آخر الأخبار

حصاد 2025 بالمغرب.. تألق على الملاعب الدولية وصمود أمام فواجع الطبيعة والتقلبات المجتمعية

شارك

سجل المغرب في سنة 2025 محطة مفصلية في تاريخه الحديث، عام اجتمعت فيه الانتصارات الدبلوماسية والإنجازات الرياضية الاستثنائية مع فواجع الطبيعة والتحولات الاجتماعية العميقة. سنة رسمت ملامح مرحلة جديدة من الحسم الوطني والوعي الجمعي، لتظل أحداثها محفورة في ذاكرة المغاربة كعام الاستحقاقات والتحديات المصيرية.

وتربع القرار الأممي التاريخي القاضي بالتصويت لصالح مبادرة الحكم الذاتي في 31 أكتوبر الماضي على عرش أحداث سنة 2025، مشكلا منعطفا جيوسياسيا فارقا في مسار طي نزاع الصحراء المغربية. ولم يكن هذا القرار مجرد إجراء دبلوماسي عابر، بل جاء كـ”شهادة ميلاد دولية” تكرس واقعية ومصداقية المقترح المغربي، وتنهي عقودا من الجمود، واضعة سيادة المملكة فوق ترابها تحت حصانة الشرعية الدولية من داخل قبة مجلس الأمن.

وتتويجا لهذا المسار الاستراتيجي، وفي خطوة رمزية بليغة الدلالة، أقر الملك محمد السادس يوم 31 أكتوبر عيدا وطنيا جديدا يحمل اسم “عيد الوحدة”؛ ليكون محطة سنوية تؤرخ لزمن “السيادة الكاملة”، وتحوّل استكمال الوحدة الترابية إلى ذاكرة حية تنهل منها الأجيال معاني الشموخ والوفاء.

وفي قرار سيادي وتاريخي، أهاب الملك محمد السادس بالمغاربة عدم إقامة شعيرة ذبح الأضحية نظرا لتوالي سنوات الجفاف وحماية للقطيع الوطني. بيد أن هذا القرار التاريخي لم يمر دون صخب سياسي، إذ اندلع جدلٌ واسع حول استفادة “كبار المستوردين”—أو مَن باتوا يُعرفون شعبيا بـ”الفراقشية” من دعم عمومي ضخم ناهز 13 مليار درهم؛ وهو الملف الذي نقلته المعارضة إلى قبة البرلمان بمطالب ملحة لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لفك شفرات الدعم وتحديد مدى انعكاسه على القوة الشرائية للمواطنين.

وعلى صعيد التحولات الاجتماعية، سجلت سنة 2025 ظهورا لافتا لما بات يعرف باحتجاجات “جيل زد”، حيث خرج آلاف الشباب في وقفات عفوية بعدد من الحواضر المغربية ترفع مطالب راديكالية لإصلاح منظومتي الصحة والتعليم. بيد أن هذه الحركية الشبابية سرعان ما انزلقت نحو منعرجات خطيرة، بعدما تحولت في بعض المناطق إلى مواجهات ميدانية وأعمال تخريب واقتحامات خلفت خسائر بشرية ومئات الاعتقالات في صفوف المتظاهرين.

وانتهت هذه الأحداث بردهات المحاكم، التي أصدرت أحكاما قضائية ثقيلة بلغت في أقصاها 15 سنوات سجنا نافذا ضد متورطين توبعوا بتهم جنائية وصفتها النيابة العامة بـ”الخطيرة”، شملت إضرام النار العمدي وتخريب ممتلكات عمومية وخاصة.”

ولم تكن المملكة بمنأى عن تهديدات “الحروب السيبرانية”، حيث تميزت السنة التي نودعها بتصاعد هجمات إلكترونية وصفت بـ”الخطيرة”، كان وراءها مجموعات “هاكر” جزائرية، استهدفت قواعد بيانات مؤسسات عمومية وحيوية أبرزها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث أسفرت هذه الاختراقات الممنهجة عن تسريب آلاف الوثائق والبيانات الحساسة.

وتميزت سنة 2025 أيضا بتفجر قضية “الأستاذ قيلش” بجامعة ابن زهر بأكادير، المتورط في شبكة للسمسرة في شواهد الماستر، والمعروفة إعلاميا بـ”ماسترات قيلش”. ولم يقتصر أثر هذا الملف على المسار القضائي للأستاذ المعني فحسب، بل أثار نقاشا واسعا حول نزاهة منظومة التعليم العالي، وأعاد إلى الواجهة مطالب تخليق الحياة الجامعية ووضع حد للممارسات التي تقوّض مبدأ تكافؤ الفرص.

وعلى المستوى الإنساني، عاشت المملكة لحظات عصيبة خيم فيها الحزن على الوجدان الوطني؛ ففي فاس، استيقظت العاصمة العلمية على وقع فاجعة انهيار بنايتين سكنتين والذي أسفر عن مأساة حقيقية خلفت 22 قتيلا تحت الأنقاض.

ولم تلبث جراح فاس أن تندمل، حتى باغتت فيضانات طوفانية مدينة آسفي، حصدت أرواح 39 شخصا في حصيلة ثقيلة؛ وهي الفواجع التي لم تكن مجرد حوادث عارضة، بل وضعت ‘هشاشة البنية التحتية’ والتعمير في قفص الإتهام، وأطلقت صرخة استغاثة لإعادة النظر في سياسات تأمين الدور الآيلة للسقوط والوقاية من المخاطر الطبيعية.

وفي قلب الأطلس الكبير، انبعثت صرخة آيت بوكماز لتكسر صمت الجبال؛ حيث قادت الساكنة في يوليوز 2025 “مسيرة الكرامة الجبلية” مشيا على الأقدام، للمطالبة بفك العزلة وتوفير التطبيب والتمدرس. هذه الحركة السلمية نجحت في تعرية الفجوة التنموية السحيقة بين الحواضر و”المغرب المنسي”، دافعة المسؤولين لتقديم تعهدات عاجلة تحت ضغط الشارع الجبلي.

في سياق متصل، دعا الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش المجيد، الحكومة إلى اعتماد مقاربة مجالية متكاملة تضمن استفادة جميع المواطنين من ثمار التنمية، داعيا إلى ضرورة اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية يثمن الخصوصيات المحلية، ويكرس الجهوية المتقدمة، ويعزز التكامل والتضامن بين جميع المناطق والجهات، مشددا على أنه “لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين”.

على الصعيد السياسي، فجرت المعارضة بمجلس النواب قضية “صفقات الأدوية” بمساءلة الحكومة حول منح صفقة استيراد دواء “كلوريد البوتاسيوم” لشركة يملكها أحد الوزراء، ما أثار جدلا واسعا حول تضارب المصالح. فيما طلبت الحكومة عقد اجتماع بالبرلمان لتقديم توضيحاتها، حيث أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن “عمليات اقتناء الأدوية تتم حصرا في إطار القانون، وتخضع لمنظومة الصفقات العمومية، وتنفّذ وفق المرسوم المحدد لقواعد المنافسة، وشروط المشاركة، ومساطر الترشح، ومبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص”.

وكانت 2025 سنة “المستحيل” رياضيا؛ إذ حقق المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة إنجازا كبيرا بالتتويج بكأس العالم للشباب لأول مرة في تاريخه بعد تغلبه على المنتخب الأرجنتيني، كما حقق المنتخب الوطني المغربي الرديف، إنجازا عربيا، بتتويجه بكأس العرب المقامة بقطر للمرة الثانية. فرديا، تربع أشرف حكيمي على عرش القارة بنيله “الكرة الذهبية الأفريقية”.

ومسك الختام، أسدل المغرب الستار على سنة 2025 بتنظيم مبهر لنهائيات كأس أمم أفريقيا، في تظاهرةٍ تحولت إلى رسالة حب من المملكة إلى قارتها الأم. فقد انطلق العرس الإفريقي بحفل افتتاح أسطوري أبهر العالم، بمزج عبقري بين عراقة التراث المغربي الأمازيغي والأندلسي، وبين حداثة العروض الرقمية والاستعراضات التي احتفت بالتعددية الثقافية للقارة السمراء.

ولم يقتصر النجاح على جمالية الاحتفال، بل امتد ليرسم واقعا رياضيا جديدا حطم كل الأرقام القياسية؛ سواء من حيث جودة الملاعب والبنيات التحتية التي أبهرت ضيوف المملكة، أو على مستوى الحضور الجماهيري الكثيف والفرجة التهديفية، لتؤكد المملكة من جديد جاهزيتها التامة لاستقبال العالم في مونديال 2030.

العمق المصدر: العمق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا