آخر الأخبار

وفاة الأديب المصري صنع الله إبراهيم

شارك

توفي، اليوم الأربعاء في أحد مستشفيات القاهرة، الأديب المصري صنع الله ابراهيم (مواليد 1937) إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، وكانت الحالة الصحية للأديب الراحل قد تدهورت قبل شهور ونقل على إثرها للمستشفى.

وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بردود الفعل الحزينة على رحيل الأديب الكبير، وعبر العديد من الأدباء والمثقفين من مختلف البلدان العربية عن أسفهم لفقدانه، من بينهم الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج، الذي قال: "الرحمة والسلام لروح الروائي الكبير صنع الله إبراهيم، الذي يعتبر أحد أهم الروائيين العرب، إذ جمع بين الكتابة والنضال السياسي، ما سبب له الكثير من المصاعب الحياتية، ولكنه لم يهادن الفساد أبدا".

وذاكرا مجموعة من أعماله الهامة، قال الكاتب المغربي ياسين عدنان: "خسارة فادحة. رحم الله صاحب "اللجنة"، "نجمة أغسطس"، "بيروت بيروت"، "شرف"، "ذات"، و"أمريكانلي"… هو يغادرنا اليوم بهدوء، كما عاش حياته بهدوء وتواضع".

ومن جانبها، كتبت القاصة والروائية المصرية رباب كساب: "فرصة محادثته وإدارة لقاء معه كانت مصدر سعادة كبيرة وفخر بالنسبة لي. رحمة الله عليك يا أديب".

أما الصحفي المصري عبد الصبور بدر فاختصر أثره في كلمات: "لم يكن مواطنا.. كان أمة. صنع الله إبراهيم.. الكاتب الوحيد الذي قال "لا".. يرحل إلى مكان يليق بشرفه وكماله.. يبقى الأثر".

ونعى الروائي المصري عزت القمحاوي الراحل قائلا: "سيبقى صنع الله إبراهيم، القامة الروائية المديدة والضمير والاستقامة الثقافية، ستبقى كتابته شاهدة على تاريخ سياسي وأدبي. رحمك الله ووداعا".

وكتب الناقد والروائي السوري هيثم حسين: "وداعا صنع الله إبراهيم… كنت شاهدا عنيدا على زمن القهر، وكتبت بلا مهادنة ولا تزيين. ستظل نصوصك تذكرنا بأن الرواية موقف، وأن الكلمة الصادقة حين تكتب بوعي وشرف، تبقى عصية على الموت".

إعلان

كما عبرت الفنانة التشكيلية السعودية دنيا صالح الصالح عن حزنها قائلة: "مازال الحديث في أوله، والرواية في صفحاتها الأولى.. لماذا رحلت؟! لماذا؟!".

وقال الكاتب والصحفي المصري سامي كمال الدين: "صنع الله إبراهيم لم يكن يوما من كتاب "المنتصف"، بل كان منحازا بوضوح إلى الهامش والمقموعين. حتى في لحظات التكريم، لم يتخل عن موقفه.. إرث صنع الله إبراهيم يتجاوز كتبه، فهو مثال للمثقف الذي يرى أن دوره يتخطى حدود الورق، ليصبح شاهدا على عصره، وخصما عنيدا للسلطة، وصوتا للناس الذين لم يجدوا فرصة للتعبير عن أنفسهم".

فقبل أكثر من عقدين، تصدر اسم الكاتب المصري الراحل واجهة الأحداث محليا وعربيا عندما رفض، لدواع سياسية، جائزة أدبية مرموقة، وأثارت الواقعة الأولى التي تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 2003 جدلا سياسيا واسعا خاصة أن صنع الله إبراهيم برر رفضه لجائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية باعتبارات سياسية تتعلق بالحريات والديمقراطية وبالأوضاع في فلسطين وانتقد السلطات المصرية آنذاك لأنها "دولة تمارس التعذيب، وتقمع حرية التعبير، وتفرض الحصار على الثقافة الحقيقية".

منذ تلك الواقعة المشهودة، زاد اسم صنع الله إبراهيم تداولا وحضورا في المشهد الأدبي والثقافي المصري والعربي من خلال أعمال روائية تعتبر امتدادا لمشروعه الذي بدأ مع "تلك الرائحة" (1966) وتواصل مع "نجمة أغسطس" (1974) و"اللجنة" (1981) و"ذات" (1992) وغيرها.

مصدر الصورة زاد اسم صنع الله إبراهيم تداولا وحضورا في المشهد الأدبي والثقافي المصري والعربي من خلال أعماله الروائية المميزة (الجزيرة)

وقبل أشهر قليلة، عاد اسم صنع الله إبراهيم وهو يقترب من عقده التاسع (ولد عام 1937)، بقوة لساحة التداول إعلاميا وواقعيا من سرير في مستشفى معهد ناصر بالقاهرة بعد أن نقل إلى هناك لتلقي العلاج من أثار كسر في الحوض ونزيف في المعدة ومضاعفات أمراض أخرى متصلة بالتقدم في السن.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية آنذاك بسيل من عبارات التعاطف والتضامن والتقدير والإشادات بصنع الله إبراهيم، حيث دعا كثيرون لإيلائه ما يستحق من عناية تليق بمقامه الأدبي وبمواقفه السياسية وقربه الدائم من نبض المجتمع سواء في حياته الخاصة أو في كتاباته ومواقفه المشتبكة مع محيطه المصري والعربي.

مساحات من الغياب

وتعليقا على هذا التضامن الواسع مع صنع الله إبراهيم -في مرضه قبل وفاته-، قال الناقد الأدبي السوري هيثم حسين إن الدعوات للالتفات إليه الآن لا تعبر عن تعاطف عابر بقدر ما تكشف عن مساحات من الغياب، عن مسؤوليات تركت تتراكم، وعن مؤسسات لم تكن يوما في موضع الفعل والمسؤولية. حين يصبح التفاعل بديلا عن الرعاية، ويصير النداء الثقافي بديلا عن السياسة الثقافية، يتحول الكتاب إلى جزر معزولة".

وأضاف هيثم حسين أن عودة اسم صنع الله إبراهيم إلى التداول فجأة، تكشف عن "الحاجة القديمة إلى صوت من طينته، إلى كتابة لا تبحث عن تسوية، ولا تراكم مجدا هشا.. صنع الله إبراهيم كان، وما يزال، مشروع مساءلة، وموقفا أخلاقيا وإنسانيا لا يخضع للاستهلاك، ولا يرتضي التواطؤ أو المداهنة".

إعلان

وعن مكانة الرجل في السياق الثقافي العربي، قال هيثم حسين، في حديث سابق مع الجزيرة نت، إن "صنع الله إبراهيم من القلائل الذين يتعرف بهم تاريخ الرواية العربية على ملامحه المتقلبة، لا يختصر في سيرة ولا يقاس بحجم التغطيات. هو أحد الذين نقلوا الكتابة من حيز الحكاية إلى حيز الاشتباك، من السرد المطمئن إلى السرد الكاشف الذي يفتح الأعين على الندوب".

وساق المتحدث نماذج من أعمال صنع الله إبراهيم، بينها "بيروت… بيروت"، و"ذات"، و"تلصص" وقال إنها "تخرق السائد، تمضي في الزواريب والحطام، لا لتأريخ ما حدث، بل لتفكيك آلياته وخباياه، وتكشف عن ملامح أخرى من مشروعه، حيث التوغل في ما هو شخصي كي يكشف عن العام، والرواية بوصفها فعلا سرديا مقاوما".

وعن التحام مؤلف "اللجنة" مع الواقع، يرى الناقد هيثم حسين أن صنع الله إبراهيم "لم يكتب الواقع كما يراد له أن يروى، لكنه نبشه وفتت لغته ونظامه، واجهه متلبسا بأقل أدوات الزينة. وحين تنقل الكتاب بين الأنواع والموضات والترضيات، ظل وفيا لذلك الهاجس العميق؛ أن تكون الكتابة في موقع المواجهة، لا في مقعد الشرح".

مصدر الصورة نماذج من أعمال صنع الله إبراهيم "بيروت… بيروت" و"ذات"، و"تلصص" (الجزيرة)

صنع الله إبراهيم الروائي

وإلى جانب التعاطف الإنساني، شكلت هذه الوعكة الصحية قبل وفاته، مناسبة لإعادة تسليط الضوء على أعمال صنع الله إبراهيم وعلى مواقفه السياسية منذ محنته في السجن (1959-1961) في غمرة الاعتقالات التي شنها نظام الرئيس جمال عبد الناصر في أوساط الشيوعيين، وما عاناه لاحقا في ظل حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.

وعن الدور التأسيسي لصنع إبراهيم في معمار الرواية العربية، قال الروائي السوري فواز حداد إنه "في استعادة صنع الله إبراهيم، يمكن القول، ليس جيلنا الذي تلا جيله مدينا له فقط، وإنما الأجيال التالية أيضا، سواء في رواياته أو مواقفه".

ويرى حداد، في تصريح للجزيرة نت أن صنع الله إبراهيم "فتح منافذ كانت مغلقة في وجه الرواية، بدأها في روايته الأولى "تلك الرائحة" التي قرأها اللبنانيون والسوريون قبل المصريين، لأنه منعت في مصر، ونشرت في عدد خاص في مجلة "شعر"، وكانت في الستينيات تمثل التجريب والحداثة في الأدب".

وأضاف حداد أن اتجاه صنع الله إبراهيم في الكتابة الروائية تبلور في "اللجنة" بأجوائها الكافكاوية، لجهة النقد السياسي والاجتماعي، الذي تجلى بشكل رئيسي في تشريح هيمنة الدولة الأمنية وفضح آليات التسلط، ومن الجانب السردي تمردت الرواية على الشكل التقليدي للرواية العربية، وتدفقت باقي أعماله توغلا في الواقع بالاستعانة بمادة وثائقية، كسر من خلالها تابوهات السياسة والجنس.

صنع الله إبراهيم الإنسان

وإلى جانب الاهتمام بصنع الله إبراهيم الكاتب، توقف كثيرون عند صنع الله إبراهيم الإنسان في مسكنه وفي ملبسه وفي باقي مناحي حياته الشخصية في الشارع وفي الحافلة وفي غيرها من المواقف التي تصوره شخصا عاديا يمشي في الأسواق ويشبه مرتاديه.

وفي السياق استعاد الصحفي المصري خيري حسن أجواء مقابلة صحفية عام 2007 مع صنع الله إبراهيم في بيته الذي "يقع على أطراف حي مصر الجديدة -بالقرب من شارع جسر السويس- شرق القاهرة.. في الدور السابع بدون أسانسير.. الشقة متوسطة قد لا تزيد على 80 متر تقريبا".

وردا على زميله المصور الذي استغرب كيف أن كاتبا كبيرة يعيش في شقة متواضعة وسبق له أن رفض جائزة تبلغ قيمتها المالية حوالي 24 ألف دولار، كتب خيري حسن أن صنع الله إبراهيم "لو أراد أن يسكن في المنتجعات السياحية لسكن. ولو أراد السكن في فيلا لسكن. ولو أراد أن يسكن في شقة 500 متر لسكن. لكنه رفض كل ذلك (ليسكن) في قلب وعقل وضمير مصر التي أحبها وكتب وأخلص في حبها".

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار