بلغت نسبة تدمير البنية التحتية لمدينة غزة نحو 90%. يسدل العام 2025 ستاره الدامي على قطاع غزة، تاركا خلفه فصلا غير مسبوق من فصول النكبة الفلسطينية، حيث لم يكن مجرد عام آخر في روزنامة الصراع، بل تحول إلى نموذج صارخ لانهيار المنظومة الدولية وعجزها عن وقف دوائر الإبادة والتدمير التي طالت البشر والحجر على حد سواء.
ومع انقضاء هذه السنة، يجد الغزيون أنفسهم أمام واقع جيوسياسي وإنساني بالغ التعقيد، يتأرجح بين مشاريع التهجير وخطط "الوصاية الدولية".
دخل القطاع هذا العام وهو مثقل بآثار حرب إبادة مستمرة، حولته رسميا إلى "منطقة منكوبة" وفق التصنيفات الأممية، ورغم أن العام استهل ببارقة أمل هشة تمثلت في اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني، إلا أن تلك الهدنة لم تكن سوى "متنفس مؤقت" فوق أنقاض المدن، سرعان ما تبددت في 18 آذار، حين استأنف جيش الاحتلال عدوانه، ضاربا بالتزاماته عرض الحائط، ومؤكدا هشاشة أي مسار لا يستند إلى ضمانات دولية رادعة.
شهدت الشهور اللاحقة تصعيدا ممنهجا في سياسات القتل والتدمير، حيث وظف الاحتلال سلاح التجويع إلى أقصى درجاته، ما دفع "المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي للأمن الغذائي" إلى إعلان تفشي المجاعة رسميا في مدينة غزة خلال شهر آب.
وتشير الإحصائيات المفزعة إلى ارتقاء أكثر من 77,500 شهيد ومفقود، بينهم ما يزيد عن 20 ألف طفل، فيما بلغت نسبة تدمير البنية التحتية المدنية نحو 90%، بكلفة إعادة إعمار تناهز 70 مليار دولار.
وعلى الصعيد السياسي، شكل شهر أيلول منعطفا خطيرا مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطة تتألف من 20 بندا، أفضت بموجب القرار الأممي 2803 إلى فرض ما يشبه "الوصاية الدولية" على القطاع لمدة عامين، في خطوة أثارت مخاوف واسعة من الالتفاف على حق تقرير المصير.
ورغم التوصل لاتفاق آخر لوقف النار في تشرين الأول، إلا أن خروقات الاحتلال المستمرة أفرغته من مضمونه، مع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات.
قبل أن يطوي العام 2025 صفحته الأخيرة، تلقى الشارع الفلسطيني وأنصار المقاومة صدمة ثقيلة، بإعلان كتائب القسام عن ارتقاء ثلة من أبرز قادتها العسكريين، في ضربة وصفها مراقبون بأنها الأقسى منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، طالت رؤوسا مدبرة للعمل العسكري و«أيقونة» إعلامية طالما شكلت وجه الحرب النفسية.
لعل الخبر الأبرز الذي تصدر وسائل الإعلام، كان الإعلان الرسمي عن استشهاد الناطق العسكري باسم الكتائب، "أبو عبيدة"، والكشف للمرة الأولى عن هويته الحقيقية، وهو حذيفة الكحلوت.
لم يكن "أبو عبيدة" مجرد ناطق إعلامي، بل تحول خلال سنوات الحرب إلى رمز أممي للمقاومة، عرف بكوفيته الحمراء ولثامه الذي لم يفارقه. وبرحيله، فقدت الجبهة الإعلامية للمقاومة "قائد سلاح الإعلام العسكري"، الذي أدار المعركة النفسية باحترافية، وارتبط صوته في أذهان الملايين ببيانات النصر والوعيد، ليسدل الستار على مسيرة رجل ظل لغزا حير استخبارات الاحتلال لسنوات.
وعلى الصعيد العملياتي الاستراتيجي، شكل ارتقاء محمد السنوار خسارة فادحة للمجلس العسكري، فالرجل الذي شغل منصب قائد هيئة الأركان، وخلف القائد العام السابق محمد الضيف، كان يعد أحد أبرز "جنرالات الظل" والعقل المدبر لشبكة الأنفاق الهجومية، وقد نجا سابقا من أكثر من ست محاولات اغتيال، ليقضي نحبه في ختام هذا العام بعد مسيرة طويلة من الإعداد والتجهيز.
ولم تتوقف المخاوف عند حدود القتل والدمار، بل امتدت لتشمل مخططات التهجير القسري، التي عززتها التحركات الإسرائيلية الأخيرة والحديث عن "أرض الصومال" كوجهة محتملة، وهو ما قوبل برفض فلسطيني قاطع.
وختاما، ينقضي عام 2025 والاحتلال يعيش عزلة دولية غير مسبوقة، محاصر بتهم الإبادة في المحاكم الدولية وموجات المقاطعة، وبينما يلم الغزيون جراحهم، يبقى السؤال المصيري مفتوحا حول ما إذا كان هذا العام ذروة الانهيار، أم بداية لمسار دولي يعيد الاعتبار للحقوق الفلسطينية المسلوبة.
المصدر:
القدس