يجدد جسم الإنسان نفسه بلا توقف، في عملية مذهلة لا نشعر بها، لكنها تحدث على مدار الساعة.
فداخل أجسامنا، يعمل جيش من أكثر من 30 تريليون خلية على صيانة الأعضاء وتجديد الأنسجة لضمان بقائنا بصحة جيدة. ويقدّر العلماء أن أجسام الرجال تحتوي في المتوسط على 36 تريليون خلية، بينما تمتلك النساء نحو 30 تريليون خلية. (ملايين من هذه الخلايا تموت وتُستبدل يوميا في دورة دائمة من الحياة والتجدد).
وتتجدد خلايا الدم الحمراء، على سبيل المثال، كل 120 يوما في نخاع العظم. كما تتجدد الطبقة الخارجية من الجلد، أي البشرة، كل 4 أسابيع، حيث تصعد خلايا جديدة من الطبقات السفلية لتكوّن حاجزا واقيا. أما في الجهاز الهضمي، فتتبدل الخلايا المبطنة للمعدة والأمعاء خلال أقل من أسبوع، بسبب التعرض المستمر للأحماض والطعام.
وحتى العظام، التي تبدو صلبة وثابتة، تخضع لعملية تجدد دائمة، بحيث يُعاد تشكيل الهيكل العظمي للبالغين بالكامل تقريبا كل عشر سنوات. وينتج الكبد أيضا، بصفته عضو إزالة السموم في الجسم، خلايا جديدة كل 150 إلى 500 يوم، ويمكنه بدء التجدد في غضون أسابيع عند التوقف عن شرب الكحول، ما يحسن وظائفه بشكل ملحوظ خلال أشهر قليلة.
لكن، كيف يعرف الجسم متى يجب أن يتجدد؟
يفسر البروفيسور سوميت بال سينغ، رئيس مختبر سينغ في المعهد الهندي للتكنولوجيا، أن التجدد ليس عشوائيا، بل هو استجابة منسقة تبدأ عندما ترصد الأنسجة الإصابة أو الضرر. وتنبه إشارات مثل الالتهاب أو التلف الخلوي الجسم، فيتخذ أحد مسارين: إما إنتاج خلايا جديدة (التجدد)، أو تكوين نسيج ندبي (التندب).
ويرى سينغ أن التندب يمثل عقبة رئيسية أمام الشفاء الكامل؛ فهو لا يشغل فقط مساحة كانت مخصصة لأنسجة سليمة، بل يعيق أيضا التواصل الخلوي الذي يوجّه عملية الإصلاح.
لماذا ينجح التجدد في بعض الأعضاء أكثر من غيرها؟
تتميز بعض الأنسجة، مثل الجلد والكبد، بالتجدد المذهل. وفي المقابل، يعاني القلب والجهاز العصبي المركزي من ضعف القدرة على استعادة وظائفه بعد الإصابة، ويميل لتكوين ندوب بدلا من إصلاح نفسه. وهذه الاختلافات ناتجة عن توازن تطوري بين السرعة في الترميم والحفاظ على الوظيفة الكاملة.
وتلعب العوامل البيئية أيضا دورا حاسما في هذه المعادلة. فالتعرض المزمن للكحول مثلا يضعف قدرة الكبد على التجدد، ويزيد من احتمال التليف. وإلى جانب ذلك، تؤثر الجينات والعمر ونمط الحياة على مدى فعالية عملية التجدد.
وأوضح العلماء أن الشباب يتعافون بسرعة أكبر من كبار السن، ويرث البعض جينات تعزز عملية الشفاء، بينما تعيق طفرات جينية أو أمراض مزمنة مثل السكري، هذه العملية. كما تؤدي الضغوط البيئية وسوء التغذية والتعرض المستمر للتلوث، إلى تثبيط قدرة الجسم على إصلاح نفسه.
ويؤكد سينغ أن النوم الجيد والتغذية السليمة والمزاج الإيجابي عوامل تعزز مناعة الجسم وتساهم في دعم تجدد الأنسجة. ويضيف أن التمارين الرياضية لا تفيد فقط العضلات، بل تعزز أيضا تجدد خلايا الكبد والدماغ. كما أن تقييد السعرات الحرارية ثبت في الدراسات الحيوانية أنه يطيل العمر من خلال تقليل الضغط الأيضي.
وتلعب الخلايا المناعية دورا محوريا في عملية التجدد. لذلك، يعكف العلماء على "إعادة برمجة" هذه الخلايا لتتعرف على التشوهات مبكرا وتصلحها قبل أن تتفاقم.
لماذا إذا تستمر الأمراض المزمنة رغم قدرة الجسم على التجدد؟
بحسب سينغ، يعود ذلك إلى خلل في التوازن بين الضرر والتعافي: "عندما يحدث التلف بسرعة تفوق قدرة الجسم على إصلاح نفسه، تتشكل ندوب بدلا من تجدد الخلايا، ما يؤدي إلى ضعف وظيفي طويل الأمد". ويضيف أن التيلوميرات القصيرة وتراكم الطفرات واستنزاف الخلايا الجذعية، كلها عوامل تحد من قدرة الأنسجة على التجدد بمرور الزمن.
المصدر: interesting engineering