آخر الأخبار

قصص إنسانية لنساء فقدن المعيل والمأوى في حرب الإبادة الإسرائيلية بغزة

شارك

في مخيم نزوح عشوائي أقيم وسط مدينة غزة، وجدت الشابة الفلسطينية رفقة الدغل ملاذها الأخير، بعدما دمرت حرب الإبادة الإسرائيلية منزلها وخطفت منها زوجها.

تعيش رفقة (23 عاما) مع طفلتها الوحيدة ملك داخل خيمة مهترئة ثبتتها قرب مكب نفايات، في مكان يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

فالرياح الباردة الشديدة لا تتوقف عن اقتلاع أطراف الخيمة، ومياه الأمطار تتسلل إلى ثقوبها، فيما تحاول الأم الشابة التكيف مع واقع فرضته الحرب قسرا.

على طرف الخيمة المهترئة تنحني الأرملة الشابة فوق موقد بدائي، تحاول إشعال عيدان خشب رطبة لإعداد مشروب دافئ لطفلتها التي لم تتجاوز عامها الأول، فيما التصقت الصغيرة بظهر أمها خوفا من الرياح الشديدة التي كادت أن تقتلع الخيمة من الأرض.

تقول رفقة: "لم أتصور يوما أن أعيش في خيمة تحت هذا البرد القارس، منذ أن فقدت بيتي وزوجي لم تعد الحياة كما كانت".

وقبل حرب الإبادة، كانت رفقة تعيش في منزل متواضع مع زوجها يوسف حسان (24 عاما)، إذ كان يعمل في مصنع للمعجنات والحلوى، ويوفر للأسرة احتياجاتها الأساسية.

وتضيف: "لم تكن حياتنا مليئة بالترف، لكنها كانت كافية لتجعلنا سعداء، إلى أن جاءت الحرب واختطفت منا شيئا مهما.. زوجي الذي كان يملأ حياتنا ويلبي كل احتياجاتنا".

رفقة ويوسف عقدا قرانهما قبل أسبوع من حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وكانا يحلمان ببدء حياة هادئة ومستقرة، قبل أن تقلب أحلامهما رأسا على عقب.

لكن هذه الأمنية بقيت بعيدة المنال، إذ تزوجا خلال الحرب وذاقا معا مرارة النزوح القسري من منزلهم في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، متنقلين بين أحياء ومدن القطاع كغيرهما من مئات آلاف الفلسطينيين.

ولادة طفلتهما الوحيدة ملك في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لم تكن مناسبة عادية، إذ ملأت حياتهما سعادة رغم الظروف القاسية التي فرضتها الحرب وما رافقها من نزوح ودمار.

ومع اتساع رقعة الحرب التي استمرت عامين، وتعطل مظاهر الحياة في غزة، فقد يوسف عمله الذي كان مصدر الدخل الوحيد للعائلة، في وقت واجه فيه الفلسطينيون مجاعة مميتة بفعل السياسات الإسرائيلية.

وتتابع رفقة: "بعد أن فقد زوجي عمله لم يعد لدينا مصدر دخل، ولا ما نأكله أو نطعمه لطفلتنا ملك".

وأمام معاناة زوجته وطفلته مع الجوع والحرمان، لم يقف يوسف مكتوف الأيدي، ولم يعد أمامه خيار سوى السعي للحصول على مساعدات إغاثية حالت الإجراءات الإسرائيلية دون إدخالها بانتظام إلى القطاع.

وفي 5 أغسطس/ آب 2025، وبينما حاول يوسف الحصول على كيس دقيق من أعلى شاحنة ازدحم حولها مئات الفلسطينيين قرب حاجز "زيكيم" شمال غربي قطاع غزة، أطلق قناص إسرائيلي النار عليه فأرداه قتيلا.

وتكمل رفقة بصوت مكسور: "كان زوجي مجبرا كغيره على الذهاب إلى مناطق إدخال المساعدات الإنسانية.. لم أنم ليلة دون أن أراه حيا بيننا، لكنه غاب عنا قسرا.. غاب دون عودة".

ومع تصاعد موجات البرد والأمطار، تولي رفقة عناية مضاعفة لطفلتها، وتحاول سد منافذ الرياح والمياه إلى خيمتها التي تؤوي 9 أشخاص في مكان يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية.

في المخيم ذاته المحاذي لمكب النفايات، تتراص خيام من القماش والنايلون، تخفي داخلها حكايات موجعة، فيما تتسلل مياه الأمطار عبر ثقوبها لتقض مضاجع نازحين أنهكهم البرد والجوع.

لم أتصور يوما أن أعيش في خيمة تحت هذا البرد القارس، منذ أن فقدت بيتي وزوجي لم تعد الحياة كما كانت.

** معاناة مزدوجة

في خيمة أخرى، تعيش الأرملة منال العرعير (52 عاما) منذ عدة أشهر على فراش أرضي متسخ تحت سقف مهترئ، بعد أن فقدت زوجها وأصيبت بشلل أقعدها عن الحركة إلا بمساعدة أبنائها.

وتقول، بينما يجلس أصغر أبنائها محمود (8 أعوام): "زوجي كان يعمل تاجر معادن.. كنا نأكل ونضحك وننام في بيت يجمعنا، ولم نشعر يوما أنه ينقصنا شيء. اليوم، لا بيت ولا زوج ولا حتى جدار أستند إليه".

وتستعيد منال آخر لحظات زوجها أيمن العرعير (50 عاما)، يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين خرج لنجدة أقاربه في منزل مجاور بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، بعد قصف إسرائيلي دمره على رؤوس ساكنيه.

يومها انتظرت منال عودته حتى جاء خبر مقتله جراء حزام ناري عنيف نفذته طائرات إسرائيلية، ودمر المنطقة بالكامل.

وتضيف: "أخبروني أن جسده تمزق إلى أشلاء.. منذ ذلك اليوم أصحو وأسأل عنه، لقد ترك وراءه فراغا لا يملأه أحد".

وتتابع بعد أن غالبتها الدموع: "زوجي كان كل شيء بالنسبة لنا، وقد ملأ حياتنا سعادة ولم يقصر معنا بشيء، لكن الاحتلال حرمنا منه وأفقدنا عمود العائلة.. كم أتمنى أن يكون معنا في هذه الظروف الصعبة".

ولا تقتصر مأساة هذه الأرملة على غياب زوجها، إذ فقدت هي وأبناؤها الخمسة مأواهم الوحيد في حي الشجاعية المدمر، ولم يعد أمامهم سوى العيش في خيمة يملؤها الذباب والحشرات رغم أجواء البرد بسبب قربها من مكب النفايات.

** أرقام صادمة

وبلغة الأرقام، يوضح مدير مركز المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية زاهر الوحيدي، أن حرب الإبادة الإسرائيلية خلفت كارثة إنسانية غير مسبوقة في قطاع غزة.

ويشير في حديثه، إلى مقتل نحو 70 ألفا و300 فلسطيني وإصابة 171 ألفا آخرين، بينهم أكثر من 20 ألف طفل و10 آلاف امرأة و5 آلاف من كبار السن.

ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن 22 ألفا و750 امرأة فقدن المعيل والمسكن، ووجدن أنفسهن مع أبنائهن بلا مأوى ولا مورد رزق.

ويضيف: "الحرب يتمت أسرا كاملة ورمّلت آلاف النساء، ومسحت عائلات بكاملها من السجل المدني، فلم يبقَ من بعضها سوى ناجٍ واحد فقط".

كما خلّفت الحرب أكثر من 58 ألف طفل يتيم، منهم ما يزيد على 49 ألفا فقدوا آباءهم، وأكثر من 5 آلاف فقدوا أمهاتهم، وأكثر من 3 آلاف فقدوا الوالدين معا، وفق الوحيدي.

ويشير إلى أن أكثر من 2600 أسرة تعرضت للاندثار الكامل، بينما شهدت أكثر من 5 آلاف أسرة مجازر لم ينجُ منها سوى فرد واحد، إلى جانب 6 آلاف أسرة فقدت فردا أو أكثر.

ويؤكد الوحيدي أن هذه "الأرقام المفزعة تعكس حجم الكارثة التي لا يمكن للعقل البشري تصورها".

يذكر أن حرب الإبادة الإسرائيلية حصدت أيضا أرواح أكثر من ألف طفل دون عامهم الأول، فيما "وُلد أكثر من 450 طفلًا خلال الحرب، واستشهدوا قبل أن يعرفوا من الحياة سوى أصوات القصف والصواريخ" وفق بيانات رسمية سابقة.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا