آخر الأخبار

لم تعد الألوان اللامعة نادرة في الطبيعة؟ النحل يجيب

شارك

تزخر الطبيعة بالألوان في كل الفصول، لكن أغلب هذه الألوان يبدو مطفأ وغير لامع، في حين لا يلمع منها سوى قلة قليلة، مثل بتلات الحوذان أو أجنحة بعض الفراشات ذات البريق المعدني.

لفت هذا التفاوت انتباه علماء الأحياء، فحاولوا الإجابة عن سؤالين أساسيين: لماذا يكون اللمعان نادرا إلى هذا الحد؟ وهل ترى الحشرات هذا البريق بالطريقة نفسها التي نراه بها نحن؟

في دراسة نشرت يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني في مجلة "ساينس أدفانسز"، أجرى باحثون تجربة ذكية باستخدام أزهار صناعية لاختبار سلوك النحل الطنان؛ وكانت الخلاصة التي توصلوا إليها واضحة وهي: اللون اللامع يجذب من بعيد، لكنه يربك من قريب.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، "كاسبر فان دير كوي" -أستاذ البيولوجيا المساعد في جامعة خرونخن الهولندية- إن هذا يسميه هو وزملاؤه "مقايضة بصرية"، فاللمعان يمنح الزهرة ميزة في لفت انتباه الحشرات من مسافة بعيدة، لكنه في المقابل يجعل من الصعب على النحل التمييز بدقة بين الأزهار عندما يقترب منها.

مصدر الصورة المؤلف الرئيسي للدراسة، كاسبر فان دير كوي، في يده زهور الحوذان وخنفساء الجوهرة اللامعة (جامعة خرونخن)

طبيعة الألوان اللامعة

يوضح "فان دير كوي" في تصريحات لـ"الجزيرة.نت" أن معظم ألوان الكائنات الحية تبدو بالشكل نفسه تقريبا من أي زاوية ننظر منها: ريش طائر القرقف، وبتلات الأقحوان، وجلد الضفادع مثلا.

ويضيف: "هذا الثبات في المظهر ليس تفصيلا عابرا، بل هو مهم لأن كثيرا من الألوان تعمل كإشارات في عالم الأحياء، مثل جذب الملقحات أو لفت انتباه شريك التزاوج؛ وكلما كانت الإشارة ثابتة وواضحة في المكان والزمان، زادت فاعليتها".

ويشير "فان دير كوي" إلى أن الطبيعة تميل، في معظم الحالات، إلى الألوان المطفأة والواضحة التي لا يتغير شكلها كثيرا مع حركة الضوء أو حركة من ينظر إليها.

إعلان

مع ذلك، تظهر في الطبيعة بعض الأمثلة اللافتة على الألوان اللامعة، مثل بريق بتلات الحوذان أو الزرقة المعدنية لأجنحة بعض الفراشات.

تعرف هذه الألوان بأنها ديناميكية لأنها لا تبدو بالشكل نفسه من كل زاوية؛ فدرجة لمعانها واتجاه البريق يتغيران بحسب زاوية النظر ومستوى الإضاءة ووقت النهار، حسب الدراسة.

ولأن هذا النوع من الألوان قد يؤثر في طريقة تعامل الملقحات مع الأزهار، صمم الباحثون تجربة مباشرة: وضعوا داخل أقفاص واسعة مجموعة من الأزهار الصناعية، بعضها مطفأ ثابت اللون وبعضها لامع يعكس الضوء بزوايا مختلفة، ثم أطلقوا نحلا طنانا لمراقبة سلوكه وقياس المسافة التي يستطيع رصد الأزهار عندها، وكذلك دقة تمييزه بينها عند الاقتراب.

وأظهرت النتائج أن الألوان اللامعة تعمل بالنسبة للنحل أشبه بمنارات صغيرة، إذ يسهل عليه رصدها من مسافات بعيدة، تماما كما نرى نحن ضوءا يومض في الأفق.

غير أن الصورة تتغير تماما عند الاقتراب، فالبريق الذي كان ميزة عند المسافة يتحول إلى عائق عند اللحظة الحاسمة، إذ يصبح من الصعب على النحل رؤية التفاصيل الدقيقة للزهرة وتحديد موضع الرحيق بسرعة.

ويشبه "فان دير كوي" هذا الأثر بمحاولة قراءة مجلة لامعة تحت شمس قوية: الانعكاسات تربك العين وتشوش الحروف. وهنا تحديدا تتجلى المقايضة البصرية التي تتحدث عنها الدراسة: جاذبية قوية من بعيد، يقابلها ضعف في الوضوح عند مسافة التمييز الدقيقة.

مصدر الصورة اختبر الباحثون تأثير اللمعان على رؤية النحل الطنان في قفص تجريبي (جامعة خرونخن)

تطبيقات عملية

يساعد هذا التفسير في فهم سبب ندرة اللمعان بين الإشارات البيولوجية في الطبيعة؛ فالإشارة الجيدة يجب أن تكون واضحة ومتسقة من كل زاوية وفي مختلف ظروف الإضاءة، لأنها تستخدم في لحظات حساسة، مثل هبوط الملقح على الزهرة أو اختيار شريك للتزاوج.

ولأن اللمعان -بحكم طبيعته المتغيرة- قد يربك الحيوان في اللحظة التي يجب أن تكون فيها الإشارة أكثر وضوحا، إذ تميل معظم الكائنات إلى الألوان المطفأة المستقرة التي تضمن دقة أكبر في التواصل.

يشير الباحث إلى أن للنتائج جانبا عمليا لا يقل أهمية، إذ إن فهم انجذاب الحشرات إلى الأسطح اللامعة يمكن أن يستغل في تصميم مصائد آفات أكثر فعالية، تعتمد على بريق محسوب يجذب الحشرات من مسافات كبيرة.

وفي المقابل، يقترح المؤلفون على مهندسي أنظمة الطاقة الشمسية إجراء تعديلات سطحية على الألواح لتقليل الانعكاسات أو تغيير نمط اللمعان، حتى لا تجذب الحشرات -خصوصا النحل- وتصرفها عن الأزهار، وهو سلوك رصد فعليا في مواقع مختلفة في العالم.

كما تفتح النتائج الباب لأسئلة بحثية جديدة: هل تستجيب الملقحات الأخرى، مثل النحل العسلي أو الفراشات أو الذباب، للمعان بالطريقة نفسها؟ وهل يغير نوع الغطاء النباتي المحلي أو زاوية الشمس خلال اليوم من نقطة التوازن بين الجاذبية البعيدة والوضوح القريب؟

قد تساعد الإجابات على هذه الأسئلة في تصميم حدائق حضرية ومزارع أكثر صداقة للملقحات، تستخدم ألوانا مطفأة للإرشاد القريب ولمسات لمعان خفيفة للإشارة من مسافة ما.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار