آخر الأخبار

قرار الدستورية يعيد جدل المسطرة المدنية للبرلمان وسط خلاف حول الضمانات والإجراءات

شارك

على إيقاع تباين واضح في المواقف بين فرق الأغلبية والمعارضة، انطلقت أشغال لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، مساء الاثنين بمناقشة مواد مشروع القانون رقم 58.25 المتعلق بالمسطرة المدنية، عقب ترتيب الآثار القانونية المترتبة عن قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 04 غشت الماضي.

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه فرق الأغلبية المشروع خطوة أساسية في مسار إصلاح منظومة العدالة وتعزيز الضمانات الدستورية، أبدت فرق المعارضة تحفظاتها بشأن نطاق التعديلات وحدود استجابة النص لمجمل الإشكالات الدستورية المثارة، ما أعاد النقاش حول عمق الإصلاح وحدوده داخل هذا القانون المؤطر للإجراءات القضائية.

وخلال الاجتماع، الذي انعقد بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أشاد أعضاء اللجنة بقرار المحكمة الدستورية، معتبرين أنه يعزز الضمانات القانونية داخل المنظومة القضائية، ويشكل قيمة مضافة على مستوى جودة التشريع وإصلاح المنظومة الدستورية، بما يكفل التطبيق العادل للقوانين في احترام لمبادئ استقلال القضاء والعدالة والحق في محاكمة عادلة والأمن القضائي وحقوق الدفاع.

وفي هذا السياق، أكدت فرق الأغلبية أن إحالة النص القانوني، كما صادق عليه البرلمان بمجلسيه، على المحكمة الدستورية تُعد مبادرة صحية ومسؤولة، جاءت استجابة للنقاش الواسع الذي رافق مشروع القانون، وما أثير بشأنه من مواقف متباينة، خاصة في ما يتعلق بحماية حقوق المتقاضين وضمان النجاعة القضائية وتعزيز منظومة الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا.

وسجلت فرق الأغلبية أن قرار المحكمة الدستورية يكتسي أهمية خاصة، بالنظر إلى المكانة المحورية لقانون المسطرة المدنية في إرساء إصلاح هيكلي لمنظومة العدالة يواكب تطور المجتمع، بهدف إرساء عدالة قائمة على النزاهة والشفافية. وأبرزت أن المحكمة وقفت عند بعض المقتضيات التي لم تطابق أحكام الدستور، أو التي تستوجب مزيدا من الوضوح والدقة وسد بعض الثغرات وإعادة الصياغة، لاسيما تلك المتعلقة بعقد جلسات المحاكم عن بعد باستعمال وسائل التواصل الحديثة.

وأضافت أن إحالة القوانين المصادق عليها على المحكمة الدستورية تمنح التشريع قيمة مضافة من حيث الجودة والانسجام، بما يضمن نصوصا قانونية أكثر توافقا مع الدستور، وأكثر حماية للحقوق والحريات، وفي خدمة المرفق القضائي والمواطنين.

من جهتها، شددت فرق المعارضة على أهمية قرار المحكمة الدستورية في تعزيز الضمانات القانونية ضمن قانون المسطرة المدنية، معتبرة أنه أنصف ما أثير سابقا بخصوص الأمن القضائي والحق في محاكمة عادلة واستقرار الأحكام القضائية. غير أنها سجلت، في المقابل، أن نطاق فحص المحكمة اقتصر على 11 مادة فقط، معتبرة أن مشروع القانون استجاب لبعض الملاحظات الجزئية دون مراجعته في ضوء مجموع القضايا المثارة على المستوى الدستوري.

وفي هذا الإطار، أكدت مجموعة العدالة والتنمية أن قرار المحكمة أشار إلى عدم استيفاء المشرع البرلماني للوسع الكامل في تدقيق عدد من المقتضيات التي يندرج تنظيمها ضمن اختصاصه، مبرزة أن بعض هذه المقتضيات أُحيلت على نصوص تنظيمية بدل تضمينها في القانون نفسه. وأعربت عن أملها في تجاوز هذه الإشكالات خلال المناقشة التفصيلية، بهدف إعداد نص قانوني منسجم وغير مخالف للدستور.

وفي تفاعله مع مداخلات النواب، اعتبر وزير العدل أن القضايا التي لم تبت فيها المحكمة الدستورية جاءت متوافقة مع مقتضيات الدستور، مشددا على أن المشرع يضطلع بمهامه في إطار احترام الدستور، وأن مسألة الدستورية من عدمها تظل في نهاية المطاف مسألة تقدير. وبخصوص الإحالة على نصوص تنظيمية، أوضح الوزير أن قرار المحكمة الدستورية نص على هذا المقتضى ضمن قانون المسطرة المدنية، خاصة في ما يتعلق بتنظيم المحاكمة عن بعد.

ويُشار إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية، بعد ترتيب الآثار القانونية المترتبة عن قرار المحكمة الدستورية، نص في المادة 90 على تحديد الشروط المسطرية لعقد الجلسات بواسطة تقنيات التواصل عن بعد، مع الإحالة على نص تنظيمي يحدد كيفيات سير هذه الجلسات، تطبيقا لمقتضيات القرار الدستوري.

وصادقت الحكومة، خلال مجلسها الأسبوعي بتاريخ 27 نونبر 2025، على مشروع القانون رقم 58.25 المتعلق بالمسطرة المدنية، الذي سبق للمحكمة الدستورية أن أعلنت في قرار صادر عنها في غشت الماضي، عدم دستورية مجموعة من المواد من هذا المشروع.

وأكد بلاغ للحكومة أنها استهلت أشغال مجلسها بالتداول والمصادقة على مشروع القانون رقم 58.25 يتعلق بالمسطرة المدنية، قدمه السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي.

وكانت المحكمة الدستورية قد قضت بعدم دستورية مجموعة من مواد مشروع القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية، أبرزها المادة 17 التي تمنح النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية دون التقيد بآجال محددة، وهو ما اعتبرته المحكمة مساسا بالأمن القضائي واستقرار المعاملات وحقوق الدفاع.

واعتبر قرار المحكمة ذاتها أيضا أن الفقرة الرابعة من المادة 84 تعد “مخالفة للدستور”، وتنص هذه الفقرة على أنه “يجوز للمكلف بالتبليغ، عند عدم العثور على الشخص المطلوب تبليغه في موطنه الحقيقي أو المختار أو محل إقامته، أن يسلم الاستدعاء إلى من يثبت أنه وكيله أو يعمل لفائدته أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني بالتبليغ متعارضة مع مصلحتهم”.

وشمل قرار المحكمة الدستورية جملة من مواد مشروع المسطرة المدنية، وهو القرار الذي جاء بناء على إحالة رئيس مجلس النواب للمشروع على المحكمة في صيغته النهائية كما صادق عليها مجلس المستشارين في قراءة ثانية.

وكانت وزارة العدل قد رحبت، في بلاغ لها، بقرار المحكمة الدستورية بشأن مشروع القانون، معتبرة أنه “يشكل محطة دستورية هامة في مسار البناء الديمقراطي وتعزيز الضمانات القانونية داخل المنظومة القضائية الوطنية”.

وقالت إنها ستتخذ التدابير القانونية والمؤسساتية اللازمة، بالتنسيق مع كافة المتدخلين، من أجل تكييف المقتضيات القانونية موضوع القرار، “في احترام تام لما قضت به المحكمة الدستورية، وفي إطار الاستمرارية التشريعية التي تضمن تطوير منظومة العدالة بما يخدم مصلحة المتقاضين ويعزز مسار الإصلاح الشامل”.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا