كيف وجدتْ مدنٌ صغيرة في أوروبا الشرقية نفسها فجأة ذات أهمية جيوسياسية ومثار اهتمام دولي؟ وهل تتجه بريطانيا إلى التجنيد الإلزامي على خُطى عدد من الدول الأوروبية الأخرى في ظلّ تنامي التهديد الروسي؟ وهل كان ترامب صائبا في موقفه إزاء المهاجرين؟ نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وأكثر في جولتنا بين الصحف اليوم.
نستهل جولتنا من صحيفة نيويورك بوست، بعنوان "الإرهاب الأفغاني والاحتيال الصومالي يُبيّنان أنّ ترامب على صواب بشأن المهاجرين"، بقلم دوغلاس موراي.
وأكد الكاتب على أهمية توخّي الحذر الشديد إزاء استقبال مهاجرين بأعداد كبيرة من جنسيات ومجتمعات ذات منظومات قيَمية بعيدة تماماً عن السائد في البلاد التي يسعون إلى دخولها.
ورأى موراي أنّ هذا الحذر ينبغي اتبّاعه حتى في حال الدول شاسعة الأرجاء وكبيرة التعداد مثل الولايات المتحدة.
وأشار صاحب المقال إلى أن الكثير من الدول الأوروبية تعاني منذ سنوات بسبب سماحها بدخول مهاجرين من أجزاء حول العالم تشهد صراعات أهلية أو حروباً أو حتى تعاني الفقر.
وأشار موراي إلى دولة السويد كمثال، والتي طالما اتسّمت بالهدوء والرفاهية، وكيف أصبحت واحدة من أكثر بلاد العالم عُنفاً رغم أنها لا تخوض حرباً حقيقية.
والتفت الكاتب إلى الولايات المتحدة، مؤكداً أن الوضع مشابه، وإنْ كانت الآثار متفرّقة بشكل أكبر بحيث يمكن للمشكلة أن تبقى أقلّ وضوحاً لفترة أطول.
ونبّه موراي إلى حادثتين وقعتا خلال الأسبوع المنصرم يُمكن لأيّ أمريكي من خلالهما أنْ يستشعر مستوى الخطر الذي يتهدد البلاد بسبب المهاجرين: الحادثة الأولى، هي اكتشاف أعمال احتيال بأحجام كبيرة اضطلع بها صوماليون في ولاية مينيسوتا.
وأشار الكاتب إلى أنّ العديد من الدول الغربية ومن بينها الولايات المتحدة منحتْ حق اللجوء لعدد كبير من الصوماليين على خلفية ما تشهده بلادهم من حروب وصراعات ممتدة منذ أكثر من ثلاثة عقود - ثم كانت العاقبة أنّ مليارات الدولارات التي جُمعتْ تحت شعارات خيرية واقتُطعتْ من أموال دافعي الضرائب الأمريكية وجدتْ طريقها إلى حركة الشباب الإرهابية في الصومال.
الحادثة الثانية، التي رصد الكاتب وقوعها هي إطلاق مهاجر أفغاني الرصاص على الحرس الوطني في واشنطن العاصمة على مسافة خطوات من البيت الأبيض، ومقتل شخص وإصابة آخر إصابة خطيرة جرّاء ذلك.
ولفت صاحب المقال إلى إجراءات اتخذتْها إدارة ترامب فور الواقعتين – سواء بإنهاء وضعية الحماية المؤقتة للصوماليين في الولايات التمحدة والتي تحول دون ترحيلهم؛ أو بمراجعة أوضاع الأفغان الذين دخلوا الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
ورصد موراي في هذا الصدد إعلان إدارة ترامب عن تدابير مشدَّدة ضد مؤسسات جماعة الإخوان المسملين - سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، وأشاد الكاتب بالخطوة رغم مجيئها متأخرة على حدّ قوله.
وعاد الكاتب بالأذهان إلى عام 2015، عندما أعلن المرشح الرئاسي آنذاك ترامب عن رغبته في "وقْف دخول المسلمين للولايات المتحدة ريثما يتمكن النواب الأمريكيون من فَهْم حقيقة ما يجري"، واعتبر موراي أنه رغم مرور هذه السنوات العشر فإن أياً من الولايات المتحدة أو غيرها من دول الغرب "لم تكد تبدأ في استيعاب حقيقة ما يجري".
"لكن على الأقلّ جاءتْ تدابير ترامب تجاه الصوماليين والأفغان وجماعة الإخوان المسلمين، لتبيّن أننا بدأنا نحاول - قبل فوات الأوان"، على حد تعبير الكاتب.
وننتقل إلى صحيفة وول ستريت جورنال ومقال بعنوان "كيف عبرت الحرب الروسية في أوكرانيا الحدود إلى بولندا" بقلم جيليان كاي ميلكيور.
ورصدت الكاتبة اتهام السلطات البولندية لروسيا بمهاجمة خطّ سِكة حديدية بولندي حيويّ يُستخدَم في توصيل المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا، مشيرة إلى أن هذا الهجوم يأتي ضمن سلسلة طويلة من الاستفزازات الروسية على أراضٍ تابعة لأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على نحوٍ يترك هؤلاء الأعضاء غير بعيدين تماماً عن الحرب المشتعلة في أوكرانيا.
ولفتت ميلكيور إلى أنّ الروس خلال هذا الخريف وحده اخترقوا المجال الجويّ البولندي بنحو 20 مسيّرة.
ونبّهت الكاتبة إلى أن مُسيّرات يُشتبه على نطاق واسع في كونها روسية عطّلتْ رحلات جوية وحوّمت حول قواعد عسكرية ومنشآت حيوية في أنحاء أوروبا، كما أنّ مراسي سُفنٍ مشبوهة قد تسببتْ في إتلاف كابلات وخطوط لأنابيب الغاز في بحر البلطيق.
في غضون ذلك، بحسب كاتبة المقال، وَجدتْ مُدن صغيرة في شرقي أوروبا نفسها فجأة ذات أهمية جيوسياسية ومثارَ اهتمام دوليّ – ومن هذه المُدن جيشوف، تلك المدينة الصغيرة الواقعة جنوب شرقي بولندا على مسافة حوالي 65 ميلا من الحدود الأوكرانية، ويعيش عليها حوالي 200 ألف نسمة.
وقبل 2022، كانت جيشوف مدينة أحادية العِرقية، قبل أن يتغيّر ذلك مع اجتياح الدبابات الروسية للأراضي الأوكرانية، بحسب ما نقلت الكاتبة عن عُمدة جيشوف، كونراد فيجوليك.
ونوهت ميلكيور إلى أن نحو 1.5 مليون نازح أوكراني مرّوا عبر مدينة جيشوف البولندية خلال الشهور القليلة الأولى من الحرب، وأنّ حوالي 30 ألفاً من هؤلاء النازحين -وبينهم نحو ألفَي طفل- ظلوا في المدينة البولندية.
وبالإضافة إلى أنها أصبحت مدينة متعدّدة الأعراق، فإنّ جيشوف أصبحت كذلك مرفأً للمساعدات الغربية الموجّهة إلى أوكرانيا على الصعيدين العسكري والإنساني، بحسب صاحبة المقال التي أشارت إلى إرسال الولايات المتحدة في أوائل عام 2022 آلاف الجنود إلى بولندا، بما يشكّل قاعدة عسكرية مؤقتة قُرب مطار جيشوف-جاسيونكا.
ولفتت الكاتبة إلى أن مطار جيشوف-جاسيونكا هذا أمسى هدفاً للاستفزازات الروسية، رغم تأمينه بصواريخ باتريوت الدفاعية الجوية على جانبَي مدرَج الطائرات ليصبح واحداً من أكثر مطارات أوروبا تأميناً.
ومع ذلك، تقول السلطات البولندية والأوكرانية إنهما أحبطتا خطة روسية لاغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أثناء استخدامه مطار جيشوف-جاسيونكا العام الماضي.
ونختتم جولتنا من صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية والتي نشرت مقالا بعنوان "كل ما ينبغي معرفته عن التجنيد في بريطانيا في ظلّ إعلان النفير بكلّ من فرنسا وألمانيا"، بقلم مايكل كارول.
ورصد الكاتب عودة فرنسا إلى العمل بنظام التجنيد الإلزامي كآخر دولة أوروبية تلجأ إلى هذا التوجّه، متسائلاً عما إذا كانت بريطانيا ستكون التالية في اللحاق بهذه الصحوة الأوروبية في ظل تنامي التهديد الروسي.
ولفت كارول إلى أن التجنيد الإلزامي في بريطانيا يُعدّ شيئاً من الماضي وتحديداً منذ عام 1963، منوهاً إلى أن البلاد لم تلجأ إلى تطبيق التجنيد الإلزامي سوى مرتّين اثنتين خلال القرن العشرين – الأولى من 1916 وحتى 1920، والمرّة الثانية من 1939 وحتى 1960.
وأشار الكاتب إلى أن تلك الخطوة اعتُبرتْ حينذاك مكلّفة جداً في وقت كانت فيه المملكة المتحدة تعاني نقصاً في عدد العمال، لينتهي العمل بالتجنيد الإلزامي نهائياً في بريطانيا عام 1963.
ومن ثم فإنّ استعادة العمل به تعدّ خطوة سياسية صعبة، وبعيدة الوقوع في ظلّ الحكومة العُمّالية الراهنة، وفقاً لكارول، الذي أكّد أن فكرة عودة تطبيق نظام التجنيد الإلزامي كانت مستبعدة من قِبل الجيش ومن قبل أي مسؤولين حكوميين بريطانيين قبل الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا والذي يوشك أنْ يدخل عامه الرابع.
لكنْ في ظل استباق أوروبا على صعيد إعادة التسلّح على نحوٍ غير معهود منذ زمن الحرب الباردة، وفي ظل المشهد الأمني سريع التغيّر الذي يغشى القارة العجوز، فإن البعض يرى أنه لا شيء يمكن استبعاده وأنّ في التجنيد حلاً لما تحتاجه بريطانيا من أجل الاستعداد لحرب طويلة المدى خلال العقد المقبل، حسبما استدرك الكاتب.
واستبعد صاحب المقال أن ترسل فرنسا جنودها إلى ساحة القتال في أوكرانيا، قائلا إنها إنما تستهدف تعزيز الجيش الفرنسي بثلاثة آلاف جندي خلال العام الأول وصولاً إلى 50 ألفاً في وقت لاحق.
ونبّه الكاتب إلى أنّ فرنسا ليست وحدها في التوجّه صوب تعزيز قواتها المسلحة، مشيراً في هذا الصدد إلى لاتفيا وكرواتيا كأحدث دولتين عضوتين في الاتحاد الأوروبي تُقبلان على استعادة العمل بنظام التجنيد الإلزامي، بينما تعزّز بولندا تدريباتها العسكرية على نطاق واسع لكل ذَكر بالغ.
ألمانيا كذلك، تضاعف الجهود لاجتذاب المجنّدين، وفقاً لصاحب المقال الذي أشار إلى أنّ عشر دول تابعة للاتحاد الأوروبي تُطبق نظام التجنيد الإلزامي.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة