في خطوة جديدة نحو تصميم جيل مختلف من الروبوتات، طوّر فريق بحثي كوري مشغّلا روبوتيا مرنا على شكل "جلد" رقيق قادر على الحركة في اتجاهات متعددة، ويحاكي في حركته الآليات الطبيعية لانقباض العضلات داخل الجسم البشري.
يقول كيهون كيم، الأستاذ في قسم الهندسة الميكانيكية بجامعة بوهانغ للعلوم والتكنولوجيا في كوريا الجنوبية، والمؤلف المراسل لل دراسة المنشورة في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه: "نجحنا في دمج شبكة هوائية ثلاثية الأبعاد معقدة داخل بنية رقيقة ومرنة، مما يتيح حركة متعددة الاتجاهات مستوحاة من الأنظمة البيولوجية".
ويضيف: "نأمل أن تُستخدم هذه التقنية في مجالات متنوعة، مثل الروبوتات الجراحية، والروبوتات التعاونية في بيئات صناعية، وروبوتات الاستكشاف في الأماكن الوعرة".
يعتمد تصميم المشغّل الجديد على مبدأ مستوحى من البروتين الحركي "الميوسين" الذي يولّد الحركة داخل الألياف العضلية البشرية. ففي جسم الإنسان، يكرر الميوسين حركات دفع وسحب على مسافات قصيرة، لكن يولد تراكب الملايين من هذه الحركات الصغيرة حركة كبيرة وفعّالة.
ويقول الباحثون في نص الدراسة: "نقترح مشغّلا مرنا على شكل صفيحة يمكن لسطحه أن ينتج نتوءات تحاكي حركة الميوسين، مما يمكّنه من الالتصاق بأسطح مختلفة وتوليد حركة في اتجاهات متعددة". ولتحقيق هذا الهدف، استخدم الفريق هيكلا داخليا متعدد الطبقات يضم عشرات الحجرات الهوائية الرقيقة المتصلة عبر قنوات دقيقة.
ويُضخ الهواء داخل هذه الحجرات عبر 6 دوائر هوائية صغيرة مدمجة داخل الجسم الرقيق للمشغّل، مما يحوّل الضغط الهوائي غير الموجّه إلى حركات ميكانيكية موجهة ودقيقة. وبحسب الدراسة، يسمح الهيكل المتداخل للحجرات الهوائية الرقيقة بإنتاج حركات معقدة على السطح، حتى مع انخفاض سُمك المشغّل إلى أقل من 1.5 مليمتر، بما يجعله أقرب للأغشية الجلدية الرقيقة.
ومعظم الروبوتات المرنة التقليدية تعتمد على الكهرباء الساكنة أو المواد الكهروضغطية أو الهلاميات الحرارية، لكنها تعاني من ضعف القدرة على توليد القوة مما يصعب عملها في العالم الحقيقي. أما المشغّل الجديد فيستخدم الهواء المضغوط، مما يجعله أكثر أمانا للعمل مع البشر أو داخل الجسم الحي. كما أنه قادر على حمل أوزان أكبر تصل إلى 77 ضعف وزنه مقارنة بـ3 أو 4 أضعاف للعضلة البشرية للأشخاص الطبيعيين، وقابل للعمل تحت الماء دون تأثر بالضغط الهيدروليكي.
ويقول الباحثون في الورقة العلمية: "الميزة الفريدة للمشغّل المقترح أنه يولد حركة زاحفة موازية للسطح باستخدام نتوءات صغيرة بدلا من ثني الجسم بالكامل، مما يمكّنه من الحركة حتى وهو ملتف حول أجسام أسطوانية أو في مساحات ضيقة".
يؤكد كيم أن هذه التقنية ليست مجرد نموذج تجريبي، بل منصة يمكن توجيهها نحو استخدامات عملية عالية القيمة، حيث يمكن دمج هذا المشغّل في أدوات الجراحة الدقيقة لتمكينها من الحركة داخل تجاويف الجسم دون الحاجة لميكانيكا معقدة أو فتحات كبيرة. كما تسمح إضافة طبقة من هذا "الجلد المتحرك" إلى أذرع الروبوتات التقليدية بتعزيز قدرات تلك الأذرع على المناولة الدقيقة دون الحاجة لإعادة تصميم الماكينة بالكامل.
وأظهر الفريق أن الجهاز يستطيع التحرك بحرية داخل أنابيب قطرها لا يتجاوز 3 مليمترات بين الجدران، ويمكنه إزالة العقبات أو حمل كاميرات استكشافية. ووفق نص الدراسة يقول الباحثون: "أظهرنا أن المشغّل يمكنه نقل أجسام أثقل منه بعشرات المرات، والتحرك على أسطح مختلفة مثل الزجاج والخشب والبلاستيك، وحتى تحت الماء، مع الحفاظ على القدرة على التوجيه والدوران في 6 اتجاهات أساسية".
واحدة من أهم نقاط التقدم في هذا البحث هي أن العلماء لم يكتفوا بتطوير المشغّل عمليا، بل قدّموا نموذجا تحليليا رياضيا يمكنه التنبؤ بسلوك الروبوت بدقة. ويقول الباحثون في الدراسة: "يتيح النموذج الرياضي فهم كيف تؤثر متغيرات التصميم، مثل درجة تداخل الحجرات الهوائية وارتفاع النتوءات السطحية، على شكل الحركة الناتجة، مما يساعد على تحسين التصميم لتطبيقات مختلفة".
هذا النموذج يقلل الحاجة إلى المحاكاة الحاسوبية الثقيلة والمعقدة، ويتيح للمهندسين تصميم نسخ مختلفة بسرعة لتلائم مهام متنوعة، سواء كانت تتطلب سرعة عالية أو دقة متناهية في الحركة.
كما تفتح هذه الدراسة الباب أمام جيل جديد من الروبوتات “الجلدية” أو “المطاطية الزاحفة” التي يمكن إضافتها إلى أي روبوت تقليدي دون تغيير تصميمه الأساسي، مما ينبئ بثورة في عالم الروبوتات المرنة.