د. ثابت أبو الروس: جوهر المشكلة لا يكمن في محطات الوقود أو حجم السيولة النقدية المتداولة وإنما في تعقيدات شحن العملة للجانب الإسرائيلي
سامر أبو حديد: تجاهل الأزمة سوف يقود إلى تعطيل أحد أكثر القطاعات حيوية في الحياة اليومية وفي الاقتصاد الفلسطيني
أيهم أبوغوش: مشكلة تكدس الشيقل تضغط على البنوك وكافة القطاعات لكن المعركة حالياً على قانون خفض استخدام النقد
طارق النتشة: رفض البنوك استلام الأموال النقدية يضعنا أمام أزمة مالية واقتصادية خانقة قد تنعكس مباشرة على توفر المحروقات في السوق
فراس الطويل: أزمة محطات الوقود في طريقها للحل والمشكلة لا تتعلق بالإيداع النقدي بقدر ما هي أزمة تغيير نظام رسوم الترخيص
د. سامح العطعوط: ما تواجهه محطات الوقود يمكن أن يمتد إلى قطاعات اقتصادية أُخرى ما يجعلها تهديداً مباشراً لاستقرار الاقتصاد ككل
حسناء الرنتيسي: أي تعطّل في عمل محطات الوقود سينعكس على الأسعار والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في ظل مرحلة اقتصادية صعبة
تعود أزمة محطات الوقود والغاز في الضفة الغربية إلى الواجهة، وسط تحذيرات من تداعيات خطيرة قد تطول انتظام التزويد بالمحروقات، في ظل إرجاع أسباب الأزمة إلى الإيداع النقدي ورفض البنوك استقبال السيولة المتراكمة لدى أصحاب المحطات، فيما تثار أسباب أخرى لها قد تكون وراء ظهور المشكلة مجدداً.
ويشير محللون ومختصون اقتصاديون ومسؤولون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، إلى أن ما يجري يأتي ضمن سياقاته مرتبطاً بأزمة تكدّس عملة الشيقل وقيود شحنها، ما أدى إلى اختناق مالي انعكس مباشرة على قدرة المحطات على الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الموردة، وسط مخاوف من أن يؤدي استمرار الأزمة وتكرارها دون تدخل فعّال إلى تعطيل قطاع حيوي يمس الحياة اليومية والاقتصاد، ويهدد بموجة ارتدادات تطاول قطاعات وأسعاراً أخرى.
وتبرز إلى جانب أزمة الإيداع النقدي إشكالات أخرى، أبرزها الجدل حول أنظمة ورسوم ترخيص محطات الوقود، إضافة إلى تعقيدات الدفع الإلكتروني.
أزمة متجددة تعكس خللاً بنيوياً عميقاً
يؤكد الخبير والمحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس أن أزمة تكدّس عملة الشيكل وامتناع البنوك عن استقبال الإيداعات النقدية من أصحاب محطات الوقود والغاز ليست جديدة، بل هي أزمة متجددة تعكس خللاً بنيوياً عميقاً يعانيه الاقتصاد الفلسطيني، لا سيما في ملف شحن الشيكل إلى الجانب الإسرائيلي.
ويوضح أبو الروس أن جوهر المشكلة لا يكمن في محطات الوقود أو في حجم السيولة النقدية المتداولة، وإنما في تعقيدات شحن العملة من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي، وهي أزمة تفاقمت بشكل واضح بعد السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، في سياق امتداد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني منذ سنوات.
ويشير أبو الروس إلى أن البيان الصادر عن أصحاب محطات الوقود والغاز يمثل "دقّ ناقوس خطر" حقيقي، ويكشف حجم التراكمات التي وصلت إليها أزمة الشيكل، محذراً من تداعياتها الخطيرة على أحد أكثر القطاعات حيوية وحساسية في الاقتصاد الفلسطيني، وهو قطاع المحروقات.
ويلفت أبو الروس إلى أن الحكومة الفلسطينية سبق وأن تدخلت لمعالجة أزمة مشابهة في قطاع الكهرباء، عبر تخصيص صندوق تقوم شركات الكهرباء بالإيداع فيه، على أن يتم خصم المستحقات من أموال المقاصة لدى الجانب الإسرائيلي، في إطار تسوية مالية وتقاص غير مباشر، وهو حل رغم كونه جزئياً، يمكن البناء عليه ومحاولة إسقاطه على قطاع الوقود.
ورغم ذلك، يبيّن أبو الروس أن تطبيق هذا النموذج في قطاع المحروقات ليس أمراً سهلاً، مشيراً إلى أن المراسلات مع الجانب الإسرائيلي قوبلت برفض بحجة أن شركات الوقود شركات خاصة وليست حكومية، وبالتالي لا يتم التعامل معها كقطاع سيادي، على عكس قطاع الكهرباء.
ويشدد أبو الروس على ضرورة التحرك العاجل عبر عدة مسارات متوازية، أبرزها إعادة تفعيل أنظمة الدفع الإلكتروني للحد من التعامل النقدي، والاستمرار في الضغط السياسي والاقتصادي على الجانب الإسرائيلي لقبول شحن الشيكل، إلى جانب تعزيز التنسيق والتعاون بين وزارة المالية والحكومة الفلسطينية وأصحاب محطات الوقود.
ويطرح أبو الروس مقترحاً استراتيجياً يتمثل في إنشاء شركة وطنية لهيئة البترول الفلسطينية، على غرار شركات نقل الكهرباء والمياه، بحيث تتولى توزيع المحروقات.
ويعتبر أبو الروس أن تحويل قطاع المحروقات إلى قطاع حكومي سيجبر الجانب الإسرائيلي على التعامل معه رسمياً، بما يفتح الباب أمام حلول أكثر استدامة، مشابهة لما هو مطبق في قطاع الكهرباء، مؤكداً أن الأزمة الحالية تستدعي تحركاً حكومياً جاداً قبل تفاقم آثارها على الاقتصاد والمواطنين.
تهديد لاستمرارية عمل محطات الوقود والغاز
يحذّر نقيب أصحاب محطات الوقود والغاز في فلسطين، سامر أبو حديد، من تفاقم أزمة الإيداع النقدي التي تواجه قطاع الوقود، مؤكداً أنها "أزمة قديمة جديدة" لم تُحل جذرياً حتى اليوم، رغم الاجتماعات التي عُقدت مع وزارة المالية والجهات ذات العلاقة.
ويوضح أن هذه الأزمة باتت تشكّل تهديداً مباشراً لاستمرارية عمل محطات الوقود والغاز، وقد تقود إلى توقف توريد المحروقات في حال استمرار رفض البنوك استقبال الإيداعات النقدية.
وبحسب أبو حديد، فإن أصحاب المحطات يعانون من أكثر من إشكالية، إلا أن جوهر الأزمة حالياً يتمثل في رفض البنوك استلام الأموال النقدية، ما يعيق قدرتهم على دفع أثمان الوقود لهيئة البترول، وبالتالي يمنعهم من توريد المحروقات.
ويقول أبو حديد: "نحن لا نلوّح بالإضراب، أو إغلاق المحطات، لكن الواقع يفرض نفسه؛ فالمحطة قد تبقى مفتوحة من دون وقود إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وبالتالي عدم الايفاء بالتزام محطات الوقود أمام زبائنها".
ويشير أبو حديد إلى أنه جرى عقد جلسة مع وزارة المالية، وتم التوافق مبدئياً على معالجة الإشكالات، إلا أن الحلول لم تُنفذ عملياً، وبقيت أزمة الإيداع قائمة.
ويؤكد أبو حديد أن مسؤولية الحل تقع على عاتق الحكومة وسلطة النقد، عبر الضغط على القطاع المصرفي لإيجاد آلية واضحة وفعّالة لاستقبال أموال المحطات.
ويوضح أن التوجه نحو الدفع الإلكتروني، رغم أهميته، لا يمكن تطبيقه بهذه السهولة في ظل الواقع القائم، متسائلاً: "كيف لصاحب محطة يبيع يومياً بنحو 100 ألف شيكل أن يتصرّف بأمواله إذا رفض البنك استلامها؟ كيف سيدفع رواتب الموظفين ويلتزم بتعهداته تجاه الشركات؟".
ويشدّد أبو حديد على أن قطاع الوقود يُعد من الأعمدة الأساسية للاقتصاد الفلسطيني، وأن وزارة المالية تحقق منه إيرادات كبيرة، تقدَّر بنحو 50% من قيمة قطاع الوقود، سواء عبر الضرائب أو الرسوم المفروضة على كل لتر وقود.
ويؤكد أبو حديد أن الوقود يتم شراؤه من الجانب الإسرائيلي عبر قنوات رسمية تشرف عليها الحكومة ممثلة بهيئة البترول، ما يستدعي تدخلاً رسمياً عاجلاً لتسهيل الإجراءات وضمان استمرارية التزويد، محذراً من أن تجاهل الأزمة سيقود إلى تعطيل أحد أكثر القطاعات حيوية في الحياة اليومية والاقتصاد الفلسطيني، مشدداً على ضرورة أن توجد الحكومة آلية لقبض ثمن الوقود كونها هي من تشتريه وتبيعه لأصحاب محطات الوقود والغاز، وعلى البنوك استلام فاتورة مشتريات المحروقات أو الغاز دون أية شروط أو سقوف، لتجنب دخول أصحاب محطات الوقود والغاز في أزمة توقف هذا القطاع الحيوي.
المشكلة بالأساس اقتصادية وليست مصرفية
يوضح الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش أن مشكلة تكدس الشيقل في خزنات البنوك والتي زادت مؤخراً عن (15) مليار شيقل تزيد الضغط على القطاع المصرفي في ظل رفض الجانب الإسرائيلي استقبال مزيد من شحنات الشيقل، مشيراً إلى أن هذه المشكلة بالأساس اقتصادية وليست مصرفية، بمعنى أن الشيقل الفائض يأتي من الاقتصاد الفلسطيني سواء من خلال التعاملات الرسمية أو غيرها، ما فاقم من المشكلة، وفرض تحديات كبيرة على القطاع المصرفي، في ظل عدم قدرتها على تغذية حساباتها لدى البنوك المراسلة الاسرائيلية، وهذا يعيق إتمام العديد من المعاملات المالية مع الجانب الإسرائيلي، أو أنه يفرض حلولاً أخرى على البنوك من خلال القيام بعمليات (SWAP)، لتأمين الشيقل اللازم في حسابات البنوك العاملة في فلسطين لدى البنوك المراسلة في ظل رفض اسرائيل استقبال مزيد من الشحنات من العملة، ما يرفع الكلفة المالية على البنوك، ويفرض تحديات دائمة عليها.
ويؤكد أن مشكلة تكدس الشيقل تضغط على البنوك وكافة القطاعات، لكن المعركة حالياً على قانون خفض استخدام النقد.
ويقول أبو غوش: "إن تقديرات البنوك وسلطة النقد أنه يلزم سنوياً لمعالجة مشكلة تكدس الشيقل أن يستقبل البنك المركزي الإسرائيلي قرابة (30) مليار شيقل، بينما يرفض حالياً استقبال أكثر من (18) مليار شيقل، متذرعاً بأن مليارات الشواقل الفائضة مصدرها السوق غير الرسمي، الأمر الذي دفع سلطة النقد لإيجاد حلول منها إقرار مسودة قانون خفض استخدام النقد، بحيث يمنع إجراء صفقات مالية للصفقة التي تزيد عن (20) ألف شيقل، بهدف تشجيع عمليات الدفع الإلكتروني ومراقبة مصادر تدفق النقد، وهو أمر ذهبت إليه العديد من الدول وفي مقدمتها إسرائيل"، لافتاً إلى أن هذا الأمر بات استحقاقاً على الجانب الفلسطيني، إذ سارعت سلطة النقد لعقد حوار مجتمعي مع مختلف الشرائح والفئات الاقتصادية للاستئناس بالآراء المختلفة حول بنود القانون، وظهر جلياً أن العديد من تلك الشرائح وعلى رأسها أصحاب محطات الوقود يرفضون إقراره أو يتحفظون عليه بالحدّ الأدنى.
ويشير أبو غوش إلى أن بيان أصحاب محطات الوقود والغاز الأخير جاء بعد أيام قليلة فقط على إعلان سلطة النقد استكمالها إدخال التعديلات الفنية والقانونية على مشروع القانون.
ويوضح أبو غوش: "هناك اتفاق منذ أشهر على أن تورد المحطات للبنوك 50% نقداً و50% دفعات إلكترونية، وسمح برفع النسبة لـ70% نقداً في وقت الأزمات، لكن من الواضح أن هذه الآلية لم تعد تروق لأصحاب محطات الوقود ما يثير بعض علامات الاستغراب والاستفهام"، معتقداً أن التهديد بإغلاق محطات الوقود هي خطوة استباقية للدفع باتجاه وقف قانون خفض استخدام "الكاش" أكثر من كونها تعبيراً عن أزمة تتعلق بآلية دفع فاتورة المحروقات.
ويلفت أبو غوش إلى أنه حسب تصريحات لسلطة النقد فإن 50% من التدفقات النقدية الواردة للبنوك بعملة الشيقل، تصل من أربعة قطاعات هي: المحروقات، والذهب، والعقارات، والدخان، الأمر الذي يستوجب زيادة الرقابة تحديداً على هذه القطاعات من قبل الجهات الرسمية للحد من تدفقات النقد بعملة الشيقل وضبط السوق، بالإضافة إلى الضغط على الجانب الإسرائيلي لاستقبال الفائض من عملته في السوق الفلسطيني.
أزمة مالية واقتصادية خانقة
يحذّر رئيس مجلس إدارة "مجموعة الهدى للمحروقات"، طارق النتشة، من تفاقم أزمة تكدّس السيولة النقدية (الكاش) لدى أصحاب محطات الوقود في فلسطين، مؤكداً أن البنوك ترفض بشكل قاطع استلام الأموال النقدية من المحطات، ما يضع القطاع بأكمله أمام أزمة مالية واقتصادية خانقة قد تنعكس مباشرة على توفر المحروقات في السوق.
ويوضح النتشة أن أصحاب المحطات يملكون مبالغ نقدية ناتجة عن بيع المحروقات، إلا أنهم عاجزون عن إيداعها في البنوك، رغم حاجتهم الماسّة لاستخدام هذه الأموال في ترصيد الشيكات التي تم دفعها مسبقاً لهيئة البترول الفلسطينية مقابل أثمان المحروقات.
ويعتبر أن هذا الخلل لا يمكن فصله عن الأزمة الأوسع المتعلقة بتكدّس الشيكل في البنوك الفلسطينية ورفض الجانب الإسرائيلي استلامه.
ويشير إلى ضرورة تحرك رسمي عاجل عبر صياغة كتاب مشترك من وزارة المالية الفلسطينية وهيئة البترول الفلسطينية، يتم توجيهه إلى الشركات المورّدة للوقود، وعلى رأسها شركة "باز" وشركة "دور" الإسرائيلية، لمطالبتها بالضغط على وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، من أجل إصدار تعليمات واضحة للبنوك الإسرائيلية لاستلام الكاش المتكدّس لدى البنوك الفلسطينية، مؤكداً أن ذلك هو المدخل الأساسي لتمكين البنوك من استيعاب النقد من أصحاب محطات الوقود.
ويشدّد النتشة على أن الأزمة تجاوزت بعدها المالي لتتحول إلى مشكلة اقتصادية إنسانية، يتم توظيفها سياسياً من قبل سموتريتش، داعياً المستوى السياسي الفلسطيني والحكومة إلى مخاطبة الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مؤثرة أخرى، بالتوازي مع إطلاق ضغط إعلامي محلي ودولي، لفضح تداعيات هذه السياسات على الاقتصاد الفلسطيني وقطاع المحروقات الحيوي.
نظام جديد لرسوم الترخيص
يعتقد رئيس تحرير موقع "الاقتصادي" الفلسطيني، الصحفي فراس الطويل، أن الأزمة التي أُثيرت مؤخراً بشأن محطات الوقود في الضفة الغربية، وما رافقها من تحذيرات بإمكانية إغلاق المحطات، لم تكن في جوهرها ناتجة عن مشكلة الإيداع النقدي لدى البنوك، بقدر ما كانت مرتبطة بشكل أساسي بنظام جديد لرسوم الترخيص كان مقرراً أن يدخل حيز التنفيذ مطلع عام 2026.
ويوضح الطويل، استناداً إلى معطيات ووثائق اطّلع عليها من داخل اجتماع نقابة أصحاب محطات الوقود والغاز، أن أزمة الإيداع النقدي "قديمة متجددة" وما زالت قائمة ولم تُحل جذرياً، غير أن تفاهمات سابقة كانت قائمة بين أصحاب المحطات ووزارة المالية والبنوك، تقضي باستلام النقد وفق آلية محددة ونسب معينة، ولم يطرأ عليها أي تغيير جديد في الفترة الأخيرة.
ويبيّن أن الاجتماع الذي عقدته نقابة أصحاب محطات الوقود، وشارك فيه عدد كبير من أصحاب المحطات البالغ عددها نحو 280 محطة في الضفة الغربية، ركّز في أجندته بشكل أساسي على بند الرسوم المتعلقة بترخيص المحطات وتجديد تراخيصها.
ويشير إلى أن النظام الجديد، المقرر تطبيقه في 1 كانون الثاني/يناير 2026، ينص على فرض رسوم مقدارها 2000 شيكل عن كل مليون لتر يتم استهلاكه، بدلاً من النظام السابق الذي كان يعتمد على رسوم ثابتة تتراوح ما بين 1200 و2000 شيكل تقريباً، وفق مساحة المحطة.
ويوضح الطويل أن هذا التحول في آلية احتساب الرسوم كان سيؤدي إلى "قفزة كبيرة" في التكاليف، حيث ستضطر بعض المحطات إلى دفع ما بين 300 إلى 500 ألف شيكل بدل تجديد التراخيص، في حين أن محطات صغيرة كانت تدفع سابقاً نحو 1200 أو 2000 شيكل، قد تجد نفسها مطالبة بدفع 15 أو 20 ألف شيكل أو أكثر، تبعاً لحجم الاستهلاك.
ويلفت الطويل إلى أن ربط الرسوم بالاستهلاك بدل المساحة هو ما فجّر حالة الغضب لدى أصحاب المحطات.
ويشير الطويل إلى أنه عقب صدور بيان النقابة وإثارة موضوع الإيداع النقدي، عُقد اجتماع أولي بين النقابة ووزارة المالية، جرى خلاله الاتفاق على تجميد العمل بنظام الرسوم الجديد في المرحلة الحالية، إلى حين بحث الصيغة القانونية لإلغائه بشكل كامل، كما تم الاتفاق على بحث مسألة الإيداع النقدي لاحقاً، بما في ذلك إمكانية رفع نسبة الإيداع المقبولة إلى 70%.
ويؤكد الطويل أن هذه التطورات تدلل على أن سبب تفجّر الأزمة لم يكن الإيداع النقدي بالدرجة الأولى، بل مسألة الرسوم.
وفي ما يتعلق بجذور أزمة الإيداع النقدي، يشدد الطويل على أنها مشكلة سياسية في الأساس، ناجمة عن تكدس الشيكل لدى المصارف الفلسطينية ورفض إسرائيل استلام الفائض، معتبراً أن الحل الحقيقي يتطلب ضغطاً على الجانب الإسرائيلي.
ويشير إلى أن أحد أهداف تحركات نقابة أصحاب محطات الوقود والغاز كان توجيه رسالة ضغط غير مباشرة إلى شركتي (دور) و(باز) الإسرائيليتين، اللتين تستورد منهما هيئة البترول الفلسطينية، من أجل أن تقوم الشركتان بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لحل الأزمة.
ويؤكد الطويل أن الأزمة، وفق المعلومات المتوفرة لديه، محلولة حالياً بين وزارة المالية وأصحاب المحطات، داعياً الجهات المعنية إلى إصدار بيان رسمي لطمأنة الجمهور، وتبديد حالة القلق التي دفعت المواطنين إلى التهافت على محطات الوقود فور تداول الأخبار الأخيرة.
الحلول المطروحة سابقاً لم تكن جذرية
يؤكد الخبير المالي والاقتصادي وأستاذ العلوم المحاسبية في جامعة النجاح الوطنية، د. سامح العطعوط، أن أزمة رفض البنوك استلام الأموال النقدية من أصحاب محطات الوقود والغاز ليست أزمة جديدة أو طارئة، بل هي أزمة مزمنة تعكس خللاً بنيوياً في إدارة الدورة النقدية والاقتصادية في فلسطين، مشدداً على أن الحلول التي طُرحت سابقاً لم تكن جذرية، واكتفت بمعالجة المظاهر دون التطرق إلى جوهر المشكلة.
ويوضح أن هذه الأزمة لا تقتصر على قطاع المحروقات فقط، رغم كونه من أكثر القطاعات حيوية وحساسية، بل يمكن أن تمتد إلى قطاعات اقتصادية أخرى، ما يجعلها تهديداً مباشراً لاستقرار الاقتصاد الفلسطيني ككل. وبيّن أن قطاع المحروقات يتميز بهوامش ربح منخفضة، ولا يستطيع الاستمرار في ظل هذه الهوامش المحدودة إذا استمرت معضلة عدم إيداع الأموال النقدية في البنوك، الأمر الذي يضعف قدرته على الاستدامة ويهدد انتظام تزويد السوق بالمحروقات.
ويشدد العطعوط على ضرورة أن تتعامل البنوك مع هذا القطاع بأولوية خاصة، معتبراً أن الأموال النقدية التي تحققها محطات الوقود هي حصيلة مبيعات حقيقية للمواطنين الفلسطينيين، ولا مبرر لرفض إيداعها، خصوصاً أن تعطّل هذا القطاع ينعكس سلباً على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين، بما في ذلك القدس.
ويشير إلى أن جذور الأزمة تعود في جانب كبير منها إلى سياسات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل ترحيل الأزمات الاقتصادية إلى الجانب الفلسطيني منذ سنوات، معتبراً أن ما يجري هو جزء من حرب اقتصادية موازية للحرب العسكرية، تهدف إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني ودفع السكان نحو الهجرة وتقليص الوجود الفلسطيني على الأرض.
ويدعو العطعوط إلى تعزيز "المناعة الاقتصادية" الفلسطينية عبر تضافر جهود جميع الأطراف، مقترحاً إنشاء مجلس أعلى للاقتصاد الفلسطيني يضم سلطة النقد الفلسطينية، والوزارات المختصة، وممثلي القطاع الخاص، بما في ذلك الغرف التجارية وملتقيات رجال الأعمال.
ويؤكد العطعوط أن جلوس هذه الأطراف على طاولة واحدة، وتوزيع الأعباء والمسؤوليات فيما بينها، كفيل بتجاوز الأزمة، ودعم صمود الفلسطينيين، وتثبيتهم على أرضهم من خلال اقتصاد قادر على الاستمرار في مواجهة الضغوط والتحديات.
البعد الأخطر في هذه الأزمة البعد السيادي
تحذّر الصحفية المختصة بالشأن الاقتصادي حسناء الرنتيسي من خطورة الأزمة المتصاعدة بين أصحاب محطات الوقود والغاز والبنوك الفلسطينية، مؤكدة أن ما يجري لا يمكن اختزاله في كونه خلافاً مالياً أو تقنياً، بل يمثل خللاً بنيوياً عميقاً في دورة النقد والسلع داخل الاقتصاد الفلسطيني، يهدد أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيراً على الحياة اليومية والاستقرار العام.
وبحسب الرنتيسي، فإن البعد الأخطر في هذه الأزمة هو البعد السيادي، إذ إن مصدر الوقود خارجي وآلية إدخال الشيكل وربطه بسقوف الإيداع تخضع عملياً لقرارات بنك إسرائيل، ما يعني أن الأزمة النقدية يتم "تصديرها" إلى الاقتصاد الفلسطيني الهش، الذي يُطلب منه إدارة مأزق لم يكن طرفاً في صناعته بل فُرض عليه بفعل واقع السيطرة النقدية والقيود السياسية.
وترى أن تحميل الأطراف المحلية، سواء الحكومة أو سلطة النقد أو المحطات، مسؤولية كاملة عن الأزمة يتجاهل هذا السياق البنيوي غير المتكافئ.
وتوضح الرنتيسي أن خطورة الأزمة تتضاعف لأنها تمس قطاع الوقود، الذي لا يُعد سلعة عادية، بل مدخل رئيسي للإنتاج في معظم القطاعات الحيوية، من النقل والمشافي إلى الاتصالات وضخ المياه، وأي تعطّل في عمل محطات الوقود، ولو جزئياً، سينعكس فوراً على الأسعار والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً في ظل مرحلة اقتصادية صعبة لا تحتمل أزمات إضافية.
وتبيّن الرنتيسي أن أحد التداعيات المباشرة للأزمة يتمثل في اختناق السيولة النقدية، بعد رفض البنوك استلام الإيداعات، ما حوّل النقد من مورد مالي إلى عبء، وأفقد أموال المحطات قابليتها للتدوير، الأمر الذي يضعف قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه هيئة البترول الفلسطينية، ويهدد استمرارية التزود بالوقود. وتحذر الرنتيسي من أن استمرار هذا الوضع قد يزعزع الثقة بالنظام المالي ككل، عبر ترسيخ رسالة خطيرة مفادها أن "النقد مشكلة"، وهو ما قد يدفع قطاعات أخرى إلى التوسع في التعاملات غير الرسمية خارج الإطار المصرفي.
وفيما يتعلق بالحلول، تشدد الرنتيسي على أن جوهر المشكلة سياسي بالدرجة الأولى، في ظل غياب العملة الوطنية والبنك المركزي، واعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الشيكل الخاضع لسيطرة بنك إسرائيل.
وتؤكد أن سلطة النقد الفلسطينية لا تملك أدوات التحكم بالكميات النقدية أو قرار إدخالها وإخراجها.
وتدعو الرنتيسي إلى عدم تبني منطق الفرض القسري أو المواجهة المفتوحة، نظراً لخصوصية الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال.
وتقترح الرنتيسي اعتماد حلول انتقالية تدريجية تقوم على الإلزام النسبي لا الكلي، عبر تحديد حد أدنى معقول من المبيعات الإلكترونية يتراوح بين 30 و40%، يُراجع دورياً وفق تطورات السوق، بما يخفف ضغط النقد دون إرباك المستهلك أو تهديد المحطات بالإغلاق.
وتدعو إلى استبدال العقوبات بسياسات حوافز، تشمل تخفيض عمولات الدفع الإلكتروني، ومنح أولوية في التزود بالوقود وتسريع التسويات المالية للمحطات الأكثر التزاماً.
وتشير الرنتيسي إلى إمكانية اعتماد سقف نقدي يومي لكل محطة بدل منع النقد كلياً، إلى جانب توفير دعم تقني مباشر وتدريب للعاملين، وتنظيم الخطاب الإعلامي والنقابي بما يحمي المستهلك ويهدئ السوق.
وتؤكد الرنتيسي ضرورة فتح نقاش وطني وأخلاقي موسّع بين جميع الأطراف، يوازن بين حماية الاستقرار الاقتصادي وعدم تحميل المواطن كلفة أزمة لم يكن سبباً فيها، معتبرة أن التحول الذكي في اقتصاد هش لا يكون بالقفز في المجهول، بل بإدارة انتقال هادئة خطوةً خطوة.
المصدر:
القدس