آخر الأخبار

انعكاسات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي

شارك

الحدث الإسرائيلي

تسير “إسرائيل” بخطى متسارعة نحو عزلة سياسية وثقافية واقتصادية غير مسبوقة. ملامح هذه العزلة باتت واضحة في إلغاء صفقات تسليح، وانهيار قطاع السياحة الوافدة، ومقاطعة أكاديميين وفنانين، إضافة إلى قطع علاقات تجارية مع الخارج. تقرير موسع نشرته مجلة الإيكونوميست أشار إلى أن هذا الانحدار الذي بدأ في أوروبا امتد إلى الولايات المتحدة، حيث تفقد “إسرائيل” بسرعة قاعدة دعمها بين الأجيال الشابة. وتزداد خطورة الوضع مع احتمالات إلغاء اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهي ركيزة أساسية للبحث العلمي الإسرائيلي، إلى جانب إمكانية فرض عقوبات غربية بفعل الكارثة الإنسانية في غزة.

هذه العزلة تمثل وجهًا واحدًا فقط من التدهور الأوسع للاقتصاد. ففي نهاية عام 2022 كان الاقتصاد في ذروة ازدهاره، مع معدلات نمو مرتفعة، ودَين عام منخفض، وفائض في الموازنة لأول مرة منذ 1987، إلى جانب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والمجتمع العربي. حتى وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني كانت قد أعلنت نيتها رفع تصنيف “إسرائيل”. لكن حكومة الاحتلال التي تسلمت السلطة مطلع 2023 أهدرت هذه الظروف المواتية عبر سياسات أضعفت القضاء، عمّقت اللامساواة في الأعباء، ووزعت الأموال على الحلفاء السياسيين.

منذ ذلك الحين تراجعت مؤشرات النمو بشكل واضح. ففي عامي 2023 و2024 لم يسجل الاقتصاد أي نمو للفرد تقريبًا، مقارنة بـ 6.8% عام 2021 و4.4% عام 2022. التباطؤ كان ظاهرًا حتى قبل 7 أكتوبر، وجاء متزامنًا مع خطوات حكومة الاحتلال لضرب استقلال الجهاز القضائي. أما مؤشرات 2025 فتشير إلى احتمال دخول الاقتصاد في ركود عميق بفعل التكاليف العسكرية الباهظة والعقوبات الدولية المتوقعة.

نسبة الدين العام قفزت من 60% من الناتج عام 2022 إلى نحو 70% اليوم، مع توقعات بارتفاع إضافي. وزارة مالية الاحتلال أقرت بأن فوائد الدين الإضافية بلغت 4.5 مليار شيكل عام 2024، وسترتفع إلى 9.7 مليار في 2025، لتتضاعف لاحقًا حتى تتجاوز 20 مليار سنويًا. هذه المعطيات دفعت وكالات التصنيف الدولية إلى خفض تصنيف “إسرائيل” للمرة الأولى، في مؤشر على فقدان الثقة في استقرارها الاقتصادي.

أما الموازنة فقد تحولت من فائض في 2022 إلى عجز متصاعد بلغ 4.1% من الناتج في 2023، و6.8% في 2024، مع توقعات بالاستقرار عند 5% في 2025. جزء من هذا العجز يرتبط بالحرب، لكن جذوره سبقت الأحداث، إذ نتج أيضًا عن إنفاق سياسي مفرط وتضخم الوزارات غير الضرورية. ومع تكاليف الحرب المستمرة التي تجاوزت 300 مليار شيكل، تبدو استدامة هذا الوضع شبه مستحيلة.

الأعباء انعكست مباشرة على الأسر. حكومة الاحتلال فرضت ضرائب جديدة ورفعت من نسب قائمة، شملت ضريبة القيمة المضافة وأسعار الكهرباء والمياه والمواصلات، إلى جانب تجميد تخفيضات ضريبة الدخل وإلغاء امتيازات سابقة. هذه السياسات، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، دفعت المزيد من الأسر تحت خط الفقر. وحدها أسعار الغذاء ارتفعت بنسبة 15% منذ انتخابات 2022، مقارنة بزيادات طفيفة قبل ذلك.

المشهد الاجتماعي لا يقل قتامة. المناخ السياسي والأمني المتأزم، إلى جانب الضغوط المعيشية، دفع مئات الآلاف إلى الهجرة منذ مطلع 2023، بينهم مئات الأطباء وآلاف العاملين في قطاع التكنولوجيا. هذه الهجرة الواسعة انعكست سلبًا على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وزادت أوقات الانتظار لرؤية الأطباء المختصين، مع توقعات بمزيد من التدهور.

الخلاصة أن حكومة الاحتلال تسلمت اقتصادًا قويًا عام 2023، لكنها أوصلته خلال عامين إلى حافة الانهيار. النهج القائم على تحويل “إسرائيل” إلى دولة حصن سيؤدي إلى تقليص الاستثمارات، رفع تكاليف المعيشة، تعميق الركود، وتسريع هجرة العقول. والطريق الوحيد لتفادي الانهيار الشامل يتمثل في تغيير سياسي سريع يفتح الباب أمام استعادة الثقة وإعادة بناء الاقتصاد.

الحدث المصدر: الحدث
شارك

الأكثر تداولا أمريكا اسرائيل فلسطين

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا