أظهر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صورة قاتمة لأوضاع الفلسطينيين مع نهاية عام 2025، إذ يوثق عشرات الآلاف من الشهداء ومليوني نازح في غزة، وتراجعا حادا في عدد سكان القطاع، وانهيارا شبه كامل للمنظومة الصحية والتعليمية، إلى جانب انكماش اقتصادي غير مسبوق وارتفاع قياسي في معدلات البطالة.
ومع نهاية ديسمبر/كانون الأول 2025، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة 70 ألفا و942 شهيدا، بينهم 18 ألفا و592 طفلا ونحو 12 ألفا و400 امرأة، في حين لا يزال نحو 11 ألف شخص في عداد المفقودين، وارتفع عدد الجرحى إلى 171 ألفا و195.
ومنذ بدء الحرب على غزة، اضطر نحو 100 ألف فلسطيني إلى مغادرة القطاع، كما نزح نحو مليوني مواطن من منازلهم من أصل نحو 2.2 مليون كانوا يقيمون في غزة قبل العدوان.
وفي الضفة الغربية، أسفر تصاعد عدوان الاحتلال واعتداءات المستوطنين عن استشهاد 1102 فلسطيني وإصابة 9034 آخرين.
وانعكست الخسائر البشرية وحركات النزوح القسري مباشرة على الحجم السكاني، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد سكان دولة فلسطين بلغ نحو 5.56 ملايين نسمة نهاية عام 2025، منهم 3.43 ملايين في الضفة الغربية.
وشهد قطاع غزة انخفاضا حادا وغير مسبوق في عدد السكان بنحو 254 ألف نسمة، أي بنسبة تراجع بلغت 10.6% مقارنة بالتقديرات السكانية قبل العدوان.
ويقدر عدد سكان القطاع حاليا بـ2.13 مليون نسمة، في ما وصفه الجهاز المركزي للإحصاء بأنه "نزيف ديمغرافي حاد" ناجم عن القتل والتهجير وتدهور الأوضاع المعيشية.
وأظهرت التقديرات أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ نحو 15.49 مليون نسمة مع نهاية 2025، بينهم 5.56 ملايين يقيمون في الضفة الغربية وغزة، و1.86 مليون في أراضي عام 1948.
كما قدر الجهاز عدد الفلسطينيين في الشتات بنحو 8.82 ملايين، يتركز 6.82 ملايين منهم في الدول العربية، في حين يتوزع الباقون على دول أخرى حول العالم، في انعكاس لاتساع رقعة التشتت السكاني بفعل عوامل سياسية وتاريخية قسرية ممتدة.
ورغم الخسائر البشرية الكبيرة، فلا يزال المجتمع الفلسطيني فتيا من حيث التركيبة العمرية. فقد أشارت التقديرات السكانية لنهاية عام 2025 إلى أن الأطفال في الفئة العمرية (0–4 سنوات) يشكلون نحو 13% من إجمالي السكان في دولة فلسطين، بواقع 12% في الضفة الغربية و14% في قطاع غزة.
وبلغت نسبة من هم دون سن 15 عاما نحو 36% من مجمل السكان (35% في الضفة الغربية مقابل 39% في غزة)، في حين شكل من هم دون سن 30 عاما نحو 64% من السكان.
في المقابل، لم تتجاوز نسبة كبار السن (65 عاما فأكثر) 4% من إجمالي السكان.
وأدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى انهيار شبه كامل في نظام الرعاية الصحية.
ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية، تضرر أو دمر نحو 94% من مرافق الرعاية الصحية والمستشفيات في القطاع، ولم يتبق سوى 19 مستشفى من أصل 36 تعمل جزئيا وبطاقات تشغيلية شديدة المحدودية، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، واستنزاف الكوادر الصحية، وانقطاعات متكررة في إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية.
وبات عدد الأسرّة المتاحة في مستشفيات قطاع غزة نحو ألفي سرير فقط لسكان يتجاوز عددهم مليوني نسمة، وهو معدل متدن للغاية لا يلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الصحية، خاصة مع الارتفاع الكبير في أعداد الجرحى والمرضى.
وتظهر بيانات وزارة الصحة تداعيات إنسانية بالغة الخطورة، إذ توجد نحو 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، كلهن معرضات لأخطار صحية جسيمة بسبب انعدام خدمات الرعاية أو محدوديتها الشديدة، كما تواجه نحو 155 ألف سيدة حامل ومرضع صعوبات حادة في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية قبل الولادة وبعدها.
ويعتمد أكثر من 70% من سكان القطاع على مياه شرب ملوثة أو غير آمنة. وبحلول يوليو/تموز 2025، لم تتمكن 95% من الأسر من الحصول على مياه شرب آمنة.
وتشير المعطيات إلى أن 96% من الأسر تعاني انعدام الأمن المائي، وأن 90% منها أبلغت عن تدهور حاد في جودة المياه، الأمر الذي يسهم في انتشار واسع للأمراض المعوية، خاصة بين الأطفال.
كما تعرض قطاع التعليم لدمار غير مسبوق، خصوصا في قطاع غزة. فبحلول مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025، دمرت أكثر من 179 مدرسة حكومية تدميرا كاملا، بينما تعرضت 218 مدرسة أخرى للقصف أو التخريب، بينها 118 مدرسة حكومية و100 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي الضفة الغربية، واجهت مدارس فلسطينية مداهمات وأوامر هدم متكررة، شملت هدم مدرسة "خلة عميرة" الأساسية في مديرية يطا بتاريخ في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وعلى مستوى التعليم العالي، دُمر 63 مبنى جامعيا في قطاع غزة تدميرا كاملا، بينما تعرضت 8 جامعات في الضفة الغربية لمداهمات وتخريب على نحو متكرر.
وأشار الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن الخسائر البشرية في قطاع التعليم "مروعة"، إذ استشهد 18 ألفا و979 طالبا، منهم 18 ألفا و863 في قطاع غزة، إضافة إلى استشهاد 1399 طالبا جامعيا، و797 معلما وإداريا، و241 موظفا في قطاع التعليم العالي، في سياق ما وصفه باستهداف مباشر لبنية التعليم وكوادره.
وتكشف المؤشرات الاقتصادية لعام 2025 عن انهيار غير مسبوق في الاقتصاد الفلسطيني. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة بنسبة 84% مقارنة بعام 2023، في دلالة على شلل اقتصادي شبه تام. وفي الضفة الغربية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13% رغم تسجيل نمو طفيف قدره 4.4% مقارنة بعام 2024.
واستمر انكماش اقتصاد غزة خلال عام 2025، مسجلا انخفاضا إضافيا بنسبة 8.7%. وبلغت البطالة مستويات "كارثية"، إذ وصلت إلى 46% من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية (28% في الضفة الغربية و78% في قطاع غزة)، وهي من أعلى النسب عالميا، وارتفع عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 650 ألف شخص، في مؤشر على عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الفلسطينيون.
المصدر:
القدس