ترجمة الحدث
تنقل صحيفة هآرتس الإسرائيلية واحدة من أكثر التقديرات حدّة داخل المؤسسة الأمنية للاحتلال بشأن مستقبل الضفة الغربية، إذ تشير شهادات ضباط ومسؤولين حاليين وسابقين إلى انهيار متسارع في قدرة الجيش على أداء دوره باعتباره “السلطة الحاكمة” في الميدان، مقابل تمدد غير مسبوق للميليشيات الاستيطانية، بدعم مباشر من وزراء وحاخامات وأعضاء كنيست.
وبينما تنشغل الحكومة بحروب غزة ولبنان، تتعامل المؤسسة الأمنية مع الضفة بوصفها “الساحة الأكثر اشتعالًا”، وأن أي حادثة واحدة قد تشعل انفجارًا شاملًا. بحسب هآرتس، يحذر كبار الضباط من أن إضعاف مكانة جيش الاحتلال في الضفة الغربية بضغوط من وزراء اليمين، أنتج حالة متوترة قد تنفجر في أي لحظة. أحد المسؤولين الأمنيين لدى الاحتلال قال للصحيفة: “لا أحد يتولى المسؤولية في الضفة. الجميع يعرف أننا على حافة الانفجار، لكن لا أحد يجرؤ على الكلام”.
ويؤكد ضباط شاركوا في تدريبات تقييمية الأسبوع الماضي أن الضفة “هي الساحة الأكثر قابلية للاشتعال”، وأن الجيش يتصرف بصمت فيما يمكن لحدث واحد فقط أن يحوّلها إلى مواجهة واسعة. وتشير شهادات ضباط آخرين إلى أن القيادات الميدانية في الجيش تخشى الإبلاغ عن الانتهاكات أو فرض القانون، لأن أي محاولة كهذه تجعلهم هدفًا للمستوطنين الذين يستمدون قوتهم من دعم وزراء وأعضاء كنيست.
وتكشف الصحيفة أن حكومة الاحتلال والجيش لم يعقدا منذ أشهر أي نقاش استراتيجي متعلق ب الوضع في الضفة ، رغم الارتفاع في الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين وحتى ضد الضباط. ويقول أحد الضباط إن الشهور الأخيرة شهدت ست حوادث كان يمكن أن تنتهي بمجزرة شبيهة بحرق عائلة دوابشة في دوما، لكن صمت القيادة السياسية والأمنية منح المستوطنين “هامش حصانة” لم يكن موجودًا من قبل.
وفيما يغيب وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس عن أي دور فعلي، يتولى بتسلئيل سموتريتش وأوريت ستروك إدارة شؤون “الإدارة المدنية” وتنفيذ خطوات الضم الزاحف. ورغم ذلك لا يوجد –وفق المصادر– أي نقاش رسمي حول خطط الضم أو مستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية. مصدر أمني رفيع سابق انتقد تردد قيادة جيش الاحتلال، قائلاً إن الجيش “فقد مكانته وصلاحياته كسلطة حاكمة في الضفة”، وإن كبار القادة يخشون عرض الحقائق على المستوى السياسي خوفًا من تحوّلهم إلى “كيس ملاكمة” في اجتماعات الحكومة.
ويؤكد ضباط شاركوا في تدريبات تقييمية أن الجيش يختبئ وراء عمليات اعتقال محدودة أو اقتحامات للمخيمات، بينما يغيب السؤال المركزي: ما هي الخطة؟ وإلى أين يتجه الوضع في الضفة؟. من أخطر ما أورده التقرير أن قائد المنطقة الوسطى، اللواء آفي بلوط، يباهي خلال لقاءاته مع المستوطنين بإمكانية إقامة نحو 120 “مزرعة زراعية” — وهي التسمية الجديدة للبؤر الاستيطانية — رغم كونها غير قانونية. ويقول أحد الضباط إن مئات هذه المزارع تم ربطها بالبنى التحتية بكلفة مليارات الشواقل، فيما يرسل الجيش جنوده لحمايتها، و”قلع أشجار الفلسطينيين” لتوسيع طرق الوصول إليها. ويضيف الضابط: “يُطلب منا حماية بؤر فيها عشرة شبان فقط. وبعدها يجب أن نفسّر لأم الجندي لماذا قُتل ابنها وهو يحرس بؤرة غير قانونية”.
يتحدث أحد ضباط العمليات في جيش الاحتلال في مخيم طولكرم عن أن الجيش لا يمتلك أي تصور للمرحلة المقبلة: فبعد عمليات واسعة في عام 2024 بقي الجنود داخل البيوت، ولم تُسلّم المناطق للسلطة الفلسطينية رغم استعدادها لإقامة مركز شرطة وتحسين البنية التحتية ومنع زرع العبوات. تطرق التقرير أيضًا إلى مسألة حساسة، وهي قرار محمود عباس تعيين حسين الشيخ وريثًا له. مصادر أمنية إسرائيلية تقول إن هذا القرار لم يُناقش إطلاقًا في مجلس الوزراء المصغر أو الجيش، رغم أنه قد يؤدي — في حال رفضه من الشارع الفلسطيني — إلى “حدث استراتيجي” يهدد استقرار الضفة. يختتم التقرير بتحذير قد يكون الأخطر: أحد كبار الضباط قال إن مجرد عملية “إرهاب قومي” واحدة يقتل فيها عدة فلسطينيين قد تحوّل الضفة في ساعات إلى “ساحة حرب رئيسية تبتلع الجيش كله”. ورغم أن التنسيق الأمني مع السلطة ما يزال قائمًا، إلا أن هشاشة الوضع، وغضّ الطرف عن الميليشيات الاستيطانية، تجعل أي سيناريو انفجاري محتملًا في أي لحظة.
المصدر:
الحدث