آخر الأخبار

تحليل للأوضاع في الضفة الغربية وغزة: السلطة الفلسطينية، الاستيطان، والمأزق الوجودي

شارك

بعد جولة مكثفة في الضفة الغربية المحتلة، ولقاءات مع ناشطين وشخصيات وطنية ومحررين وأمهات شهداء وأسرى، ومعايشة قصص اقتحامات المستوطنين اليومية، والاستماع إلى شروحات من حراس القرى حول كاميرات المراقبة التي تم تكسيرها، يمكن تقديم صورة حقيقية عن الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، مع اقتراح سبل للخروج من المأزق الوجودي الذي تسببت به اتفاقية أوسلو.

السلطة الفلسطينية تعاني من تدهور داخلي وخارجي، فهي تواجه ضغوطًا من الاحتلال الإسرائيلي وممارسات يعتبرها البعض ديكتاتورية، حيث يسيطر الرئيس على السلطة بشكل كامل. وتسعى السلطة لإجراء انتخابات مبنية على الاعتراف بأوسلو وتحديد مفهوم فلسطين بالضفة وغزة فقط، وهو ما يثير جدلاً واسعًا.

في سابقة تاريخية، قد يقوم رئيس سلطة منتهية ولايته بتحديد من هو المواطن الفلسطيني بناءً على معايير سياسية، مما قد يستبعد غالبية الشعب الفلسطيني ويقتصر التمثيل على مجموعات معينة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعًا كبيرًا في شعبية بعض الشخصيات القيادية. العقوبات المالية والسيطرة العسكرية الإسرائيلية تساهم في إضعاف قدرة السلطة على الحكم، حيث لا تمارس صلاحيات حقيقية في المناطق (ب) و(ج)، وحتى في المنطقة (أ) تقتصر صلاحياتها على الجانب الإداري مع استمرار الاقتحامات الإسرائيلية.

التوسع الاستيطاني الإسرائيلي يتسارع بهدف السيطرة على كل شبر في الضفة الغربية والقدس، ويرافقه عنف متزايد يستهدف تدمير المحاصيل والأشجار، خاصة الزيتون. هذا العنف ليس عشوائيًا بل ممنهج، ويستهدف مختلف القرى والبلدات والمدن. وقد خصص وزير المالية الإسرائيلي مؤخرًا ميزانية كبيرة لبناء مستوطنات جديدة. في العامين الماضيين، قُتل أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية، وأصيب الآلاف، واعتقل أكثر من 14 ألفًا، ودمرت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، مما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف.

الضفة الغربية مقسمة إلى كانتونات معزولة، حيث توضع بوابات على مداخل القرى والبلدات لعزلها عند إغلاقها، وقد تجاوز عدد هذه البوابات الألف. بالإضافة إلى ذلك، تنتشر الحواجز الثابتة والمتحركة على الطرقات، وتغلق بشكل منهجي لتعميق الشعور بالذل والإحباط، مما يدفع البعض إلى التعبير عن غضبهم الداخلي بشكل سلبي، ويزيد من الشعور بالفردية والعدوانية، ويدفع للهجرة.

غزة تخضع لسيطرة استعمارية متوحشة، حيث يسعى الاحتلال لتحقيق أهداف لم يتمكن من تحقيقها عسكريًا من خلال السياسة والحرب من طرف واحد، وبتواطؤ أطراف مختلفة. غزة تنتظرها أيام صعبة تحت إدارة "مجلس السلام" الذي تم تصميمه وفقًا للمصالح الإسرائيلية. فتح معبر رفح يهدف فقط إلى تفريغ السكان. القرار الأممي الذي اعتمد مشروعًا للسلام سيعيد تشكيل غزة بطريقة تخدم المشروع الصهيوأمريكي الاستعماري.

السلطة الفلسطينية تنهار تحت ضغط الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الديكتاتورية، وتسعى لفرض انتخابات تعترف بأوسلو.

المجتمع المدني في الضفة الغربية والقدس يتآكل، وتقمع السلطة حرية التعبير والتجمع والرأي. البدائل السياسية مكبوتة، والفصائل الموجودة لا تستطيع حشد الدعم الشعبي. هذا الإحباط السياسي قد يؤدي إلى اليأس والهجرة، ويزيد من احتمالية انفجار الأوضاع في الضفة الغربية.

في ظل غياب هيئات تشريعية فاعلة وتنافس على السلطة، قد تشهد المرحلة التي تلي رحيل الرئيس الحالي حالة من الفوضى، قد تصل إلى مواجهات بين مراكز قوى مختلفة، مما قد يشجع الاحتلال على استغلال الأوضاع لإنهاء أي وجود فلسطيني، حتى لو كان محدودًا.

السلطات العسكرية الإسرائيلية أغلقت مقرات ووكالات الأونروا، وأجبرتها على مغادرة المخيمات في الضفة الغربية، مما يزيد من معاناة اللاجئين ويقيد حصولهم على الخدمات الأساسية.

العالم العربي أدار ظهره للقضية الفلسطينية، حيث تمنع مظاهر التضامن مع فلسطين في العديد من الدول. العالم بشكل عام تعامل مع وقف إطلاق النار في غزة وكأن الأمور عادت إلى طبيعتها، وبدأت بعض الدول في إعادة ترتيب علاقاتها مع الاحتلال، وتجاهلت معاناة سكان غزة. كما أن اعتراف بعض الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية لم يترجم إلى أفعال ملموسة.

مؤتمر الحوار الوطني في اسطنبول كان فرصة للبحث عن بدائل، لكن مخرجاته لم تكن على مستوى التحدي. تشكيل جبهة وطنية للدعم الشعبي غير كاف، والأمل معقود على إنشاء جبهة إنقاذ وطني تمثل الشعب الفلسطيني في كل مكان وتعمل على استعادة حقوقه.

يجب التحضير لمؤتمر وطني شامل يضم ممثلين عن كل أطياف الشعب الفلسطيني، وإنشاء جبهة إنقاذ وطني لسحب الشرعية ممن لا يستحقونها، والتقدم نحو مشروع وطني شامل يقر بالحقائق والحقوق ويلتزم بها.

القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا