آخر الأخبار

الشعاب الأحفورية.. الجزائر تكسر الاحتكار الأوروبي باكتشاف مدهش

شارك

في أعماق البحار الضحلة، حيث يغلب الطين أو الرمل على القاع، يصعب على الكائنات البحرية التي تحتاج إلى أسطح صلبة أن تجد موطئ قدم. لكن ديدانًا بحرية قديمة جدا تُدعى السربوليد وجدت حلاً عبقريًا، حيث بنت لنفسها أنابيب كلسية صغيرة وصلبة من كربونات الكالسيوم تعيش بداخلها، تشبه القواقع المصغّرة.

وما إن تعثر هذه الدودة على سطح صلب، مثل قوقعة مهجورة أو أنبوب دودة أخرى، حتى تبدأ في تشييد منزلها عليه. ثم تأتي ديدان جديدة، وتبني فوقها، وتتراكم الأنابيب طبقة فوق طبقة، حتى تتكوّن في النهاية تراكيب ضخمة تشبه الشعاب المرجانية، لكنها من صنع الديدان.

إنه مثال مدهش لكائنات بسيطة قادرة على تحويل بيئة طينية صعبة إلى مدينة حجرية صلبة نابضة بالحياة، هذه التراكمات تعرف باسم شعاب السربوليد، وهي تشكلت في العصور الجيولوجية القديمة، ورغم أنها ظهرت منذ العصر البرمي ( من 299 مليون سنة إلى 251 مليون سنة مضت)، فإن تنوعها بلغ ذروته خلال العصر الطباشيري ( 145 مليون سنة إلى 66 مليون سنة مضت)، وتُعد هذه الشعاب مصدر مهما لدراسة البيئات البحرية القديمة، لأنها كانت توفر موائل ثابتة للكائنات في بيئات غالبا ما كانت تفتقر إلى التنوع، مثل البحيرات الساحلية أو البحار المغلقة.

وكانت معظم الدراسات التي تجرى على شعاب السربوليد القديمة تركز على أوروبا فقط، مما أعطى انطباعا خاطئا بأنها كانت محدودة الانتشار، لكن اكتشافا جديدا في الجزائر، وهو الأول من نوعه في أفريقيا، وتم الإعلان عنه في دورية "بروسيدينجز أوف ذي جيولجستس أسوسيييشن"، يُظهر أن ديدان السربوليد كانت منتشرة في المحيطات والبحار القديمة على نطاق عالمي.

ويقول د. أوليف فين، من معهد البيئة وعلوم الأرض، جامعة تارتو بإستونيا، والباحث الرئيسي بالدراسة للجزيرة نت: "اكتشاف تجمعات السربوليد في الجزائر يُثبت أن هذه الشعاب لم تكن حكرا على أوروبا، بل كانت بالفعل منتشرة عالميا في بحار العصر الطباشيري، مثلما هو الحال في المحيطات الحديثة، وهذا من شأنه أن يعيد التوازن إلى السجل الأحفوري، ويؤكد أن أفريقيا كانت موطنا لهذه الكائنات البحرية أيضا".

مصدر الصورة بقايا شعاب السربوليد التي وجدها العلماء (الفريق البحثي)

تفاصيل الاكتشاف في الجزائر

وعُثر على تجمعات السربوليد في تكوين "لويزا مارلز" شمال الجزائر، حيث تظهر طبقة جيرية تحتوي على شعاب أنبوبية مروحية الشكل يصل قطر بعضها إلى 25 سنتمترا، وتتكون هذه الشعاب من أنابيب متفاوتة السماكة، مما يشير إلى نشأتها في بيئة نشطة بيولوجيا.

إعلان

ويؤكد الباحثون أن هذه التجمعات ليست محفوظة في موضعها الأصلي بل يُرجح أنها نُقلت بفعل تيارات المياه من شعاب أكبر كانت قائمة في مكان قريب.

ويفسر الدكتور فين عملية الحفظ النادرة لهذه الأنابيب بأنها نتيجة التركيب الكلسي لأنابيب الديدان، إلى جانب الدفن السريع في الرسوبيات، مما وفر لها الحماية من التآكل.

ويوضح أن "الهياكل الكلسية يمكن أن تبقى لملايين السنين إذا دُفنت بسرعة، أما في حال الترسيب البطيء فستتلف بفعل حركة المياه".

مصدر الصورة وجدت هذه التشكلات شمالي الجزائر (وكالة الأناضول)

مياه ضحلة وتنوع منخفض

وأظهرت الدراسة أن هذه التجمعات نشأت في بيئة بحرية هامشية، غالبا ما كانت عبارة عن بحيرات ساحلية قليلة الملوحة، ويستدل الفريق العلمي على ذلك من قلة تنوع الكائنات المصاحبة داخل طبقات الشعاب، وهو أمر نادر في بيئات الطباشيري الاستوائية.

ويلفت الباحث إلى أن قاع هذه البيئة كان طينيا أو رمليا، ويفتقر إلى الصخور الصلبة التي تحتاجها اليرقات للاستقرار، ومع قلة الخيارات، اضطرت اليرقات إلى الاستقرار فوق أنابيب ديدان أخرى، مما أدى إلى تكوين تجمعات مروحية الشكل بكثافة غير معتادة.

وتشبه شعاب الجزائر في الشكل والتكوين الشعاب السربوليدية التي عُثر عليها في أوروبا خلال الحقبة نفسها، لكنها تختلف عن الشعاب الحديثة بكونها أقل تنوعا من حيث الكائنات المصاحبة.

لماذا هذا الاكتشاف مهم؟

يرى الفريق أن هذا الاكتشاف يعزز فهمنا لتاريخ الشعاب السربوليدية ويوسع النطاق الجغرافي المعروف لها في العصور القديمة، كما يشير إلى أن هذه الكائنات كان لها دور بيئي كبير في مناطق بحرية قليلة الصخور، مما يدعم نظرية أنها كانت جزءا من أنظمة بيئية نشطة، وليست مجرد هياكل جانبية.

ويقول فين: "نحن أمام أول دليل موثق على وجود هذه الأنظمة البيئية في أفريقيا خلال العصر الطباشيري، بما يكشف قدرة هذه الكائنات الدقيقة على بناء بيئات معقدة في ظروف قاسية، تماما كما تفعل بعض الأنواع الحديثة اليوم".

ويختم: "هذا الاكتشاف لا يضيف فقط إلى سجل الحفريات، بل يساعدنا على فهم ديناميكيات الحياة البحرية القديمة بشكل أدق".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار