آخر الأخبار

مغربة إنتاج الخرائط البحرية تعزز الاستقلالية وتقوي سيادة الرباط على السواحل

شارك

في خطوة استراتيجية جديدة تعزز سيادة المملكة المغربية على مجالها البحري، وقعت الرباط، في شخص الوزارة المنتدبة المكلفة بالدفاع الوطني، اتفاقًا مع باريس يهم نقل مسؤولية إنتاج وتوزيع الخرائط البحرية للمياه المغربية من المصلحة الوطنية الفرنسية للهيدروغرافيا والأوقيانوغرافيا (Shom) إلى البحرية الملكية المغربية، حسبما أفاد بيان للسفارة الفرنسية بالمغرب.

وأكد مهتمون، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن، أن هذا الاتفاق يعزز قدرات المملكة المغربية في إدارة مجالها البحري، وتحقيق الاستقلالية التقنية على هذا المستوى، مبرزين أن هذه الخطوة تجعل الرباط تدير مواردها البحرية بشكل أكثر كفاءة، مما يتيح لها التحكم بمفاتيح القوة البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، التي تشهد تحديات أمنية متنامية تفرض تعزيز الجهود الوطنية لمواجهتها.

خطوة استراتيجية

وقال عبد الرحمان مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، إن “اتفاقية نقل مسؤولية إنتاج وتوزيع الخرائط البحرية إلى البحرية الملكية المغربية خطوة استراتيجية ذات أبعاد متعددة، إذ تعزز السيادة المطلقة للمغرب على مجاله البحري بإسناد الاختصاص الحصري في رسم الخرائط البحرية إلى البحرية الملكية”.

وأضاف مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الاتفاقية لها أيضًا أبعاد أمنية وعسكرية من حيث تعزيز وتدعيم القدرات اللوجستية للمملكة المغربية في ضمان سلامة الملاحة في المياه المغربية”، مسجلاً أن “نقل مسؤولية إنتاج الخرائط إلى الجانب المغربي يواكب أيضًا جهود استكشاف الثروات الطبيعية والمعدنية التي يقوم بها المغرب في مياهه الإقليمية”.

وأوضح أن “توقيع هذه الاتفاقية بين الرباط وباريس يتجاوز البعد التقني إلى بعد استراتيجي مهم من حيث كونها تعد ترجمة عملية للموقف الفرنسي الأخير الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتجسيدًا لانخراط الدولة الفرنسية في تدعيم الموقف المغربي وتعزيز سيادته على الصحراء من خلال خطوات إجرائية، بما يشمل أيضًا المجال البحري”.

مهام حيوية

من جهته، قال هشام معتضد، الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، إن “هذا الاتفاق يمكن اعتباره لحظة سيادية بالمعنى الكامل للكلمة. فعلى امتداد عقود شكَّلت الهيمنة التقنية والعسكرية الفرنسية على المجال البحري المغربي امتدادًا غير مرئي لعلاقات ما بعد الاستعمار، إذ ظلت الخرائط البحرية تُرسم وتُوزع خارج الإرادة المغربية الوطنية”، مبرزًا أن “نقل هذه المهام الحيوية إلى مؤسسات مغربية لا يُمثل مجرد تعديل إداري، بل يُجسد قطيعة معرفية وإجرائية مع نماذج التبعية التقنية، ويُعيد صياغة مفهوم السيادة على المجال البحري”.

وأضاف معتضد أن “هذا التطور لا يمكن فصله عن المسار الأوسع الذي تنتهجه الرباط فيما يتعلق بإعادة هندسة بنيتها السيادية، فالخرائط البحرية ليست مجرد أدوات للملاحة أو الأمن البحري، بل تُعدّ أحد الأبعاد الجيو-استراتيجية الحيوية، إذ تحدد ممرات الطاقة، ومواقع التنقيب البحري، ومناطق النفوذ الجيو- اقتصادي. وعليه، فإن مغربة إنتاج هذه الخرائط تُترجم إرادة سياسية واضحة في بناء استقلال معرفي في مجال حساس، يتقاطع فيه البيئي بالاقتصادي، والعسكري بالجيو- سياسي”.

وتابع قائلا: “هذه الخطوة تندرج ضمن واقع العلاقات المغربية- الفرنسية الذي عرف، في السنوات الأخيرة، دينامية أوسع تتعلَّق بإعادة تشكيل موازين القوة في غرب المتوسط، فالمغرب، الذي رسَّخ حضوره كقوة بحرية صاعدة عبر بنيات تحتية، يسعى إلى تعزيز موقعه في الملفات البحرية الإقليمية، من الهجرة إلى أمن الملاحة، وصولًا إلى الطاقة المتجددة. وفي هذا السياق تمثل السيطرة الوطنية على إنتاج الخرائط أداة تفاوضية إضافية تُعيد ترتيب موقع الرباط في المعادلات البحرية المتوسطية والأطلسية”.

وخلص إلى أن “هذا التطور جزء من تحوّل أعمق في الذهنية الاستراتيجية المغربية، إذ لم يعُد المغرب يطلب من الحلفاء أن يقوموا بدور الوصي التقني، بل يُعيد تشكيل أدواته الداخلية بما يخدم رؤيته السيادية. وهذا ما نلمسه في السياسة الخارجية المغربية المعاصرة، من اعترافات القوى الكبرى بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية إلى حضوره المتنامي في إفريقيا، وكلها ملامح تؤشر على بروز مفهوم سيادي جديد يعيد تشكيل موقع المغرب في خرائط النفوذ الإقليمي والدولي”.

كفاءة مغربية

من جانبه، قال الحسين أولودي، الباحث في الجغرافيا السياسية وعضو المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، إن “الخرائط البحرية تحمل معلومات مهمة جدًا حول الممرات البحرية والثروات الطبيعية والمعدنية ومجموعة من المعطيات الأخرى ذات الطابع الاستراتيجي والحساس أيضًا. وإسناد إنتاج وتوزيع هذه الخرائط إلى البحرية المغربية خطوة مهمة تعزز السيادة الوطنية على المياه الإقليمية، وتقوي قدرة المغرب على حماية مصالحه في الفضاء البحري”.

وأوضح الباحث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إسناد إنتاج الخرائط البحرية إلى المغرب يدعم الجهود الوطنية لمواجهة التحديات المتزايدة التي تعرفها السواحل المغربية”، مشيرا إلى أن “المغرب له ما يكفي من التجارب والخبرات لتولي إنتاج وتوزيع خرائطه البحرية، وهذا الاتفاق سيدعم العديد من المشاريع التي أطلقتها المملكة لتهيئة المجال البحري”.

وسجل أن “الاتفاق الموقع بين فرنسا والمغرب يعزز قدراته في مواجهة مختلف التحديات التي يواجهها المجال السيادي البحري المغربي، إذ تعد الخرائط من الآليات المعتمدة لرصد وكشف التحركات البحرية المشبوهة، سواء المرتبطة بالتهريب أو الهجرة غير النظامية أو القرصنة أو الصيد الجائر، وغيرها من الظواهر الأمنية التي باتت تشكل هاجسًا كبيرًا بالنسبة للعديد من الدول الساحلية في المتوسط والأطلسي”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا