آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى العاشرة لوفاته.. سميح القاسم: حديث لم ينشر

شارك الخبر

حين صدرت مجموعتي «أغاني الدروب» فُصلتُ من سلك التعليم

عملتُ مساعداً للَحّام كهربائي وفترةً طويلةً في غرفة تشريح الموتى 

اصطدمتُ مع أوري أفنيري بسبب شخص اسمه «عبد القادر الجزائري»

رفضتُ أداء الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال.. فسُجنت

عملتُ في الصحف والمجلات التي كانت حاضنة للحركة الثقافية 

أصدرتُ مجلة (٤٨) التابعة لاتحاد الكتاب العرب الذي ترأستُه ثم «إضاءات»

ترأستُ تحريـر «كل العـرب» النصراويـة التـي أصبحت منبراً للقوى الوطنية



تقلَّبت حياتك بين عامل ومعلم وصحفي... حدثنا عن مسيرتك المهنيَّة، وهل كان هذا التقلب هو ضريبة الشعر؟

منذ فتوتي كانت لديّ نزعة استقلالية طاغية، وحين بدأت مشكلاتي مع السلطة الإسرائيلية اقترح عليَّ أهلي أن أعود إلى البيت وأن تكون أملاك الأسرة تحت تصرفي. وكان أشقائي ميسوري الحال وبإمكانهم أن يساعدوني كي أتجنب الصراع في حيفا، والقدس، وتل أبيب، والناصرة... لكنني قررت ألا أكون عالةً على عائلتي وآثرت العمل.


 اشتغلتُ معلمًا ثم طُردت من التعليم لأنني لم ألتزم بمنهاج التاريخ المقرر، وكان طبيعيَّا أن نصل إلى نقطة اللاعودة، وحين صدرت مجموعتي الشعرية الثانية «أغاني الدروب»، فُصِلتُ من سلك التعليم. لقد عمِلتُ لأنني أردت أن أتعرف على حياة الطبقة العاملة، كنا نتحدث ونسمع عن الطبقة العاملة لكننا لا نحتكُّ بها، فلماذا لا نجرب حياة الطبقة العاملة؟


عُرِض عليَّ العمل مساعدًا للحَّام كهربائي، وكان من عرض عليَّ العمل مقاولٌ صغير مقربٌ من الحزب الشيوعي، فذهبت للعمل معه وعلَّمني كيف يعمل مساعد اللحَّام، وكانت مهمتي أن أشحذ المبرد الكهربائي قبل استخدامه مجددًا. وكان من عملي أن أصعد إلى هيكلٍ معدني ضخم لمصانع البتروكيميا في حيفا، لكن في اليوم الثالث للعمل بعد أن صعدت للهيكل المعدني الضخم، إذا بصوتٍ يناديني من الأسفل بلهجةٍ عبرية، فسألته: ماذا تريد؟


فقال: عليك أن تغادر المنطقة الصناعية خلال خمس دقائق لأسبابٍ أمنية! فأخبرته أنني بحاجة إلى نصف ساعةٍ كي أنزل من مكاني. وهكذا طُردت من عملي هذا بعد ثلاثة أيامٍ فقط.


وبعدها عملت في الصحافة. وأود أن أذكر أنني رفضت أداء الخدمة العسكرية فسُجنت، وعملت لفترةٍ طويلةٍ في غرفة تشريح الموتى، وأذكر كيف كان ضباط الشرطة يأتون لمعاينة تشريح إحدى الجثث فيغمى عليهم، أما أنا فقد صارت معايشة الجثث ومعاملتها بالنسبة لي أمرًا عاديًّا. حين كتبت قصيدة مثل «التانجو الأخير في بيروت» أو «ڤالس للغارة الجوية»، وكنت أتحدث فيها إلى الجثث العربية الفلسطينية واللبنانية، وأخاطب جثة سيدة أدعوها للرقص فأقول: «هذه الجثة تناسبني للرقص»، اكتشفت حينها أن هذه القصيدة فيها أثرٌ من حياتي الخاصة، من عملي الطويل مع الجثث في غرفة التشريح.


ثم عملت لاحقاً في الصحافة عندما دعاني الصحفي التقدُّمي «أوري أڤنيري» للعمل معه في مجلةٍ أسبوعية بعنوان «مجلة هذا العالم»، واستمرت المجلة لعامٍ تقريبًا، إلى أن اصطدمت مع أوري أڤنيري بسبب شخصٍ يُدعى «عبد القادر الجزائري». كان هذا الشخص يدَّعي أنه حفيد الأمير «عبد القادر الجزائري» البطل العربي المغاربي، وكان هذا الشخص قد جاء إلى إسرائيل ليدعم الصهيونية، وقد استقر في أحد الكيبوتسات وتزوج يهودية، فكتبت مقالاً افتتاحيًّا بعنوان «احذروا الخائن!»، أحذر فيه العرب من هذا الخائن الذي يدعو إلى الصهيونية ويندد بالموقف العربي. غضب أوري أڤنيري وقال: «هل كل من يدعو إلى السلام خائنٌ في نظرك؟»، فقلت: «إن هذا الشخص ليس داعية سلام بل داعية استسلام، وإنه يزوِّر تاريخ العرب لصالح الرواية الصهيونية؛ ولذلك هو في نظري خائن، ولا أستطيع أن أتراجع عن نعته بالخيانة». وكان ذلك الموقف إيذانًا بنهاية عملي مع أڤنيري دون ضغينةٍ أو كراهية، ذلك أنني ما زلت أحترم هذا الرجل لأنه كان واحدًا ممن عارضوا الحكم العسكري، وحاربوا التمييز والعنصرية. ثم عملت في صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الغد" للشبيبة ومجلة "الجديد" الثقافية –وكانت حاضنة الحركة الثقافية في بلادنا- وهي صحف أصدرها وما زال يصدر بعضها الحزب الشيوعي. عملت سكرتيرًا للتحرير ومحررًا ورئيسًا للتحرير. ثم أصدرت مجلةً تابعةً لاتحاد الكتاب العرب –الذي شرفت برئاسته- مجلة بعنوان «48»، وقد توقَّف صدورها لأسبابٍ لا تخفى على أحد. ثم أصدرت مجلة فصلية باسم «إضاءات» غير أنها لا تصدر بانتظام.

 

تصدر أحيانًا؟

نعم، وأحيانًا من الأفضل ألا تصدر، (يضحك). هذا شيءٌ من تفاؤلي الذي تستغربه في زمن الإحباط هذا. والآن أرأس تحرير صحيفة «كل العرب» النصراوية والتي أعتز بأنها أصبحت منبرًا معروفًا لكل القوى الوطنية النشطة.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا