تُسارع طوكيو اليوم إلى إعادة صياغة بوصلتها الاستثمارية، في وقت تتراجع فيه الثقة بالاعتماد الحصري على الشركاء التقليديين.
وترى وكالة بلومبيرغ الاتجاه الياباني نحو جذب رؤوس الأموال الخليجية بات خيارا إستراتيجيا لا مجرّد انفتاح اقتصادي عابر، في ظل توترات مع أكبر شركائها التجاريين: الصين، والولايات المتحدة التي تشهد تحولات بتبني سياسة "أميركا أولا".
وتحرص اليابان على أن يشكل هذا الانفتاح حاجز أمان يحميها من مخاطر التقلبات الجيوسياسية واحتدام صراع القوى العظمى على التكنولوجيا والأسواق، كما ترى طوكيو في الخليج شريكا قادرا على تطوير الاستثمارات المتقدمة داخل الصناعات اليابانية الحيوية.
وفي خطوة تعكس تحولا جذريا، دعت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي ، خلال منتدى استثماري في طوكيو، مستثمري دول الخليج إلى ضخ رؤوس أموال في اليابان بكلمة واضحة: "استثمروا في اليابان".
من جهتها، نجحت شركة يابانية ناشئة في جذب تمويل خليجي، فقد حصلت "موجين إنك" المتخصصة في الروبوتات على 133 مليون دولار من مجموعة مستثمرين يقودها صندوق استثماري خليجي، مما يؤشر إلى إقبال فعلي بعد سنوات من التردد.
وجاء الحدث بعد أيام من منتدى سعودي ياباني في طوكيو حضره كبار المسئولين المصرفيين وقادة الصناعة، منهم كبار الصناديق المصرفية اليابانية ورجال أعمال خليجيون، مما يدل على جدية وتنسيق في إعادة رسم خريطة الاستثمارات بين الطرفين.
ولا يقتصر انفتاح اليابان على جذب رأسمال خليجي، فهذا التحوّل مدفوع بمخاوف أوسع. واليوم، تنظر اليابان -التي لطالما اعتمدت على الشرق الأوسط لتأمين الطاقة- إلى الخليج على أنه شريك إستراتيجي قادر على دعم التنويع الاقتصادي والصناعي.
كما أظهر التقرير أن التوترات المتصاعدة مع الصين -أهم شريك تجاري لليابان- دفعت طوكيو إلى إعادة النظر في اعتمادها على شريك أو سوق واحد فقط.
وفي الوقت ذاته، ترى الشركات اليابانية أن التعاون مع رؤوس الأموال الخليجية يوفر فرصة للاستثمار في قطاعات التقنية المتقدمة والصناعات الثقيلة، وهي مجالات تحتاج إلى ضخ استثمارات كبيرة وبنية تحتية حديثة.
وتشير المؤشرات إلى حصاد أولي لهذا المسار من حيث استثمارات خليجية واقعية في شركات يابانية، وتعاون متزايد في قطاعات التقنية والصناعة، وتعزيز مكانة طوكيو بوصفها وجهة استثمارية بديلة لأسواق متقلبة.
ووفق تحليل بلومبيرغ، تُعد هذه الخطوة "خط دفاع اقتصادي" لليابان في مواجهة التقلبات الجيوسياسية، خصوصا في ظل صعوبة الاعتماد على شريك واحد أو تبعية طويلة لمورد أو سوق معين.
كما أن إعادة تنويع مصادر الاستثمار والشراكة مع دول خليجية تمنح اليابان مرونة أكبر في إدارة اقتصادها، وتخفّف من المخاطر المرتبطة بصدمات الطاقة أو تصاعد التوترات مع الصين أو أميركا.
هذا التوجّه الياباني نحو الخليج يعكس -حسب بلومبيرغ- تحوّلا في خريطة التحالفات الاقتصادية من اعتماد على دول محددة إلى شراكة متعددة الأبعاد تجمع بين التمويل الخليجي والخبرة والتكنولوجيا اليابانية.
كما يفتح الباب أمام شراكات إستراتيجية بين الشرق الأوسط وآسيا في مجالات الصناعة، والتكنولوجيا، والطاقة، والبنى التحتية، مما قد يعيد تشكيل بعض صناعات العالم ويخفف من الهيمنة التقليدية لدول غربية أو اقتصادات محدودة.
وفي سياق تغيرات الاقتصاد العالمي وتصدّع سياسات التجارة والاعتماد الأحادي، تبرز اليابان اليوم بوصفها وجهة جاذبة للمستثمر الخليجي الباحث عن استقرار، وتنويع، وابتكار في آن واحد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة