مع نهاية الحرب العالمية الثانية، اتجهت القارة الأوروبية نحو لملمة الجروح التي خلفتها سنوات الصراع الدامي، حيث واجهت معظم دولها أزمات عديدة تراوحت بين إعادة الإعمار ودفع عجلة الاقتصاد وسياسة التسلح الجديدة بسبب الحرب الباردة ونقص الغذاء.
فقد واجهت بعض الدول الأوروبية خلال السنوات الأولى التي تلت الحرب أزمات غذائية بسبب نقص المواد الغذائية.
كما أثار شح ونقص الخبز ببعض المناطق مشاكل عويصة.
وخلال العام 1951، جاء الخبز ليثير أزمة بفرنسا عقب حادثة الخبز الملعون ببلدية بون سان إسبري (Pont-Saint-Esprit).
فقد اندلعت أزمة "الخبز الملعون" في بون سان إسبري، الواقعة بإقليم غارد (Gard) بمنطقة أوكسيتاني (Occitanie)، أثناء استعداد هذه القرية لحصاد العنب والمهرجان السنوي.
فخلال النصف الثاني من شهر أغسطس ( آب) 1951، ظهرت على عدد كبير من المقيمين بهذه القرية علامات القيء والتعب.
إذ بادئ الأمر، شكك مسؤولو الصحة هنالك بوجود حالة تسمم غذائي واتجهوا للبحث عن الجرثومة المسؤولة عن ذلك.
وبحلول يوم 25 من الشهر نفسه، بلغت حدة انتشار المرض ذروتها حيث أصيب المئات بحالة من الهذيان والهلوسة.
وحسب الشهادات، تحدث البعض عن مشاهدتهم لجيرانهم الموتى منذ سنين وتحدث آخرون عن مهاجمتهم ومحاصرتهم من قبل نباتات عملاقة.
فضلا عن ذلك، عمد البعض للقفز من النوافذ رغبة منهم في التحليق كالعصافير.
فيما أصيب نحو 300 من سكان بون سان إسبري بهذه الأعراض الغريبة التي جعلت من بعضهم غير قادرين على النوم لمدة أيام عديدة. وفي الأثناء، أسفرت هذه الحادثة عن وفاة خمسة أشخاص من المصابين بأعراض الهلوسة.
أمام تلك الوقائع وأملا في فهم الحادثة، اتجهت السلطات الفرنسية للتدقيق في فرضية التسمم الغذائي. وبموجب ذلك، شكك الخبراء الفرنسيون في الأغذية المعلبة والماء الملوث.
لكن لاحقا، تم التخلي عن هذه الفرضية لصالح فرضية أخرى كانت مقنعة بشكل أكبر وتمثلت في الخبز الملوث بفطريات العاكوب المعروف أيضا بالإرغوت والذي يؤدي تناوله للإصابة بمرض التسمم الإرغوني الذي تمثلت أعراضه في التشنجات والهلوسة وأدى أحيانا حتى لظهور الغرغرينا. ومنذ العصور القديمة، أسفر هذا المرض عن وفاة ملايين الأشخاص بسبب عدم قدرة الأطباء حينها على فهمه وتوفير علاج له.
وخلال حادثة الهلوسة ببلدية بون سان إسبري، وجهت السلطات الفرنسية أصابع الاتهام للخباز روش برييان (Roch Briand) وطحانه حيث تناول جميع المصابين حينها من الخبز الذي أعده الأخير بالطحين الملوث والذي لقب لاحقا بالخبز الملعون.
من جهة ثانية، حاول رجال الشرطة والمحققون الفرنسيون إجراء العديد من التحقيقات إلا أنهم فشلوا في تقديم إجابة واضحة حول سبب تواجد طحين ملوث بالمخابز. فضلا عن ذلك، لم يتلقَ ضحايا هذه المأساة أية تعويضات من السلطات الفرنسية.
في حين حاولت السلطات الفرنسية بشتى الطرق إغلاق ملف القضية بسبب الظرف الحساس وعدم وجود رغبة في تشويه سمعة الخبز. فبتلك الفترة، كان القطاع الزراعي يتعافى من ويلات وتبعات سنوات الحرب. فضلا عن ذلك، تسببت سياسات التأميم التي انتهجتها الدولة الفرنسية في توزيع كميات غير عادلة لقمح سيئ الجودة على خبّازي البلاد المقدر عددهم بنحو 54 ألف خباز.
ثم بعد مضي عقود عن الحادثة، اتجه بعض الفرنسيون للحديث عن نظرية المؤامرة وشككوا في قيام المخابرات الأميركية بإجراء تجارب اعتمادا على المركب الكيميائي إل إس دي (LSD) على سكان بون سان إسبري.