، بل هو جزء بنيوي من نظام رأسمالي ليبرالي قائم على تراتبية عنصرية تخدم القوى الكبرى وتهمش الشعوب المستضعفة، وتجعل حماية الحقوق خاضعة لموازين القوة والمصالح.
وربطت بين ثلاثية الاستبداد العالمي والاستعمار في الماضي وأزمات اليوم، لتؤكد أن الإشكال الأكبر في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي أنه مبني على التفوق العنصري والاستمتاع بالعنف والإفلات من العقاب.
وتضرب مثالا حيا بالقضية الفلسطينية، إذ ترى أن الخطاب الدولي الداعم لحل الدولتين بأنه أداة للمماطلة وإدارة الصراع وليس للوصول إلى حل، وتشير إلى أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من استيطان وتهويد في الضفة الغربية والقدس وغيرهما يحول دون أي إمكانية واقعية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدة أن استمرار التمسك بهذا الطرح يمنع التفكير في حلول بديلة.
وقالت ميريل فانون إن "الدعم الغربي لحل الدولتين هو خطاب رمزي أكثر منه عملي. يشكل أفق سلام ظاهري، لكنه يشرعن استمرار الاستيطان. يدعم "المسار" لا الحل نفسه، وهو مجرد أداة لإدارة الأزمة بدل حلها"، مؤكدة أن "التمسك بحل الدولتين يمنع التفكير في حلول أخرى".
وتشدد على أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو إبادة جماعية مُمنهجة تستهدف الشعب كوحدة وطنية، وأن "فلسطين تترك اليوم وحيدة ومعزولة وتخضع لتطهير عرقي" وأن الدعم الغربي لإسرائيل يسهم مباشرة في تعميق هذه الجريمة، مع غياب أي رادع قانوني أو دبلوماسي فعّال. وبيّنت أن ما يجري في غزة وفي المنطقة العربية هو تنفيذ لمخطط توسعي يقوم على العنف ونفي الآخر وتفكيك المنطقة، مدعوما بانقسام عربي وتواطؤ دولي وتوظيف لاتفاقات التطبيع كأدوات لإلغاء حقوق الفلسطينيين.
وميريل فانون منديس فرانس هي مفكرة وحقوقية فرنسية بارزة، وهي ابنة فرانز فانون (1925-1961) -الطبيب النفسي والمناضل المناهض للاستعمار حول العالم عامة وفي المغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء خاصة- وعملت أستاذة جامعية ومحاضرة في العديد من الجامعات والمؤسسات الفرنسية والدولية، وخاصة في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والنضال ضد العنصرية والاستعمار.
كما شغلت منصب رئيسة مجموعة العمل المعنية بالخبراء حول الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكانت عضوا في عدد من المنظمات الدولية للحفاظ على السلام ومناهضة التمييز العنصري والاستعمار الجديد، وأسهمت في رفع شكوى إلى محكمة العدل الدولية نيابة عن جماعات تمثل ضحايا الهجمات الإسرائيلية خلال الحرب السابقة على غزة عام 2008-2009.
وترأس ميريل فانون مؤسسة "فرانز فانون"، وشاركت في العديد من الأبحاث والمقالات المحكمة والتقارير الجماعية ضمن إصدارات أممية أو مؤسساتية حول حقوق المنحدرين من أصل أفريقي، وقضايا العدالة الانتقالية، والاستعمار وفلسطين، وغيرها من القضايا. فإلى نص الحوار:
في الحقيقة، يتضمن سؤالكم شقين: أين يوجد الخلل في النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان؟ ولماذا تظل الآليات الدولية عاجزة أمام مثل هذه الانتهاكات الجسيمة؟
إن الخلل في النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان ليس وليد اللحظة، ولا يرتبط فقط بأزمات حديثة أو صدمات مثل أزمة النفط في السبعينيات، بل هو أقدم من ذلك بكثير، منذ اللحظة التي تم فيها اعتبار "العرق" وسيلة لتقسيم البشر وتراتبيّتهم، وجُعل أساسا لبناء النظام الرأسمالي، أصبح مفهوم حقوق الإنسان مجرد أمنية، فهناك حقوق للبعض، وللآخرين مجرد بدائل أو أشباه حقوق.
هذه الثغرة ليست مجرد حادث عابر، بل هي شرط لاستدامة النظام الدولي الليبرالي والعنصري. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 جاء في الوقت الذي كان فيه نظام الفصل العنصري يترسخ في جنوب أفريقيا، وحرب الهند الصينية مشتعلة، ونكبة فلسطين متواصلة، وفرنسا ارتكبت مجازر في سطيف (1945) ومدغشقر (1947). لم تكن هذه مجرد مصادفة، بل كانت تعبيرا عن بنية تراتبية تستبعد الأجساد السوداء والعربية والمسلمة وتتعامل معها كقيمة أقل من غيرها، مجرد رقم أو متغيّر يمكن استغلاله أو استبعاده بحسب الحاجة.
هذا ما يتجلى في العنف ضد السود في الولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا، وفي سياسات الهجرة التي تنتهك حقوق الإنسان، مثل نظام "تحديد الهوية الآلي" والملاحقات بحق المهاجرين التي أقرها رئيس الولايات المتحدة.
منذ اللحظة التي تم فيها اعتبار "العرق" وسيلة لتقسيم البشر وتراتبيّتهم وجُعل أساسا لبناء النظام الرأسمالي، أصبح مفهوم حقوق الإنسان مجرد أمنية
في النظام الرأسمالي، تم ترسيخ العرق كعنصر تعزيز وتثبيت، وهو نظام يعود بجذوره إلى مرحلة الحروب الصليبية وتنصير العالم. اليوم، تبرر "دولة إسرائيل" وجودها باعتبارها حصن الديمقراطية الأوروبية البيضاء، في مقابل ما يُصوَّر على أنه بربرية، كما أنها تمثل عقدة الذنب الأوروبية تجاه ما حدث لليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
العجز في النظام الدولي ناجم عن غياب آليات فعّالة خارج حسابات القوة والمصالح. فمجلس الأمن الدولي تجمّده صلاحية "الفيتو" للدول الكبرى. ويظهر هنا تناقض صارخ: فمفاهيم "جرائم الحرب" و"جرائم الإبادة الجماعية" لا تطبّق إلا عندما تحقق مصالح الأقوياء. النظام صُمّم في الأساس ليخدم مصالح الأقوياء، وتُحدد حماية حقوق الإنسان حسب قوة وحجم الحامي أو الداعم.
يتجلى ذلك في قضايا الأرض للفلاحين في أفريقيا وأميركا الجنوبية، وفي الغرب أيضا، وقضية حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حيث تغدو حقوق الإنسان متغيّرا تابعا للقوة. وعندما يطالب صندوق النقد الدولي أو غيره بتقليل الإنفاق العام في الدولة، فإن أول ما يمسّه ذلك هو الصحة والتعليم والسكن والعمل والكرامة.
النتيجة هي تهميش مستمر للإنسان. ملايين القتلى في الكونغو ولم تشهد أي محكمة دولية خاصة، وهايتي تخضع للخنق بالديون والتدخلات الأجنبية دون أن تُحاسب الدول التي فرضت عليها ديونا غير مشروعة. وبعد انتهاء العبودية، كان مالكو العبيد هم من تلقوا التعويض، بينما حُرم ملايين الضحايا من الاعتراف بإنسانيتهم، في الوقت الذي رفعت فيه الولايات المتحدة وفرنسا شعارات المساواة والحرية التي لم تشمل كل المواطنين.
العجز في النظام الدولي ناجم عن غياب آليات فعّالة خارج حسابات القوة والمصالح
كل هذا يشير إلى أن غزة اليوم تنهار تحت القصف والجوع، ولو حاولنا إحصاء الانتهاكات لكانت القائمة بلا نهاية.
بالتالي، الأمر ليس فشلا، بل نظامٌ يُحقق أهدافه: حماية المتسلطين وتقديم الفتات للباقين. ومن يتجاوز "القانون والنظام" الذي وضعوه، مصيره الموت.
ونجد ذلك اليوم حتى في دول الشمال، فمع تزايد الأزمات الاقتصادية وضغط المؤسسات المالية الدولية على الحكومات لتقليل الإنفاق العام، يكون أول من يصيبه الحقوق الأساسية، كالصحة والتعليم والأمن، وأحيانا الحق في الحياة، خاصة بالنسبة للمهاجرين.
قررت دولة إسرائيل ألا يبقى أي فلسطيني على هذه الأرض. الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية، وفق تعريف رافائيل ليمكين، أي أنها جريمة تستهدف مجموعة وطنية ككيان. الأفعال تستهدف الفلسطينيين ليس كأفراد وإنما باعتبارهم جزءا من شعبهم.
إذا كانت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تمنح الدولة المعتدى عليها حق الدفاع عن النفس، فهل ينطبق هذا الحق على قوة تحتل أراضي لا تعود إليها قانونا؟ هذا ما تُلام عليه إسرائيل منذ النكبة الأولى عام 1948. وبكل الحالات، لا يجوز لأي دولة استخدام القوة المفرطة، كما يفعل الاحتلال الآن.
هناك مبدأ أساسي هو "التناسبية": لا يجوز أن تكون الاستجابة أكثر تدميرا من الضرر الواقع. لكن دولة الاحتلال اختارت العنف الأعمى، منتهكة هذا المبدأ، متجاهلة أي توازن بين الهدف المعلن (إنقاذ رهائن) والوسائل المستخدمة، والهدف الحقيقي هو إبادة أكبر عدد من الفلسطينيين، وهو ما يعلنه مسؤولو إسرائيل علنا بلا خجل.
من الناحية الدبلوماسية والسياسية، عندما يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة القضاء على حماس ويحظى بدعم واسع من المجتمع الدولي وخاصة الغرب، يُطرح سؤال حول من هو "الوحشي" الحقيقي: هل هو من يقاوم الاحتلال من أجل تقرير المصير ولو ارتكبَ أخطاء، أم من يسعى للانتقام وتحقيق أهداف استعمارية يمينية عبر القضاء على شعب بأكمله؟ الإجابة واضحة.
إذا كانت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تمنح الدولة المعتدى عليها حق الدفاع عن النفس، فهل ينطبق هذا الحق على قوة تحتل أراضي لا تعود إليها قانونا؟
يجب تذكير العالم بجرائم الحرب المستمرة منذ أكثر من 78 عاما، التي تنتهك حقوق الإنسان وحقوق المدنيين المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. الدول الموقعة على الاتفاقية تتحمل المسؤولية حتى لو لم تشارك مباشرة، إذا قدّمت دعما أو ساعدت في استمرار الانتهاكات.
لا يمكن تجاهل أن الدول التي تساعد إسرائيل أو تمنحها حق "الدفاع عن النفس" تصبح شريكا في الاحتلال والتهجير والتمييز العنصري في الضفة وغزة وحتى ضد البدو في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
اليوم، تُترك فلسطين وحيدة، معزولة، وتخضع لتطهير عرقي، دون أن يثير ذلك غضبا دوليا جادا. والمجتمع الدولي مطالب بدعم ما فعلته جنوب أفريقيا من الالتزام بمبادئ القانون الدولي ومجابهة الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين.
إذا كانت الإنسانية تعني شيئا، فلماذا المجتمع الدولي عاجز عن تطبيق القانون الدولي وحماية الحقوق، بل يتغاضى عن المجاعة، التدمير، التهجير والإبادة الجارية أمام أعين الجميع؟
في الواقع، هي إستراتيجية للتهرب والمماطلة. منذ خطة التقسيم عام 1947 ثم اتفاق أوسلو عام 1993، الذي وعد بدولة فلسطينية خلال 5 سنوات، لم يتحقق شيء سوى هيمنة كاملة لدولة واحدة على الأرض والمياه والحدود والهواء، في حين أن الفلسطينيين محاصرون في مناطق منعزلة ويتعرضون للإبادة دون أي تحرك دولي فعلي. الشعوب المناضلة هي من تذكّر العالم بأن العنصرية السياسية لا يمكن أن تكون البوصلة.
الدعم الغربي لحل الدولتين هو خطاب رمزي أكثر منه عملي. يشكل أفق سلام ظاهري، لكنه يشرعن استمرار الاستيطان. يدعم "المسار" لا الحل نفسه، وهو مجرد أداة لإدارة الأزمة بدل حلها.
في السياق الحالي، أصبح هذا الحديث خطيرا ومضللا، فاستمرار الاستيطان وتهويد القدس والإبادة الجماعية في غزة يجعل من قيام دولة فلسطينية أمرا مستحيلا. التمسك بحل الدولتين يمنع التفكير في حلول أخرى.
استمرار الاستيطان وتهويد القدس والإبادة الجماعية في غزة يجعل من قيام دولة فلسطينية أمرا مستحيلا.
ما يحدث الآن يمثل ذروة فقدان الكرامة، ولا أرى كيف يمكن الخروج من هذا المشهد.
حين يُطرح الأمر على أساس النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ودور الأمم المتحدة، يبدو ذلك غير واقعي، أشبه بالوهم. لقد فشلت هذه المؤسسات، وستستمر في الفشل.
هل علينا أن نستبدل بها مؤسسات أخرى؟ لا أظن ذلك، فقد حلّت الأمم المتحدة محل عصبة الأمم دون تغيير حقيقي. ميزان القوى ظل هو الحاكم في العلاقات الدولية، واعتقد البعض في السبعينيات بإمكانية التغيير، لكنه لم يستمر سوى لفترة وجيزة.
يجب التفكير في النظام الاقتصادي الذي يحكم العالم. لا يمكن تغييره، فكل مؤسسة جديدة ستقوم على الأسس نفسها. هل من المنطقي حينها طرح سؤال عن المؤسسات؟ لا أعتقد ذلك.
من "الوحشي" الحقيقي؟ هل هو من يقاوم الاحتلال من أجل تقرير المصير ولو ارتكب أخطاء؟ أم من يسعى للانتقام وتحقيق أهداف استعمارية يمينية عبر القضاء على شعب بأكمله؟ الإجابة واضحة.
وصلنا إلى مرحلة لا بد فيها من التساؤل: ما الذي يدفع أصحاب هذا النظام إلى التصرف ضد الإنسان؟ أصبح الإنسان هو "العدو الأول" لنزعة التمتع بالهيمنة على العالم. ما يجري اليوم من قتل الشعب الفلسطيني هو عمل تدميري شامل.
حين تُقصف غزة ويُصرّح مسؤولون إسرائيليون بأن الفلسطينيين "حيوانات"، فإن ذلك يكشف رغبة لا أخلاقية في التنكيل ونزع الإنسانية. الإبادة الجماعية المعروضة للعالم تثير تساؤلا: هل هي فقط تنفيس أم هي سجن للبشرية كلها في رغبة مميتة لا ينجم عنها سوى الفقد؟
يشعر كثيرون الآن بأن ما بعد ذلك لن يكون ممكنا. إسرائيل، باستمرارها في الإبادة مستندة إلى صمتنا، كشفت زيف الحقيقة. ضحايا المحرقة أو أبناؤهم تحولوا إلى جلادين لشعب عاش دوما على هذه الأرض، ومعهم كل من يساندهم أو يرفض اتخاذ قرار سياسي دولي ضد ذلك.
أصبحت فلسطين مساحة للموت، وشعبها عدوا مصطنعا ابتكره دعاة الديمقراطية البيضاء الأوروبية العنصرية. في فلسطين يجري اليوم تصنيع متعة قاتلة، حيث الموت أصبح غاية وأسلوب حكم. فرض الموت الجماعي هو في حقيقته موت للذات الإنسانية، وحرمان للنفس من تحقيق الرغبة إلا ضد الآخر، مع فقدان صفة الضحية.
في هذا السياق، لا يُسأل "حماس"، بل الدولة التي ساهمت في ظهور التنظيم، بمساعدة أميركية، ثم نظّمت ما حدث في 7 أكتوبر بوصفه "احتفالا خلاصيا". لن يتوقف هذا المشروع حتى يتم إبعاد الفلسطينيين نهائيا من غزة والضفة وحتى دول الجوار، وكأن إسرائيل هي الضامن للديمقراطية "المتمركزة". لكن هذه الديمقراطية الأوروبية الحديثة كارثة على الإنسانية.
الإستراتيجيات الإقليمية الحالية محاصرة بين فخ الانقسام العربي والارتهان للنظام الرأسمالي الليبرالي الغربي
لم تعد هناك ضوابط. المطلوب هو تدمير كل شيء: حق العودة، الذي يريد نتنياهو محوه، ووجود الشعب نفسه. هذه صناعة المتعة القاتلة التي يجب إعادة النظر فيها، تضعنا أمام حقيقة الإنسان الذي أصبحنا عليه اليوم: إنسانية فاسدة غير أخلاقية، تتلذذ بدماء الفلسطينيين كما فعلت سابقا بالأفارقة المستعبدين.
سياسات الاستبدال والتوحش هي من صميم النظام الرأسمالي، حتى مفهوم "الاستبدال الكبير" الذي يبرّر الحروب ضد المهاجرين نابع من هذا النظام، حيث تصنع المتعة في الموت والدمار.
في نهاية المطاف، فإن الإستراتيجيات الإقليمية الحالية محاصرة بين فخ الانقسام العربي والارتهان للنظام الرأسمالي الليبرالي الغربي. قادة اتفاقات أبراهام أقنعوا بعض الحكومات العربية بهذا المسار مقابل المال أو ضمانات أمنية، حتى السعودية تفاوض على تحالف أمني مع واشنطن يتضمن الاعتراف بإسرائيل. اتفاقات أبراهام تضاهي اتفاقات أوسلو، فهي أداة لدفن حقوق الفلسطينيين نهائيا، وتبرير قتل من يعارض ذلك.
على المستوى الدولي، تُعرقل العقوبات بالفيتو الأميركي. فما البدائل؟ وأي تحالفات جنوب-جنوب قادرة على تغيير ميزان القوى؟ حاليا، هناك حاجة ملحة لإيقاف المجزرة بحق الشعب الفلسطيني، الذي لم تكن غزة سوى بدايتها، لكن حتى دول البريكس تتردد في التدخل لارتباطها أحيانا بسياسات القمع أو الاحتلال.