آخر الأخبار

كأس إفريقيا للأمم تغير "صناعة اللعب"

شارك

يبدو أن الدور الكلاسيكي لصانع الألعاب، أي اللاعب الذي يسيطر على عمق الملعب وينتظر اللحظة المناسبة لصنع الفارق، بات من الماضي في نسخة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم الحالية.

هذا المركز التاريخي، المعروف بالرقم 10 أو صانع اللعب الكلاسيكي، لم يعد كما كان؛ إذ تراجعت المساحات المتاحة للإبداع الفردي، وأصبح اللاعب مطالبا بالمشاركة في بناء اللعب والضغط الدفاعي ضمن منظومة تكتيكية أكثر صرامة.

التطور التكتيكي في كرة القدم المعاصرة لم يقتصر على الدوريات الأوروبية فقط، بل ظهر بوضوح في الملاعب الإفريقية. فقد تحولت الدفاعات من مجرد خطوط خلفية إلى منظومة متكاملة تضغط ككتلة واحدة عبر مختلف مناطق الملعب، ما قلص المسافات بين خطوط الدفاع والوسط والهجوم.

في الماضي، كانت هناك فجوة واضحة بين خط وسط المنافس ودفاعه، تسمح لصانع الألعاب باستلام الكرة والتلاعب بإيقاع اللعب بحرية. أما في كأس أمم إفريقيا الحالية، فقد أصبحت هذه الفجوة شبه معدومة؛ وإذا استلم اللاعب الكرة في العمق، فإنه غالبا ما يجد نفسه محاصرا من أكثر من مدافع خلال أجزاء من الثانية.

هذا الواقع التكتيكي برز جليا في كيفية تنظيم عدد من المنتخبات الكبرى داخل البطولة. فالمنتخبات التي حققت نتائج إيجابية في الجولات الأولى، مثل السنغال والمغرب ومصر والجزائر ونيجيريا، اعتمدت على هياكل دفاعية قوية وكثافة بدنية في خطوط الوسط، مع تحولات سريعة عند استعادة الكرة، بدل الركون إلى لاعب واحد يصنع الفارق من العمق.

ويعكس ذلك بوضوح أن اللاعبين الذين لا يساهمون في الضغط الجماعي واستعادة الكرة لم تعد لهم قيمة تكتيكية كبيرة في كرة القدم الحديثة.

ثمة اتجاه واضح في أمم إفريقيا 2025 نحو انتقال الإبداع داخل الملعب، لا اختفائه. فبدلا من التمركز في العمق وانتظار الكرة، يلاحظ بروز الإبداع في مواقع مختلفة.

أحد الأدوار اللافتة في البطولة هو ما يعرف بصانع اللعب المتأخر، الذي يشارك في بناء اللعب أمام الخط الدفاعي مباشرة، مستفيدا من رؤية أوسع للملعب وبعيدا عن زحمة اللاعبين في العمق. كما تبرز مساهمات صانعي اللعب عبر الأجنحة، حيث يمنح الخط الجانبي اللاعب مساحة أكبر لإطلاق التمريرات أو اختراق دفاع المنافس. ويعكس هذا التحول قدرة اللاعبين المبدعين على التكيف مع متطلبات العصر الجديد.

وفي السياق الإفريقي، يبرز تحول واضح في أساليب اللعب خلال البطولة الحالية؛ إذ ركزت العديد من المنتخبات، بدافع المنافسة البدنية والسرعة، على إشراك ثلاثة لاعبين في خط الوسط يمتلكون القدرة على الجري واستعادة الكرة والضغط المستمر، بدل الاعتماد على صانع ألعاب كلاسيكي.

هذا التوجه جعل أداء البطولة يميل نحو أسلوب شديد الاندماج، حيث يصبح اللعب الجماعي وتنظيم الخطوط أكثر أهمية من لحظة الإبداع الفردي المعزول.

وتؤكد الأكاديميات الحديثة والأنظمة التدريبية أن منحى تكوين اللاعبين الأفارقة يميل غالبا إلى تطوير الجوانب البدنية والسرعة والتنافسية، مقابل تركيز أقل على التعليم التكتيكي العميق الذي ينمي مهارات بناء اللعب وصناعة اللحظات الحاسمة من العمق.

ويفسر ذلك سبب النظر إلى اللاعبين الأفارقة في كثير من الأحيان داخل الأندية الكبرى باعتبارهم عناصر بدنية قوية تُستثمر في الضغط أو استعادة الكرة، بينما تُسند أدوار التنظيم وصناعة اللعب للاعبين تربوا في بيئات تكتيكية أكثر تخصصا.

وعلى صعيد المنتخبات، تتجلى هذه الديناميكيات التكتيكية في كأس أمم إفريقيا الحالية من خلال تحليل عدد من المباريات. ففي مواجهات مثل المغرب ضد مالي، ونيجيريا ضد تونس، ومصر ضد جنوب إفريقيا، والكاميرون ضد ساحل العاج، بدا واضحا تفضيل المدربين للمرونة في التشكيلة والامتلاك الجماعي للكرة، مع تجهيز لاعبين قادرين على تقديم تمريرات دقيقة والتحول السريع، بدل الاعتماد على لاعب واحد بارز في مركز صانع الألعاب.

والنتيجة هي وجود لاعبين يمتلكون مهارات فردية عالية، لكن ضمن منظومة جماعية أكثر توازنا واندماجا. ويتجلى ذلك في كيفية اشتغال خطوط الوسط خلال المباراة الواحدة، حيث يتحول البناء الدفاعي والهجومي إلى لعبة أدوار متداخلة تتطلب مشاركة جميع اللاعبين في أكثر من وظيفة في آن واحد. فلم يعد صانع الألعاب مركزا محوريا يستند إليه الفريق في لحظات الحسم، بل أصبح عنصرا ضمن منظومة جماعية تُبنى عليها الخطط.

ولا يعني هذا أن الإبداع اختفى من منافسات كأس أمم إفريقيا، بل إن هيكله وموقعه داخل المنظومة التكتيكية قد تغيرا. فاللاعب المبدع في العصر الحالي مطالب بالمساهمة في الدفاع والهجوم معا، والتحرك بين الخطوط، والمشاركة في الضغط واستعادة الكرة، حتى وإن لم يكن في موقع صانع اللعب الكلاسيكي.

وتعكس هذه المتطلبات الجديدة كيفية إعداد المنتخبات وخططها في البطولة، مؤكدة أن كرة القدم الإفريقية، على غرار نظيراتها في باقي أنحاء العالم، تبنت لغة تكتيكية أكثر شمولا وتكاملا، تتطلب من اللاعبين أكثر من مجرد موهبة فنية معزولة.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا