أدت الرسوم الباهظة الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تأشيرات عمل "H-1B" إلى محادثات رفيعة المستوى داخل الشركات في وادي السيليكون وخارجه حول إمكانية نقل المزيد من الوظائف إلى الخارج، وهي تحديدًا النتيجة التي كانت هذه السياسة تهدف إلى وقفها.
وأعلن ترامب يوم الجمعة عن تغيير في برنامج التأشيرات الذي لطالما مثّل مسارًا للتوظيف في شركات التكنولوجيا، وشجّع الطلاب الدوليين على الالتحاق ببرامج الدراسات العليا في الولايات المتحدة.
وفي حين أن الرسوم البالغة 100 ألف دولار تُطبّق فقط على المتقدمين الجدد -وليس على حاملي التأشيرة الحاليين كما أُعلن في البداية- فإن الارتباك المحيط بطرحها وتكلفتها الباهظة يدفعان الشركات بالفعل إلى تعليق الخطط المتعلقة بالتوظيف والميزانيات والقوى العاملة، وفقًا لمقابلات أجرتها "رويترز" مع مؤسسين ومستثمرين في رأس مال المغامر ومحامين متخصصين في الهجرة يعملون مع شركات التكنولوجيا.
وقال كريس توماس، وهو محامي الهجرة في شركة هولاند آند هارت للمحاماة في كولورادو: "أجريتُ عدة محادثات مع عملاء من الشركات... حيث قالوا إن هذه الرسوم الجديدة ببساطة غير عملية في الولايات المتحدة، وإن الوقت حان لنبدأ البحث عن دول أخرى حيث يمكننا الحصول على مواهب عالية المهارة".
وأضاف: "وهذه شركات كبيرة، بعضها أسماء مألوفة، (شركات من قائمة) فورتشن 100، تقول ببساطة لا يمكننا الاستمرار".
وفقًا لمركز بيو للأبحاث، تمت الموافقة على حوالي 141 ألف طلب جديد للحصول على تأشيرة "H-1B" في عام 2024. وعلى الرغم من أن الكونغرس يحدد سقفًا أقصى للتأشيرات الجديدة عند 65 ألف تأشيرة سنويًا، كان إجمالي الموافقات أعلى من ذلك نظرًا لاستبعاد الالتماسات المقدمة من الجامعات وبعض الفئات الأخرى من هذا السقف. وأظهرت بيانات "بيو" أن الوظائف المتعلقة بالحواسيب شكلت غالبية الموافقات الجديدة.
قالت إدارة ترامب ومنتقدو برنامج تأشيرة "H-1B" أنه يُستخدم لإبقاء الأجور منخفضة، وإن كبحه يفتح المزيد من فرص العمل للعاملين في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة. وذكر إعلان ترامب يوم الجمعة أن برنامج تأشيرة "H-1B" زاد من صعوبة حصول خريجي الجامعات على وظائف في مجال تكنولوجيا المعلومات.
كانت تكلفة التأشيرة في السابق بضعة آلاف من الدولارات فقط لأصحاب العمل. لكن الرسوم الجديدة البالغة 100 ألف دولار ستقلب المعادلة رأسًا على عقب، مما يجعل توظيف الكفاءات في دول مثل الهند -حيث الأجور أقل، وتبني شركات التكنولوجيا الكبرى الآن مراكز ابتكار بدلًا من المكاتب الخلفية- أكثر جاذبية، وفقًا لما قاله خبراء ومديرين تنفيذيين لرويترز.
وقال سام ليانغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة أوتر (Otter) الناشئة المعروفة في مجال تحول المحادثات والتسجيلات إلى نصوص بواسطة الذكاء الاصطناعي: "ربما يتعين علينا تقليل عدد العاملين الحاصلين على تأشيرة H-1B الذين يمكننا توظيفهم"، مضيفًا: "قد تضطر بعض الشركات إلى الاستعانة بمصادر خارجية لبعض قوتها العاملة. ربما تقوم بالتوظيف في الهند أو دول أخرى لمجرد الالتفاف على مشكلة تأشيرة H-1B".
في حين أشاد المحافظون منذ فترة طويلة بحملة ترامب الواسعة النطاق على الهجرة، حظيت خطوة تأشيرة "H-1B" بدعم بعض الأوساط الليبرالية أيضًا.
وقال ديدي داس، الشريك في شركة رأس المال المغامر "Menlo Ventures" التي استثمرت في شركات ناشئة مثل شركة الذكاء الاصطناعي أنثروبيك، إن "الأحكام الشاملة كهذه نادرًا ما تكون جيدة للهجرة" وستؤثر بشكل غير متناسب على الشركات الناشئة.
وعلى عكس شركات التكنولوجيا الكبيرة التي تتكون حزم تعويضاتها من النقد والأسهم، تميل حزم رواتب الشركات الناشئة عادةً إلى الأسهم لأنها تحتاج إلى النقد لبناء الأعمال.
وقال داس: "بالنسبة للشركات الكبرى، التكلفة ليست جوهرية. أما بالنسبة للشركات الأصغر، التي لديها أقل من 25 موظفًا، فالأمر أكثر أهمية بكثير".
وأضاف: "الرؤساء التنفيذيون لشركات التكنولوجيا الكبرى توقعوا هذا الأمر وسيدفعون. بالنسبة لهم، تُعدّ قلة المنافسين الصغار ميزة. الشركات الناشئة الأصغر هي الأكثر تضررًا".
قال محللون إن هذه السياسة قد تعني أيضًا انخفاض عدد المهاجرين الموهوبين الذين غالبًا ما يشرعون في تأسيس شركات جديدة.
ووفقًا لتقرير صدر عام 2022 عن المؤسسة الوطنية للسياسات الأميركية، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية مقرها فيرجينيا، فإن أكثر من نصف الشركات الناشئة في الولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أو أكثر كان لديها مؤسس مهاجر واحد على الأقل.
وقال العديد من المحامين إن الشركات الناشئة التي يمثلونها تُعلق آمالها على دعاوى قضائية تُجادل بأن الإدارة تجاوزت الحد بفرض رسوم تتجاوز ما تصوره الكونغرس، مراهنين على أن المحاكم ستخفف القاعدة قبل أن تُعيق التكاليف التوظيف.
وقال بلال الزبيري، مؤسس شركة رأس المال المغامر "Red Glass Ventures" ومقرها وادي السيليكون، والذي بدأ حياته المهنية في الولايات المتحدة بتأشيرة "H-1B"، إنه إذا لم يحدث هذا "فسوف نشهد انسحابًا من جانب أذكى الناس في جميع أنحاء العالم".