آخر الأخبار

إغلاق الحسابات البنكية...‪.. إجراءات تهدد الجمعيات الأهلية بالشلل والانهيار

شارك

أمجد الشلة: هذه الإجراءات إن تمت دون سند قانوني أو قرار قضائي مخالفة صريحة للقانون وتُلحق أضراراً جسيمة بالعمل الأهلي وبشبكات الأمان المجتمعي

صلاح موسى: هذا الواقع يمثل حكمًا بالإعدام على قطاع العمل الخيري والأهلي وقد يدفع بعض الجهات للجوء إلى وسائل غير قانونية لإدخال الأموال

محمد صبيحات: هذا الإجراء يضرب مجمل العمل الأهلي ويقود إلى انهيار جمعيات ونقابات تمثل شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني

أُبيّ عابودي: تطبيق هذه القرارات يشكل "حكماً بالإعدام" على عمل المؤسسات وسيقود إلى شللها المالي وإغلاقها ما ينعكس سلباً على المجتمع بأسره

إياد الرياحي: الذرائع الأمنية التي تسوقها البنوك تفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع في المنظومة المالية الفلسطينية

تتصاعد التحذيرات في الأوساط القانونية والأهلية من التداعيات الخطيرة لإقدام عدد من البنوك العاملة في فلسطين على إغلاق أو الامتناع عن فتح حسابات مصرفية لجمعيات ومؤسسات أهلية غير ربحية، في خطوة وُصفت بأنها تمس جوهر العمل الأهلي وتضرب شبكات الأمان المجتمعي، في ظل غياب مسوغ قانوني أو قرارات قضائية واضحة تبرر هذه الإجراءات.

ويرى قانونيون ومسؤولون في تلك الجمعيات والمؤسسات، في أحاديث لـ"ے"، أن هذه السياسات المصرفية تقوض قدرة الجمعيات المرخصة رسميًا على إدارة شؤونها التشغيلية، وتهدد استمرارية تمويلها المحلي والدولي، خاصة أن وجود حساب بنكي معتمد يُعد شرطًا أساسيًا للمانحين، كما يُخشى أن يؤدي هذا الواقع إلى فقدان الثقة الدولية، وتعطيل المشاريع، وتهديد حقوق العاملين، فضلًا عن انعكاساته المباشرة على آلاف العائلات المستفيدة من خدمات هذه المؤسسات.

ويدعون إلى تحمّل الجهات الرسمية المختصة مسؤولياتها القانونية والتنظيمية، وفتح حوار وطني شامل يضمن حماية العمل الأهلي، ويكفل التزام البنوك بالقانون، ويمنع خنق الجمعيات ماليًا تحت ذرائع أمنية أو ضغوط خارجية، لما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في فلسطين.

تداعيات قانونية ومجتمعية خطيرة

يحذّر أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين والمستشار القانوني، المحامي أمجد الشلة، من التداعيات القانونية والمجتمعية الخطيرة المترتبة على إغلاق أو منع فتح حسابات بنكية للجمعيات والمؤسسات الأهلية غير الربحية العاملة في فلسطين، مؤكداً أن هذه الإجراءات، إن تمت دون سند قانوني أو قرار قضائي، تُعد مخالفة صريحة للقانون وتُلحق أضراراً جسيمة بالعمل الأهلي وبشبكات الأمان المجتمعي.

ويوضح أن الجمعيات والمؤسسات الأهلية غير الربحية تُعد أجساماً قانونية مسجلة وفق أحكام القانون رقم (1) لسنة 2000 المعروف بقانون الجمعيات الفلسطينية، وأن جهة الاختصاص والإشراف عليها هي وزارة الداخلية الفلسطينية، وبناءً عليه، فإن هذه الجمعيات تتمتع بالشخصية القانونية الكاملة، ولها حقوقها القانونية كما تترتب عليها التزامات وواجبات واضحة ضمن الإطار القانوني الناظم لعملها.

ويشير الشلة إلى أن طبيعة عمل هذه الجمعيات تعتمد أساساً على المنح والهبات والتبرعات، سواء المحلية أو الدولية، ما يجعلها أكثر عرضة للضغط والتأثر بأي قيود مصرفية.

ويبيّن الشلة أن حرمان الجمعيات من فتح أو إدارة حسابات بنكية رسمية يضعها في مواقف شديدة الصعوبة، ويقوض قدرتها على إدارة شؤونها التشغيلية، ويخلق إشكالات حقيقية تتعلق بحقوق العاملين والموظفين داخل هذه المؤسسات.

ويؤكد أن المانحين الدوليين يضعون شرطاً أساسياً وواضحاً لأي تمويل، يتمثل في امتلاك الجمعية أو المؤسسة حساباً بنكياً رسمياً ومعتمداً، وبالتالي، فإن غياب الحساب البنكي القانوني لا يهدد فقط استمرارية التمويل، بل يفقد الجمعيات ثقة الممولين، ويدفعهم إلى سحب التمويل أو الامتناع عن تقديمه، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على وجود هذه المؤسسات واستقرار موظفيها والعاملين فيها.

ويوضح الشلة أن الأثر لا يقتصر على الجمعيات وحدها، بل يمتد إلى المجتمع الفلسطيني ككل، إذ باتت المؤسسات الأهلية تشكل شبكة حماية وأمان اجتماعي لشرائح واسعة من العائلات الفلسطينية، سواء من خلال فرص العمل التي توفرها أو الخدمات الاجتماعية والإنسانية التي تقدمها، وأي مساس بعملها من شأنه إلحاق أضرار فادحة بالنسيج الاجتماعي، وزيادة معدلات البطالة والفقر.

ويشدد الشلة على أنه لا يجوز لأي بنك أو مؤسسة مصرفية إغلاق حساب أو منع فتح حساب لجمعية أو مؤسسة أو حتى لأفراد، إلا استناداً إلى مسوغ قانوني واضح أو قرار قضائي صادر عن جهة مختصة.

ويوضح الشلة أن أي إجراء يُتخذ خلافاً لذلك يضع البنك المعني تحت طائلة المسؤولية القانونية، ويعرضه للمساءلة.

وفي ما يتعلق بالحلول، يدعو الشلة السلطة الفلسطينية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والوطنية كاملة، مؤكداً أن الدولة، بصفتها صاحبة القرار واليد العليا، لا يجوز لها التهرب من هذه المسؤوليات أو الادعاء بالعجز. ويطالب الشلة بإطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف ذات العلاقة، بما فيها البنوك، والجمعيات، وسلطة النقد الفلسطينية التي تتحمل المسؤولية الأولى والمباشرة عن تنظيم العمل المصرفي.

ويدعو الشلة إلى تنظيم حملة ضغط إعلامية وحقوقية واسعة لمواجهة هذه القرارات، التي تخالف القانون الأساسي الفلسطيني ولعدد من القوانين النافذة، مؤكداً أن تعميم العقاب على جميع الجمعيات يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي.

ويشدد الشلة على ضرورة إيجاد شبكة حماية قانونية متوازنة، تحمي الجمعيات من الخنق المالي، وفي الوقت ذاته توفر غطاءً قانونياً للبنوك، خاصة في ظل الضغوط والمخاطر التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، الذي هو السبب الجذري لكثير من هذه الإشكالات.

ضربة قاصمة للعمل الخيري والأهلي

يحذّر الكاتب والمستشار القانوني المحامي صلاح موسى من التداعيات الخطيرة لامتناع عدد من البنوك المحلية والوافدة عن فتح حسابات مصرفية للجمعيات، بذريعة الخشية من الملاحقة الإسرائيلية أو الدعاوى القضائية الأميركية، مؤكدًا أن هذه السياسة تشكل ضربة قاصمة للعمل الخيري والأهلي في فلسطين، وتفرغ قرارات الجهات الرسمية من مضمونها.

ويوضح موسى أن قرار وزارة الداخلية بتسجيل الجمعيات يصبح "حبرًا على ورق" في ظل رفض البنوك فتح حسابات مصرفية لها، مشددًا على أن أي جمعية، مهما كانت قانونية ومسجلة رسميًا، لا يمكنها ممارسة عملها أو تنفيذ مشاريعها التنموية أو الإغاثية دون وجود حساب بنكي يتيح لها إدارة أموالها بشكل قانوني وشفاف، كما أن هذا الواقع يمثل عمليًا حكمًا بالإعدام على قطاع العمل الخيري والأهلي في فلسطين.

ويشير إلى أن هذه السياسة المصرفية لا تقتصر آثارها على تعطيل عمل الجمعيات، بل تحمل مخاطر أكبر، إذ قد تدفع بعض الجهات إلى اللجوء لوسائل غير قانونية لإدخال الأموال، ما يفتح الباب أمام تمرير الأموال بطرق غير صحيحة وخارج نطاق الرقابة والمحاسبة، وهو ما يتناقض مع مبادئ الشفافية ومكافحة غسل الأموال التي تدّعي البنوك الالتزام بها.

ويقول موسى: "هناك العديد من الحالات لجمعيات مسجلة لدى وزارة الداخلية، قمت برصدها شخصياً، حيث رفضت عدة بنوك فتح حسابات بنكية لتلك الجمعيات، وبعض البنوك قامت بإغلاق حسابات موجودة لجمعيات أخرى".

ويوضح أن امتناع البنوك عن فتح حسابات للجمعيات يحرم الاقتصاد الفلسطيني من تدفق التمويل، ويؤدي إلى تقليص فرص التشغيل والعمل، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متراكمة.

ويؤكد موسى أن المسألة لا تتعلق بمحاولة "إقناع" البنوك لتتراجع عن قرارها هذا، بل تتطلب تدخلًا حاسمًا من سلطة النقد الفلسطينية للقيام بدورها الرقابي، وإبلاغ البنوك بفرض غرامات على أي بنك يمتنع عن فتح حساب لجمعية مسجلة دون مسوغ قانوني واضح.

ويدعو موسى إلى فتح حوار مؤسسي يضم وزارة الداخلية، وسلطة النقد، ووحدة مكافحة غسل الأموال، وجمعية البنوك، إضافة إلى الجهات الأمنية المختصة، بهدف بلورة موقف وطني واضح يحدد آليات التعامل مع إجراءات فتح الحسابات للجمعيات.

ويتساءل موسى عن منطق البحث عن حلول لبنوك تحقق ملايين الأرباح داخل فلسطين، في حين ترفض بعض هذه البنوك فتح حسابات لجمعيات حاصلة على شهادات رسمية صادرة عن جهات سيادية فلسطينية، محذرًا من أن استمرار هذا النهج يعني عمليًا أن البنوك باتت تمنح "التسجيل الفعلي" للجمعيات، فيما تفقد قرارات وزارة الداخلية قيمتها القانونية.

ويرى موسى أن ما يجري يمثل اختبارًا حقيقيًا لجهة امتلاك القرار في فلسطين: هل هو بيد السلطة والقانون، أم بيد البنوك، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع ينذر بتحول خطير يمس مبدأ المشروعية السياسية، ليحل محله منطق "المشروعية الوظيفية" للبنوك.

القرار نتيجة ضغوط وتهديدات من جهات خارجية

يؤكد الأمين العام لجمعية تجمع أسر الشهداء في فلسطين، محمد صبيحات، أنه تم إبلاغ الجمعية رسميًا من قبل بنك فلسطين بإغلاق حسابها البنكي قبل نحو أسبوعين، في خطوة وصفها بالخطيرة والتي من شأنها شلّ عمل الجمعية وتهديد وجودها، مؤكّدًا أن القرار اتُّخذ دون سابق إنذار، وتبين أنه جاء نتيجة ضغوط وتهديدات من جهات خارجية.

ويوضح صبيحات أن الجمعية سارعت فور علمها بالأمر إلى التواصل مع الجهات الرسمية ذات العلاقة، وعلى رأسها وزارة الداخلية وسلطة النقد الفلسطينية، إلا أن المعطيات التي توافرت تشير إلى أن جهات خارجية طالبت بإغلاق حسابات محددة في بنك فلسطين، من بينها حساب تجمع أسر الشهداء، لافتًا إلى أن الحساب أُغلق فعليًا بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دون إبلاغ الجمعية في حينه.

ويبيّن صبيحات أن الجمعية لم تكتشف إغلاق الحساب إلا بعد صرف حوالة تشغيلية من وزارة المالية قبل نحو أسبوعين، حيث لم تُصرف الحوالة رغم تأكيد الوزارة إرسالها.

ويقول صبيحات: "بعد مراجعات متكررة مع البنك، أُبلغنا بأن الحوالة لا يمكن إدخالها لأن الحساب مغلق، وعند الاستفسار تبين أن قرار الإغلاق اتُّخذ منذ 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكننا لم نُبلغ بذلك إلا بعد وصول الحوالة الشهرية".

ويؤكد صبيحات أن هذا الإجراء سيؤدي عمليًا إلى إغلاق الجمعية بالكامل، نظرًا لعدم وجود أي إمكانية لتشغيلها في ظل إغلاق حسابها البنكي، موضحًا أن الحساب لا يحتوي أصلًا على أرصدة نقدية، بل يُستخدم فقط لاستقبال مخصص تشغيلي شهري بسيط من وزارة المالية، يتم صرفه بشكل مباشر لتغطية نفقات أساسية، مثل فواتير الكهرباء والمياه وبعض الاحتياجات التشغيلية المحدودة.

ويشدد على أن الجمعية مرخصة رسميًا كجمعية خيرية، ولا تقوم بدفع أي مخصصات أو رواتب لأي جهات أو أفراد، سواء موظفين أو أسر شهداء، مؤكدًا أن الموازنة التشغيلية التي تتلقاها الجمعية صغيرة ومحدودة ولا تمت بصلة لأي نشاط مالي آخر.

ويشير صبيحات إلى أنه بالإمكان مراجعة سجل الحساب منذ افتتاحه في عام 2004، حيث تُظهر بوضوح أنه لم تدخل إليه أي حوالات مالية، لا محلية ولا خارجية، باستثناء المخصص التشغيلي القادم من وزارة المالية فقط.

ويقول صبيحات: "حتى عندما طلبت من البنك مراجعة حركة الحساب، تبيّن أن مصدر كل الحوالات منذ افتتاح الحساب وحتى اليوم هو وزارة المالية الفلسطينية، ولا يوجد أي تعاملات مالية أخرى يمكن أن تُبرر هذا الإجراء".

وينتقد صبيحات تصرف البنوك منفردة بهذا الشأن، مؤكدًا أن المؤسسات المصرفية لا يجوز أن تتخذ قرارات من هذا النوع بمعزل عن الجهات الرسمية المختصة.

ويوضح أن سلطة النقد الفلسطينية هي الجهة المسؤولة عن تنظيم عمل البنوك، فيما تقع مسؤولية الإشراف على الجمعيات على عاتق وزارة الداخلية، وكان يفترض بالبنوك الالتزام بتعليمات هذه الجهات لا العمل وفق إملاءات خارجية.

ويحذّر صبيحات من أن هذا الإجراء لا يستهدف جمعية تجمع أسر الشهداء فحسب، بل يضرب مجمل العمل الأهلي، ويقود إلى انهيار جمعيات ونقابات تمثل شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني.

ويؤكد صبيحات أن تجمع أسر الشهداء، الذي تأسس عام 1994، يُعد جسمًا نقابيًا واجتماعيًا يمثل أسر الشهداء، وأن المساس بعمله يشكل مساسًا مباشرًا بهذه الشريحة وبحقها في التنظيم والتمثيل.

انتهاك واضح لمبادئ العمل المؤسسي

يحذّر عضو اللجنة التنسيقية في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أُبيّ عابودي من خطورة القرارات التي بدأت بعض البنوك المحلية والوافدة باتخاذها، والقاضية بمنع فتح أو إغلاق حسابات بنكية لعدد من الجمعيات والمؤسسات الأهلية الفلسطينية، مؤكداً أن هذه الإجراءات غير قانونية وتشكل انتهاكاً واضحاً لمبادئ العمل المؤسسي ولمبدأ الشمول المالي الذي أعلنت سلطة النقد الفلسطينية التزامها به.

ويوضح أن هذه القرارات تمثل، في جوهرها، خضوعاً مباشراً لإملاءات إسرائيلية تسعى إلى تقويض كافة أشكال التنظيم المجتمعي الفلسطيني، عبر استهداف المؤسسات والجمعيات التي تشكل ركيزة أساسية في حياة المجتمع الفلسطيني.

ويشير عابودي إلى أن العمل الأهلي في فلسطين ليس ظاهرة طارئة، بل هو امتداد تاريخي نشأ استجابة لاحتياجات المجتمع الفلسطيني قبل قدوم السلطة الفلسطينية، لافتاً إلى أن بعض الجمعيات العاملة اليوم تمتلك تسجيلات قانونية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، بما في ذلك تسجيلات عثمانية.

ويؤكد عابودي أن القطاع المصرفي الفلسطيني لا يجوز له التنصل من مسؤولياته الوطنية والقانونية، مشدداً على أن الجمعيات الأهلية تقوم بدور محوري في خدمة أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، وهي المستجيب الأول في حالات الكوارث والطوارئ الناتجة عن الاحتلال، إضافة إلى دورها في حفظ الرواية الفلسطينية والدفاع عن القضايا القانونية للفلسطينيين أمام المحافل الدولية.

ويعتبر أن تطبيق هذه القرارات يشكل "حكماً بالإعدام" على عمل هذه المؤسسات، وسيقود فعلياً إلى شللها المالي وإغلاقها، ما ينعكس سلباً على المجتمع الفلسطيني بأسره.

ويشير عابودي إلى أن الجمعيات المستهدفة تعمل وفق القانون الفلسطيني، وتلتزم بإجراءات التسجيل الرسمية، وترفع تقاريرها الدورية، وتدفع الضرائب والرسوم المترتبة عليها، وتخضع لأعلى معايير الرقابة والمتابعة.

ويدعو عابودي سلطة النقد الفلسطينية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والتنظيمية، من خلال تطبيق القانون وإلزام البنوك بفتح الحسابات لكافة الجمعيات المسجلة والعاملة وفق الأطر القانونية الفلسطينية.

ويشدد عابودي على ضرورة أن توضح سلطة النقد للبنوك العاملة في فلسطين أن لديها التزامات قانونية وأخلاقية تجاه المجتمع الفلسطيني، وأن دورها يجب أن يكون تسهيلياً وداعماً للعمل الأهلي، لا معيقاً له، حفاظاً على استمرارية المؤسسات التي تشكل أحد أعمدة الصمود المجتمعي الفلسطيني.

سابقة خطيرة تمسّ جوهر النظامين القانوني والسياسي

يحذّر الباحث في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، إياد الرياحي، من خطورة لجوء بعض البنوك العاملة في فلسطين إلى منع فتح حسابات بنكية للجمعيات الأهلية والتعاونية، أو إغلاق حسابات قائمة، بذريعة تجنّب الملاحقة من الاحتلال الإسرائيلي أو الدعاوى القضائية في المحاكم الأميركية، معتبرًا أن هذه الإجراءات تمثّل سابقة خطيرة تمسّ جوهر النظام القانوني والسياسي الفلسطيني.

ويوضح أن هذه الممارسات تطرح تساؤلات جوهرية حول التناقض القائم بين منح وزارة الداخلية الفلسطينية تراخيص رسمية للجمعيات الأهلية والتعاونية، وبين امتناع البنوك عن فتح حسابات لها أو مطالبتها بإغلاق حساباتها.

ويتساءل الرياحي: كيف يمكن لجمعية حاصلة على ترخيص قانوني للعمل أن تُمنع من حق أساسي كفتح حساب بنكي؟ معتبرًا أن هذه العملية لا يجب أن تتم بهذه السهولة، ولا يجوز لسلطة النقد الفلسطينية الوقوف على الحياد إزاءها.

ويشير الرياحي إلى أن الذرائع الأمنية التي تسوقها البنوك، سواء كانت حقيقية أو تحت مسمى "المخاوف الأمنية"، تفتح الباب أمام تدخل إسرائيلي أوسع في المنظومة المالية الفلسطينية، محذرًا من أن ذلك قد يمكّن إسرائيل مستقبلًا من التحكم بكل حساب فردي أو مؤسسي داخل البنوك الفلسطينية، وتحديد من يحق له فتح حساب أو إغلاقه.

ويلفت الرياحي إلى أن هذه الإجراءات لا يمكن فصلها عن أزمة أعمق تتعلق ببنية النظام السياسي الفلسطيني وآليات تعاطيه مع الضغوط الإسرائيلية، مستشهدًا بحالات سابقة أُغلقت فيها جمعيات فلسطينية بقرارات إسرائيلية دون أن تقابلها إجراءات فعلية من وزارة الداخلية، إضافة إلى إغلاق مكاتب إعلامية، وتجميد حسابات عائلات الأسرى والشهداء والجرحى.

ويعتبر الرياحي أن ما يجري هو "سلسلة ابتزازات غير منتهية"، محذرًا من أن التجربة التاريخية تؤكد أن إسرائيل، في حال قُدّم لها تنازل جزئي، ستسعى للسيطرة الكاملة.

ويؤكد أن المطلوب ليس من البنوك أن تدخل في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بل أن يتحمل النظام السياسي الفلسطيني مسؤوليته في هذه المواجهة، وأن تقوم سلطة النقد بدورها القانوني المنوط بها، لا سيما في الإشراف على عمل البنوك وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات. ويشدّد الرياحي على أن اتخاذ عدد من البنوك قرارات فردية أو جماعية بإغلاق الحسابات دون موافقة سلطة النقد يمنحها سلطة مفرطة داخل المجتمع الفلسطيني، تتجاوز دورها المهني والمالي.

ويبيّن الرياحي أن استمرار هذه السياسات سيؤثر بشكل مباشر على عمل الجمعيات الفلسطينية، ويفرض عليها أنماطًا متعددة من الرقابة، حيث قد تتحول البنوك إلى جهة رقابية على الخطاب والأنشطة، وتمنح نفسها حق تقييم ما إذا كانت أنشطة جمعية ما قد تضر بمصالح البنك أو "تستفز الاحتلال"، وهو مسار بالغ الخطورة.

ويدعو الرياحي الجمعيات التي تعرضت لإغلاق حساباتها أو منعها من فتح حسابات جديدة إلى اللجوء للقضاء ومقاضاة البنوك المعنية، معتبرًا أن هذه الخطوة تشكل بداية ضرورية لمواجهة ما وصفه بـ"التعسف المصرفي"، وحماية الفضاء الأهلي والاقتصادي الفلسطيني من مزيد من التضييق.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا